توصل الباحثون إلى ابتكار أداة جديدة صغيرة الحجم لتحديد الأماكن (جي بي إس) تتصل بالأقمار الاصطناعية يمكنها تتبع المشتبه فيهم من خلال دسها في الأشياء التي ينتشر سرقتها وفي فواتير الدفع. وتمكنت الشرطة الأمريكية في أغسطس/ آب الماضي من القبض على جيسون جولسون أوريلوس الذي ارتكب عدداً من جرائم السرقة والقتل في لونج آيلاند، بعد أن تخفى وراء قناع أسود وبدلة رياضية. ونجح المشتبه فيه في تضليل السلطات لأشهر عديدة، ولكنهم ومن خلال أداة صغيرة زرعوها سراً في دفتر فواتير المحال، ألقوا القبض عليه بعد أن تتبعوا فواتيره. وبعد أيام قليلة ألقت السلطات القبض على مشتبه فيه ارتكب عدة جرائم سطو مسلح قتل شخصاً خلال إحداها. واعتمدت الشرطة الأمريكية الأداة الصغيرة خلال السنوات الخمس الفائتة. في ريدلاندز في كاليفورنيا، ثبت أحد المجرمين أداة في مضخة وقود لسرقة أرقام بطاقات الائتمان، ووضعت الشرطة جهاز تتبع فوق هذه الأداة وتمكنوا من خلالها من القبض على المجرم بعد سرقته الأموال حصيلة بيع الوقود. وبحسب ستيفن ستراينيكي، رئيس شرطة إقليم ناساو، فإن هذه التكنولوجيا باتت واحدة من أهم الأسلحة في متابعة المشتبه فيهم ورصد أماكنهم وتسجيل جرائمهم، كما أصبحت شيئاً مألوفاً لدى الشرطة لا يمكن الاستغناء عنه. ويقول جيمس كارفر، رئيس اتحاد الشرطة في إقليم ناساو: نعيش الآن في عالم اختلف كثيراً عما كان عليه منذ 3 عقود، وعلينا الاستفادة من التقنيات الحديثة التي أفرزها التقدم التكنولوجي في كل مجالات الحياة. وعلى الرغم من النجاح الذي حققته الأداة في الكشف عن عدد لا بأس به من المشتبه فيهم، فإنها أثارت الكثير من الأسئلة من قبل خبراء القانون الذين يرون أنها تمثل فرصة لمنفذي القانون لارتكاب انتهاكات عديدة، وتساءلوا عما إذا كانت مثل هذه الجرائم سوف تصمد أمام المحاكم أم ستكون مبنية على أدلة هشة لن يعتد بها. وفي 2012، أدانت المحكمة الأمريكية العليا إجراءات الشرطة بعد أن زرعت أدوات جي بي إس في مركبات مشتبه فيهم لرصد تحركاتهم، وفرضت المحكمة قيوداً على استخدام هذه الأدوات. إلا أن هذه القيود لم تتضمن تحديداً زرع الأدوات التي توضع بهدف الحماية في الأشياء التي تنتشر سرقتها، كما أنها لم تتناول المدة التي يمكن للشرطة خلالها تتبع المشتبه فيه ومن ثم الاستفادة من ما يتحصلون عليه من بيانات ومعلومات. ويقول البروفيسور جوناثان تورلي، أستاذ القانون الدستوري في جامعة جورج واشنطون: تمثل التقنية تحدياً أمام التعديل الرابع للقانون، فدائماً ما تثير التكنولوجيا الكثير من التحديات أمام القانون الدستوري، وألقيت الكرة الآن في ملعب المحكمة لتقرر متى يمكن لأفراد الشرطة استخدام التقنية لرصد المشتبه فيهم وتسهيل القبض عليهم. وحتى الآن، لم ترتق هذه التحديات إلى المستوى الخطر، لسببين، أولهما أن التقنية لا تزال جديدة، وثانيهما أنه ثبت بالفعل إدانة كثيرين ممن حكم عليهم. ويقول الخبراء