شهد العالم في مطلع القرن الحادي والعشرين الكثير من أشكال وصور التطور التقني التي أسهمت في توفير فرص تعليمية مبتكرة لها القدرة على استيعاب أعداد أكثر، وفئات متنوعة من المتعلمين، بالإضافة إلى ذلك، شهدت البيئة الأكاديمية بقطاع التعليم العالي، الذي يمثل أحد الركائز الرئيسة للتنمية الشاملة، العديد من التحديات التي تطلبت ممارسات تعليمية، وأساليب تربوية مستلهمة من التوجهات التقنية الحديثة، وتأثيراتها المتعددة والمستمرة. وفى هذا السياق، ومن خلال هذا المنبر الإعلامي الوطني، أدعو إلى بناء وتصميم منصة بحرينية تعليمية بعنوان: «حمد المعرفة» للمحتوى الأكاديمي الرقمي المفتوح، بتعاون مشترك بين وزارة التربية والتعليم، والأمانة العامة لمجلس التعليم العالي، ووزارة المواصلات والاتصالات، والبوابة الوطنية لمملكة البحرين، وجميع مؤسسات التعليم العالي في مملكة البحرين؛ لنشر المعرفة وتنمية المهارات في مجالات مختلفة، وإتاحة فرص تعليمية، وبيئة تعلم عالمية مفتوحة لجميع فئات المجتمع البحريني والخليجي والإقليمي والدولي، وتحسين فرص التعلم للراغبين في الدراسة، وغير القادرين على حضور الفصول الدراسية داخل الحرم الجامعي، وأي شخص لديه إمكانية الوصول إلى الإنترنت في أي مكان في العالم. ومن المأمول أن تطرح هذه المنصة الرقمية الأكاديمية، التي ستكون من أحدث النماذج التعليمية بقطاع التعليم العالي في مملكة البحرين، مقررات تعليمية عبر الشبكة العنكبوتية من دون قيود أو شروط مسبقة مجانا، أو بمقابل مادي بسيط، للراغبين في التعليم؛ حيث سيتم تصميم هذه المقررات من قبل أساتذة متخصصين من مؤسسات التعليم العالي في مملكة البحرين، يتمتعون بخبرة واسعة في مجال تخصصهم الأكاديمي. وهنا تجدر الإشارة إلى ضرورة وأهمية مواصلة السعي نحو بناء القدرات والجدارات الأكاديمية بمؤسسات التعليم العالي في مملكة البحرين، ودعم التحالفات والشراكات وتبادل الخبرات بينها؛ مما يسهم في تطوير وتعزيز قدراتها على إنتاج تلك المقررات بشكل متميز. إن إنشاء هذه المنصة الرقمية «حمد المعرفة» يعد مشروعا وطنيا سوف يعزز عملية تدويل التعليم العالي في مملكة البحرين، وسوف يساعد على جذب أعداد كبيرة من الدارسين بما يتسق مع التطورات الآنية التي يشهدها التعليم العالي المعاصر عالميا، الذي يتميز بظهور نماذج وصيغ جديدة للخدمات الجامعية المعاصرة؛ حيث أصبح تعليماً عابراً للحدود الوطنية فكراً وتمويلاً، وأصبح سوقاً مفتوحاً للاستثمار العام والخاص بوصفه صناعة تعليمية، كما أصبح أكثر استجابة لما يأتيه من خارج منظومته من متغيرات علمية واجتماعية وتكنولوجية تؤثر في تخصصاته العلمية ومجالاته التطبيقية وأدواره المهنية والاجتماعية. وعلاوة على ما سبق، سوف تغير هذه المنصة الرقمية «حمد المعرفة» مجرى التعليم العالي في مملكة البحرين، وسوف تكون خطوة استباقية لتطويره وتهيئته للمستقبل؛ إذ تنبأت الأدبيات التربوية الحديثة بتلاشي نظم التعليم التقليدية، وزوال معظم مؤسساتها خلال خمسين عاما؛ بحيث لن يبقى سوى عشر جامعات في العالم، وأن المنصات الأكاديمية الرقمية ستجتاح العالم، وسوف تهيمن على المؤسسات التعليمية دافعةً إياها إلى تغيير سياساتها، وإعادة هندسة عملياتها التعليمية، وتوفير تعليم متقدم مرن منخفض التكلفة، ومصادر تعليمية عالية الجودة. وعلى الرغم من جوانب التشابه النسبي بين المنصة المقترح إنشاؤها والتعليم عن بعد، فإن سمات العالمية والتبادلية والتشاركية والانفتاح والمجانية والاستقطاب والجاذبية والتفاعلية وكذلك الكثافة، تجعل من المنصة المقترحة مختلفة عن التعليم عن بعد، الذي يستلزم دفع مقابل للخدمة التعليمية، كما أنه مقصور على مستخدميه فقط؛ الذين لا يمكنهم الوصول إلى المواد التعليمية وأنشطة التعلم إلا من خلال كلمة المرور. الجدير بالذكر أن الكثير من الدول كان لها السبق في تدشين منصات أكاديمية رقمية وطنية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر أستراليا، والمملكة المتحدة، والصين، ومصر، وألمانيا، وإسبانيا، وفرنسا. بالإضافة إلى ذلك، قامت الكثير من الجامعات، مثل: جامعة هارفارد، وجامعة ستانفورد، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، بطرح بعض مقرراتها بالشراكة مع منصات موكس الرقمية العالمية، وقامت دول الاقتصادات الناشئة (دول البريكس) بإنشاء منصات تعليمية خاصة بها، على غرار المنصات العالمية، وتعد حالياً أسرع أنظمة التعليم العالي بعد الولايات المتحدة الأمريكية بما يعادل تسعة وثلاثين في المائة من حجم الالتحاق بالتعليم العالي عالميا، كما تتصدر أنظمة التعليم العالي الوطنية بها قائمة أضخم نظم للتعليم العالي عالميا، محتلة الترتيب الأول والثاني والرابع عالمياً؛ حيث يوجد في الصين والهند أكثر من ثلاثين مليون طالب، تليها الولايات المتحدة الأمريكية بأكثر من تسعة عشر مليوناً، ثم البرازيل بأكثر من ثمانية ملايين طالب. وفي إطار ما سبق ذكره، يمكن القول بأن منصة «حمد المعرفة» المقترح إنشاؤها سوف توفر الفرص الملائمة لبناء مواطن بحريني قادر على استثمار معطيات عصر المعرفة واقتصادها بقوة وإرادة وفاعلية، وبما ينعكس إيجاباً على امتلاك المجتمع البحريني بأسره للمعرفة، وأسس إنتاجها، وأدوات استخدامها، وآليات توظيفها بإبداع بوصفها واحدة من أهم المقومات المعاصرة لتحقيق جميع أهداف التنمية المستدامة. وفضلا على ذلك، سوف تسهم بشكل فاعل في التغلب على التحديات الحالية التي تواجه مؤسسات التعليم العالي وخدمة الأهداف التعليمية القومية وتنفيذ طموحات المجتمع البحريني وتطلعاته على نحو مُجدٍ وفعال؛ تحقيقاً للرؤية الملكية السامية لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، وتنفيذاً لتوجيهات صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الموقر، حفظهما الله ورعاهما. { الأستاذ المشارك بجامعة البحرين - زميل الأكاديمية البريطانية للتعليم العالي
مشاركة :