«قُريِّة» هي مستوطنة أثرية في السعودية من أكبر المستوطنات الاثرية الموثقة في الجزيرة العربية والقرية مسورة بالحجارة على مساحة 300 هكتار، وتقع شمال غرب من مدينة تبوك وعلى بعد 90 كم منها. وهي عبارة عن مدينة سكنية ومنطقة زراعية وقد اعلنت هيئة التراث مع الفريق المشترك من جامعة فيينا النمساوية من تحديد تأريخها إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد (2900 / 2600 قبل الميلاد تقريباً). توثيق التاريخ جاءت تلك الاكتشافات على إثر استخدام أحدث الأساليب البحثية، وبواسطة تلك الأساليب تمكن الفريق البحثي من توثيق تاريخ مستوطنة قرية في منطقة تبوك أي في العصر البرونزي المبكر، وذلك من خلال تركيز البحث والتقصي على امتداد سور الواحة البالغ طوله 13 كيلو متراً ورفع عينات منتظمة منه وتاريخها بالكربون المشع وتقنية الوميض المحفّز. معابد وأسوار وقد اكتشف فيها العديد من الأدوات الحجرية كما يوجد بها أفران لصناعة الفخار، والأسوار ممتدة في السهل وترتفع إلى قمة الجبل تحفها السهول من كل جانب إضافة إلى المعابد وجداول توزيع المياه التي تشبه نظام الري في منطقة البدع إذ يرتبطان ارتباطاً وثيقاً من حيث الأقسام الزراعية والصناعية. وكشفت أعمال التنقيب بين هيئة التراث والفريق المشترك من جامعة فيينا النمساوية عن تحديد تاريخ نشأة واحة قريّة الحضرية بـ 1000 سنة أقدم من التاريخ السابق كما ذكر الموقع لأول مرة الرحالة الفنلندي جورج أوغست فالين في عام 1848م. كما قام جون فيلبي بزيارة موقع قُريِّة في عام 1951م وكتب مقال عن التضاريس والمستوطنة والقلعة، والسور ومنشآتها المعمارية والحقول الزراعية، والقنوات، والسواقي، والسدود، والحواجز، والسواتر المائية. وجاء بالحديث على مغارتين خارج سور المدينة في السلسلة الجبلية فوصفهما وصفاً مفصلاً. وتحدث أيضاً عن مظاهر معمارية مثل الدوائر الحجرية الضخمة، والرجوم، ومئة مدفن يُظن أنها شبيهة بالمدافن السبئية في جنوب الجزيرة العربية. المقبرة الدائرية وكانت أهم نتيجة وصل لها الفريق البحثي قبل اكتشاف أسوار قرية، العثور على مقبرة على هيئة دائرة من الحجارة على قمة هضبة الموقع دفن فيها أكثر من اثني عشر فرداً من عليّة القوم (نساء ورجالاً وأطفالاً) ودفن معهم أكثر من 1000 خرزة و8 قلائد منوعة من الطين والخزف المزخرف ومستوردات أم اللؤلؤ والأصداف، إضافة للعظام والعاج والأحجار الكريمة وما شابهها من العقيق والهيماتيت والأمازونيت والمرو الشفاف والحجر الأخضر والفيروز واللازورد، وكذلك دفنت معهم هدايا من أواني الفخار ملون بعضها وقرابين حيوانات. التواصل الحضاري وأكدت نتائج الدراسات أنّ منطقة الدراسة لا تعطي فقط فهما لطبيعة الأنماط الرعوية القديمة فحسب؛ بل تسلط الضوء على مسألة التواصل الحضاري بين المناطق المجاورة (خاصةً جنوب الأردن وسيناء) اللتين يوجد بهما نماذج مماثلة لما تمّ الكشف عنه. واكتشفت فرق المسح الاثري العديد من الأدوات الحجرية خلال هذا المسح منها منقاش من الحجر الصوان يرجع للعصر الحجري الحديث. ويفتح هذا الاكتشاف نافذةً جديدة على تاريخ شمال الجزيرة العربية حيث انفردت واحتها الحضرية بحياتها وسكانها مستغلين بيئة الصحراء، وكانت على صلة بالشام وظلوا سكانها على أسسهم وثوابتهم الراسخة دون التأثر بتقاليد غيرهم أو بثقافة أمم الجوار. وتحتل «قريّة» أهمية كبيرة في التاريخ باعتبارها مستوطنة مركزية عاشت ثلاثة آلاف سنة وطورت لغتها وكتابتها، حتى باتت من أهم المراكز في شمال غرب الجزيرة العربية إبان العصر الحديدي باعتبارها مركزاً تجارياً واحد طرق التجارة الذي يربط شمال الجزيرة العربية بجنوبها.
مشاركة :