على الرغم من أن مصطلح حقوق الإنسان يتوجب أن يعكس قيمة نبيلة عالية القدر وغالية القيمة ، الإ أنه ومن كثرة إستخدامه فقد الكثير من ألقه ، وأضحى صنوا لكثير من المفردات الحقة في مظهرها ، غير أنه يراد بها باطل في جوهرها . نهار الثلاثاء الماضي ، أي خلال فعاليات اليوم الثاني لمنتدى شباب العالم الذي أستضافته مصر ، وعقد في مدينة شرم الشيخ ، تحت شعار " العودة معا "، وبحضور نخبة من الشباب من 196 دولة من قارات إفريقيا، أوربا ، آسيا ، أمريكا الشمالية ، أمريكا الجنوبية ، جرى عقد جلسة لنموذج محاكاة لمجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة ، وفي حضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية . الذين تابعوا التعليقات التي أعقبت الجلسة المشار إليها ، توقفوا عند تعليق السيسي على فكرة العمل الحقوقي ، وكيف تناوله بعبارات حاسمة وحازمة ، تلقي الضوء على الآليات الأبوكريفية المنحولة التي يتم من خلالها إستخدام هذا الطرح وجعله خنجرا في خاصرة الأمم والأنظمة ، ولصالح دول أو منظومات عالمية أخرى لها أهداف قد تغيب عن أعين البسطاء ، لكنها لا تخفى عن أفهام الحكماء والذين لديهم علم من كتاب . نظرت مصر ولا تزال إلى مفهوم حقوق الإنسان بوصفه رؤية متكاملة غير مجزأة ، وهذا ما خرج إلى العالم في شكل الإستراتيجية الوطنية المصرية، التي أطلقت في شهر سبتمبر أيلول المنصرم ، والتي تهدف إلى تعزيز الحقوق الإجتماعية والإقتصادية ، السياسية والثقافية داخل البلاد . الإستراتيجية المصرية لحقوق الإنسان ليست منظومة غنائية كالديمقراطيات الغناء التي يتشدقون بها ، ولكنها خطة عمل تتمحور حول المرأة والطفل وذوي الإعاقة والشباب وكبار السن ، عطفا على التثقيف وبناء القدرات في مسيرة العملية الحقوقية الإنسانية . هل حقوق الإنسان فكر قاصر على مجموعة من الشعارات المؤدلجة ؟ هذا ما تروج له الكثير من القوى الغربية ، وعادة ما يتم إستخدامه في تصفية حسابات أو التمهيد لإختراقات ، وقد خبرت معظم إن لم تكن غالبية الدول العربية ذلك النوع من التعاطي خلال العقود التي أعقبت التحرر الوطني من ربقة الإستعمار الأجنبي . الذين يوجهون سهامهم إلى كبد العالم العربي ، لديهم حالة من الإزدواجية الأخلاقية ، ربما فضحتها جائحة كوفيد -19 المستجد في العامين الماضيين وهذا ما توقف عنده الرئيس السيسي بمقاربة واضحة وفاضحة للتهافت الغربي الذي عادة ما يتذرع بحالات فردية ، ويجعل منها مقياسا عموميا . ذكر السيسي الحاضرين بأزمة كورونا ، والتي وجدت الدول الغربية نفسها فيها أمام إطار من الإجراءات الحتمية القاسية ، كالإغلاق ، وفرض القيود للحد من إنتشار الفيروس ، وتقليص مساحات الحركة ، وجميعها بدون إستثناء ، كانت ولا تزال ضد يقينيات وثوابت الحرية التي درج الجميع على تقديسها . على الرغم من ذلك ها هي عواصم أوربية ، وحتى واشنطن نفسها ، تضع أصفادا أدبية وقيودا أخلاقية تجاه الرافضين لتلقي اللقاحات ، ما يعني أن حرية المرء عند حالات الطوارئ القصوى ، مرهونة بالحفاظ على