كنا نستغرب فيما مضى من زمن الطيبين والبراءة والصدق والمحبة والألفة، كيف يجيد ويبرع فنان ممثل متمكن مبدع أو مهرج بارع أو لاعب سيرك خارق مذهل، أن يتقن ويجيد الحرفة بالتحايل أو التقاط فكرة ساخرة ولاذعة ومبهرة ونصفق له جميعاً لبراعته في الأداء والتمثيل والتنفيذ، حيث يأتي بفكرة لم تطرق على بال الإنسان العادي، فيها دهاء وخبث ولؤم ومكر وفطنة ومهارة عالية الدقة ومدهشة للحضور، لكي يجذب إعجاب المشاهد والمتلقي ويبهره، ويلفت الأنظار بإبداعه وتمثيله وفطنته وتحايله الذكي المدعم بالخفة البارعة الخدعة الحركية والتحايل البصري.. ونتساءل: كيف جاءته الفكرة ولم يسبقه إليها أحد؟ ولكن يبدو أن بعض البشر اليوم في عصر العولمة الحالي، بتقنياتها الحديثة وتكنولوجياته المدهشة المرعبة، أصبحوا أكثر تمثيلا ومهارة وبراعة من الممثل نفسه، وساذجين وسمجين أكثر من المهرج الحالي على المسرح في صالة العروض.. ووصل إنسان اليوم مرحلةً متقدمة من الخداع والخبث والدهاء واللؤم والكذب والافتراء والتلون، فيما تبلدت مشاعره وماتت أحاسيسه على نحو غير مسبوق! ويصدَم البعض بالتصرف المنحرف والسلوك المخيف والضار والظالم والمجافي للحق والحقيقة من جانب هذا الإنسان، لدرجة أن الممثل السابق نفسه أصبح يستغرب سلوك الإنسان الحالي، وباتت مهنة التمثيل نفسها غير مجدية ولا مؤثر ولا مطلوبةً، إذ لم يعد للمثل من دور وذلك لكثرة الكذب والتزلف والنفاق والتمثيل في المجتمعات، سواء في الأوساط الأسرية أو في أوساط العمل. لقد أصبح الكذب ومحترفوه في كل زاوية ومكان، وهم بسلوكم وتصرفاتهم يسبقون حتى أكبر الموهوبين في التمثيل والمبدعين في التهريج ولاعبي السيرك على الحبال مع الوحوش الكاسرة المتوحشة التي روضوها بالخديعة والتحايل. وقد وصل بعض الأفراد إلى مرحلة متطورة من الخبث واللؤم والتدليس والكذب والافتراء والظلم والجحود استخدموا فيها كل الأساليب من أجل الضرر والشر والخديعة وتفكيك الأسر وهدم المجتمعات.. باستخدام مهاراتهم في البهتان والتشويه واستهداف الناجحين وإلحاق الضرر بهم لثنيهم عن الاستمرار في إنجازاتهم الواضحة لصالح دولهم ومجتمعاتهم. ولذلك يشكو كثيرون من تغير نمط الحياة الإنسانية وكونها أصبحت مجرد مسرح تمثيل مفضوح وممجوج، خال من البراءة والمودة والبساطة والأريحية والرحمة والعطف والمروءة والتواصل الإنساني.. بل وصل اللؤم بهذا النمط من الأشخاص أنهم يلبسونك تهماً لا تخطر على بال الشيطان نفسه. لذلك يلجؤون لتزوير الحقائق وتزييف الصور، حتى أصبح الكذب لديهم صدقاً والصدق كذباً، مفسدين بذلك الثوابتَ والقيم، في وقت ضاعت فيه المفاهيم واضطربت العادات والتقاليد، مع أنها جميعاً ترفض ممارساتهم الدخيلة على المجتمعات وعلى ثقافاتها التي لا ترضى أن تكون الحياة كلها خدعة وافتراءً وكذباً وتمثيلا ولعباً على حبال المكشوف!
مشاركة :