القانونيون إنه يحق لمن يقبض عليهم لسرقة أشياء ثبت فيها أداة تتبع ملاحقة الشرطة قانونياً، بعد أن ألقت الشرطة القبض على عدد هائل من لصوص السيارات بفضل أداة التتبع اللاسلكية LoJack. بيد أن منظمات الحريات المدنية تقول إنه يجب مقاضاة الشرطة إذا تركت أدوات التتبع عمداً في سيارات المشتبه فيهم لفترة طويلة لكشف الجرائم التي يرتكبها الشخص. يقول جاي ستانلي، المحلل الشرطي في اتحاد الحريات المدنية الأمريكي: كقاعدة أساسية، لا أعتقد بأنه يجب ملاحقة الناس عن طريق أجهزة التتبع من دون الحصول على مذكرة قضائية، فلو سرق أحدهم شيئاً ما ولم يقبض عليه خلال 6 أشهر عملت الشرطة خلالها على جمع المعلومات وإجراء التحريات حول حياته الخاصة، فيعد ذلك مشكلة كبيرة. وتصيب المخاوف خبراء القانون من وقوع الأبرياء في مشاكل جراء اقتناء أشياء بطريقة عفوية، لا يعلمون أنه زرعت فيها أجهزة تتبع، فقد يحدث أن يسرق أحدهم مالاً دست فيه أجهزة تتبع ثم يعطيه لآخر لشراء شيء ما أو لسداد قسط شهري، فيصبح الأخير متهماً بالسرقة. وربما يستعير أحدهم سيارة صديق زرع فيها جهاز تتبع ثم يلقي القبض عليه من دون ذنب، بحسب المحامية آمي ماريون من نيويورك. وحدث ذلك بالفعل في ولاية بافالو الأمريكية، حيث ألقت الشرطة القبض على متهم بسرقة أحد البنوك قالت الشرطة إنه ضبط ومعه حقيبة نقود ثبتت فيها أجهزة تتبع، ويعتبر ذلك غير دستوري، فبحسب دفاعه فإن ما ضبط معه من مال لم يكن كافياً لإدانته. ويؤكد الخبراء إن استخدام أجهزة التتبع قلص من مستوى الحريات الشخصية، وفرض قيوداً عليها، وانتهك خصوصياتنا، فكاميرات المراقبة الأمنية اعتلت أغلب البنايات، وترصد أجهزة التتبع اللاسلكية تحركاتنا وتبث معلومات حول أماكن وجودنا، كما تسجل أكشاك تحصيل الرسوم تنقلاتنا من مكان إلى آخر، فبتنا نعيش في مجتمع أشبه بحوض السمك، إذ تستطيع السلطات مراقبة الجميع مراقبة آنية، بحسب تورلي. وتعتبر أجهزة التتبع نسخة القرن الواحد والعشرين من عبوة الصبغة المتفجرة التي اعتاد صرافو البنوك دسها داخل حقائب النقود حال سرقتها، إذ تنفجر العبوة خارج أسوار البنك فيتلطخ بها اللص والأموال المسروقة. وحين يسير شخص ما عبر باب به جهاز تتبع، تتلقى الشرطة إشارة صامتة من الجهاز، فتستطيع فرق التحريات استخدام خرائط الإنترنت التي يتم تحديثها أولاً بأول، لتحديد هوية من أرسلت عنه الإشارة ومكانه. وتطور استخدام أجهزة التتبع بعد أن صغرت أحجامها فيمكن زرعها خفية بين دفاتر الفواتير وفي زجاجات وعبوات وهمية داخل محال بيع المشروبات والمواد الغذائية والصيدليات لإحباط محاولات السطو المسلح عليها، إذ توضع العبوات الوهمية بالقرب من صندوق الدفع ليعطيها الصيدلي مثلاً للص على أساس أنها من بين الأشياء التي يريد سرقها. وأكد مصنعو مسكن الآلام OxyContin إن مثل هذه الزجاجات التي تستخدم في 33 ولاية أدت إلى القبض على أكثر من 160 مشتبهاً فيه.
مشاركة :