الأمن القومي للبلاد والعباد ، قبل أي قيمة أخرى ، من أجل خدمة أجندة الدولة الوطنية ، ودرءا للمخاطر التي تحدق بها ، أو الشرور التي يتطلع إليها الطابور الخامس في الداخل. تبدأ حقوق الإنسان من عند توفير أهم الأركان في هرم ماسلو الشهير للإحتياجات الإنسانية ، الأ وهو الحق في الأمان ، وقد عانى عالمنا العربي منذ زمن الربيع العربي المغشوش والمكذوب ، من سحق ومحق لعنصر الأمن والإستقرار الإ ما رحم ربك ، وبات التساؤل الحقيق بأن يطرح :" هل المقصود بحقوق الإنسان سيادة وطغيان التوجه الأناركي الفوضوي ، لتنفيذ أجندات تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ ، والأمر ليس سرا ، فقد نشرته كبريات الصحف العالمية لا سيما النيويورك تايمز في أوائل العقد الماضي ؟ لعل الذين ملأوا الدنيا صياحا لجهة أوضاع حقوق الإنسان في مصر المحروسة ، لم يأخذوا في عين الإعتبار وجود نحو 6 ملايين لاجئ جاءوا إليها من السودان واليمن ، من العراق وسوريا ، ومنذ منتصف القرن الماضي كانت أم الدنيا ملجا للأخوة الفلسطينيين . لم ينظر إلى طرائق تعاطي مصر مع تلك الملايين ، والنظر إليهم على أنهم أخوة وأشقاء ، يقيمون ويعملون ، يكدحون وينجحون ، في القلب من جموع المصريين ، ومن غير مخيمات أو معسكرات للأجئين تمتهن فيها حقوق الإنسان كما نراه في أوربا على ناصية الأشهاد . جانب أخر يعكس تهافت كثير من طروحات وشروحات الحقوقيين الكمبرادوريين إن جاز لنا إستعارة المصطلح من عند علماء الإقتصاد ، وهو الخاص بالمفاهيم والثوابت الدينية والإيمانية ، وكيف يجري الديالكتيك الحقوقي غير الصادق ، بمحالاوت تشبه قميص عثمان ، وبما لا يلاءم العقائد الدينية التي يؤمن بها العرب بمسلميهم ومسيحييهم . قبل نحو شهرين كانت هناك معركة حامية الوطيس خاضتها المملكة العربية السعودية ومندوبها في الأمم المتحدة السفير عبدالله المعلم ، وساندته فيها الدول العربية ، ضد مسألة إجبار الأخرين على تقنين أوضاع المثليين ، فهل هذه هي الحقوقيات المطلوب أن تسود . يتساءل المرء لماذا يتعامي هولاء وأولئك عن تحسين أوضاع الملايين من الفقراء ، وبناء منازل لإيواء الآلاف من الذين أفتقدوا أقل قدر من كرامة العيش ، وتوفير رعاية صحية جيدة ، وقد كان زمن الجائحة إختبارا حقيقيا لنجاح العديد من المنظومات الصحية العربية ، ناهيك عن المثابرة الدؤوبة لإكمال المسيرة التعليمية رغم الظروف السائدة وقسوتها ؟ أنفع وأرفع العبارات التي أستخدمها الرئيس السيسي في تعليقه على جلسة المحاكاة ، كانت تلك التي أشار فيها إلى تعاطي مصر مع قضية الإرهاب في حدود القانون وقال فيها ...لم يعاقب أحد بجريرة لم يقترفها ... وحتى التهجير الذي تم في رفح كان لفترة مؤقتة ، وها هم أهالي رفح يعودون إلى مدينتهم الجديدة الحديثة الأرقى بكثير .. هل من خلاصة ؟ ينسب للإمام الشافعي بيت الشعر القديم : وعين الرضا عن كل عيب كليلة .. ولكن عين السخط تبدى المساويا . طرح القضايا الحقوقية يبدا من الذات ومن غير إنتظار لرؤى أو توجهات الأخرين .
مشاركة :