وصف متابعون للشأن المغاربي عرض الوساطة الذي تقدمت به الجزائر بين المجلس العسكري الحاكم في مالي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بأنه مناورة الهدف منها التسلل إلى منطقة نفوذ ديني وسياسي للمغرب ظلت مغلقة أمام النظام الجزائري بالرغم من محاولات الدخول إليها. وتغطي السلطات الجزائرية في مسعاها لتحقيق هذا الهدف على وضع نفسها في خدمة التمدد الروسي في مالي ودول جنوب الصحراء من خلال مجموعة فاغنر، مستفيدة من الخلاف بينها وبين فرنسا حول قضايا التاريخ والذاكرة. محمد أشلواح: الجزائر تريد بناء تحالفات تكتيكية لإضعاف نفوذ المغرب ولا تمتلك الجزائر التي تدعم المجلس العسكري في مالي أي أوراق ضغط من شأنها أن تسهّل أمامها إنجاح هذه الوساطة، وهي تشتغل بالوكالة لفائدة روسيا وتفتح أمامها أبواب تثبيت نفوذها في مالي نكاية في فرنسا، دون أن تكون لها خطط واضحة لخدمة مصالحها بتثبيت الوضع الحالي في مالي ودعم المجلس العسكري الحاكم على حساب عودة الديمقراطية. ويشير المتابعون إلى أن الجزائر تسعى لدخول منطقة غرب أفريقيا من بوابة هذه الوساطة بهدف وضع قدم في منطقة معروفة بعلاقاتها المتينة مع الرباط دينيا وتاريخيا، حيث يمثل المغرب مرجعا روحيا لملايين الأفارقة من متّبعي الطرق الصوفية. وتعتبر مدينة فاس المغربية مرجعية لأنصار الطرق الصوفية من غرب القارة ونقطة انطلاق لهم في مسيرة الحج. وأسس العاهل المغربي الملك محمد السادس مؤسسة خاصة بالعلماء الأفارقة مهمتها تعميق الإرث التاريخي بين المغرب والدول الأفريقية لإعادة الزخم إلى الطرق الصوفية التي ترمز للإسلام المعتدل فضلا عن ترويج مقاربة المغرب الحديثة القائمة على تحصين الدين من التوظيف السياسي، وذلك من خلال ابتعاث أئمة مغاربة إلى دول جنوب الصحراء من بينها مالي ونيجيريا. ولا يستبعد مراقبون ومحللون سياسيون أن يكون العرض المقترح من طرف الرئاسة الجزائرية بشأن الوساطة بين مالي ومجموعة “إيكواس” تمهيدا لفتح ممرات دبلوماسية لها في المنطقة التي ظلت حكرا على نفوذ تقليدي مغربي دائم؛ فإلى جانب القواسم الثقافية والدينية التي استغلتها الرباط في التقارب الشعبي هناك تعاون اقتصادي وتجاري قوي بين الطرفين أثمر عن دعم صريح من قبل دول المجموعة للمقاربة المغربية في حل أزمة الصحراء، وهو ما جعل الجزائر بعيدة عن المنطقة. وأكد محمد أشلواح، أستاذ العلاقات الدولية في المغرب، في تصريح لـ”العرب” أن الوساطة الجزائرية المعروضة بين مالي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا تأتي في سياق محاولة الجزائر إيلاء المناطق التي ينشط فيها المغرب اهتمامًا ومواجهة نفوذه على كافة المستويات الدينية والتجارية والسياسية والاقتصادية. Thumbnail وخلال السنوات الماضية بدأت الجزائر محاولات محدودة لاستثمار الجانب الديني بتوظيف الزوايا والطرق الصوفية في كسب قضايا سياسية ودبلوماسية في المنطقة، لكن لم تفرز هذه المحاولات أي نتائج تذكر، كما لم تؤثر على متانة الدور التاريخي المغربي في المنطقة. وقال أشلواح إن “الجزائر تريد أن تبني تحالفات تكتيكية جديدة من أجل إضعاف المغرب في منطقة غرب أفريقيا”، مستدركا أن “هذا الأمر أصبح مستعصيا لعدة أسباب أهمها أن دول المنطقة لها شبكة علاقات متينة وقوية مع المغرب في العديد من المجالات، ولا تريد أن تخسر شريكا موثوقا به لفائدة الجزائر التي تعيش حالة من الارتباك في القضايا الإقليمية”. وكان المغرب عمل بدوره على تحقيق وساطة إيجابية في إدارة الأزمة بمالي، حيث قام وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين في الخارج ناصر بوريطة بزيارة إلى باماكو عام 2020، وأجرى محادثات. وكانت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا قد قررت خلال اجتماعها في أكرا الغانية “إغلاق الحدود مع مالي وفرض حظر عليها”، كرد فعل منها على عدم التزام العسكريين بتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية في السابع والعشرين من فبراير القادم، وإعلان فترة انتقالية لمدة أربع سنوات، الأمر الذي أثار رد فعل قويّا من القادة العسكريين في باماكو، وقاموا باستدعاء سفراء بلدهم في دول المنظمة، فضلا عن إعلان حالة التعبئة في البلاد. ورافقت الجزائر فصول الأزمة السياسية في دولة مالي، منذ سقوط البلاد في أيدي الجماعات الجهادية عام 2012، وتدير اتفاق السلم والمصالحة الوطنية عام 2015 على أراضيها بين الفصائل المتناحرة، غير أنها لم تتمكن من تجسيد فصوله على الأرض، ولا حتى تسهيل العودة إلى الوضع الدستوري الطبيعي في البلاد. غير أن اللافت في الآونة الأخيرة هو تماهي الجزائر مع التمدد الروسي في المنطقة، بعد لجوء السلطات الانتقالية إلى قوات فاغنر لفرض الأمن في البلاد، مما أعطى الانطباع بأن الجزائر وظفت الأزمة المالية في تصفية حساباتها مع فرنسا بالتساهل مع التمدد الروسي، الأمر الذي أفضى إلى انزعاج أوروبي وأفريقي (إيكواس). وتعلل الجزائر مبادرتها بما أسمته “قيادة الوساطة الدولية ورئاسة مجلس متابعة اتفاقية السلام والمصالحة في مالي، المنبثقة عن مسار الجزائر، فضلا عن عامل الجوار والقواسم المشتركة كالحدود البرية والتاريخ والدين”. وحذر بيان للرئاسة الجزائرية من “العواقب السياسية الأمنية والاقتصادية التي قد تنتج عن انتقال طويل الأمد للسلطة كما أرادته الجهة المالية”، وحث على “حوار هادئ وواقعي مع الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، بغية التوصل إلى خطة للخروج من الأزمة والتي تأخذ بعين الاعتبار المتطلبات الدولية وتطلعات الشعب المالي المشروعة، وكذا العوامل الداخلية المرتبطة بالديناميكيات المالية الوطنية”. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :