انحياز الحركات المسلحة للجيش السوداني يثير مخاوف من تحولها إلى ميليشيات |

  • 1/16/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

أثار إقدام بعض الحركات المسلحة على إعادة تموضعها سياسيًا لتقف إلى جانب المكون العسكري مخاوف في مناطق الهامش من تحولها إلى ميليشيات قد تتورط في أعمال قمع وانتهاكات بحق المواطنين الذين يمثلون أصحاب المصلحة الحقيقيين ويؤيدون مطالب القوى الثورية ويبحثون عن حلول تنتشلهم من واقع صعب، ما يجعل عملية تشكيل القوات المشتركة التي تجري لا تحظى برضى قطاعات واسعة من اللاجئين والنازحين. وأعلن الجيش السوداني أخيرا بدء تطبيق الترتيبات الأمنية المنصوص عليها في اتفاقية السلام الموقعة مع الحركات المسلحة عبر تنفيذ الإجراءات الخاصة باستيعاب قوات دارفور في القوة الأمنية المشتركة ذات المهام الخاصة على أن يكون ذلك بشكل مبدئي في مدينة الفاشر مركز ولاية شمال دارفور. وتضم القوة المشتركة في المرحلة الأولى 3300 عنصر تحت قيادة ضباط من القوات المسلحة، تضم 1500 جندي من قوات الدعم السريع ومثلها من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام بواقع 300 مقاتل من كل حركة ومثلهم من الجيش. وتشكل تلك الخطوة أحد المطالب التي كان يعول عليها أبناء الهامش لحفظ الأمن في إقليم دارفور، غير أن تورّط عناصر الدعم السريع وبعض قادة الحركات المسلحة في عمليات نهب لممتلكات تركتها بعثة الأمم المتحدة (يوناميد) في مقرها الرئيسي بعاصمة ولاية شمال دارفور مؤخرا جعل هناك مخاوف من عدم القدرة على ضبط تحركاتها في ظل السيولة السياسية والأمنية في البلاد. واتهم والي شمال دارفور نمر عبدالرحمن القوات المكلفة بتأمين مقر اليوناميد بنهب سيارات الموقع، مشيراً إلى أنها تتبع الجيش والدعم السريع وحركة تحرير السودان – المجلس الانتقالي، وتجمّع تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة والتحالف السوداني، وحركة تحرير السودان التي يقودها حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي. غضب شعبي جراء تمسك الحركات المسلحة بالانتخابات في حين أن الواقع يشير لاستحالة ذلك بسبب الأوضاع الأمنية ولعبت الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام في السودان دوراً فاعلاً لدعم خطط المكون العسكري نحو تنفيذ انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر، وشكلت ظهيراً سياسيًا مهمًا اعتمد عليه الجيش لتمرير قراراته التي اتخذها منذ ذلك الحين وقبلت أن تكون على رأس سلطة انتقالية يلفظها الشارع بعد أن كانت شريكاً أساسيًا في الثورة التي اندلعت ضد نظام الرئيس السابق عمر حسن البشير. ويؤكد مراقبون أن إقدام جيوش الحركات على استعراض قوتهم العسكرية بالخرطوم برهن على أن هناك رغبة في توظيف السلاح لصالح الحفاظ على المكتسبات السياسية التي حققها اتفاق جوبا للسلام، وأن الرغبة في عدم تجاوزه والحفاظ عليه مع تجميد تنفيذ بنوده باستثناء تنفيذ المحاصصات السياسية التي استفاد منها قادة الحركات تشير إلى إمكانية رفع السلاح في وجه قوى عديدة تعارض استمراره بشكله الحالي بعد أن تحول إلى أداة تخريب للوثيقة الدستورية التي جرى خرق بنودها. وقال عضو هيئة محامي دارفور نصرالدين يوسف إن أبناء دارفور على يقين من أن تشكيل القوات المشتركة بعد إرجائها أكثر من مرة يستهدف قمع الاحتجاجات السلمية، حيث أثبتت الحركات المسلحة أنها ضد الحراك السلمي الداعم للانتقال الديمقراطي في البلاد، وأن هناك مخاوف من تورط جيوش الحركات في أن تكون ظهيرا عسكريا للاتجاه المعادي للتحول الديمقراطي في ولايات الهامش. وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الحركات الموقعة على اتفاق جوبا خسرت جزءا مهما من شعبيتها في دارفور ولم يعد لها تأثير شعبي حقيقي على الأرض، وبدا واضحاً أن قادتها استهدفوا من وراء الاتفاق الوصول إلى السلطة. وأشار إلى وجود حالة من الغضب الشعبي جراء موقف الحركات الداعي لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في حين أن الواقع يشير إلى استحالة إجرائها بسبب تردي الأوضاع الأمنية وعدم تمكين النازحين من حقهم الدستوري في الانتخاب، وثمة قناعة بأن الاتفاق هو والعدم سواء فأبناء دارفور لم يحصدوا سوى الدمار. وكانت الأوضاع الأمنية في ولايات دارفور شهدت تدهوراً ملحوظاً منذ التوقيع على اتفاق السلام في أكتوبر 2020 أدى إلى مقتل المئات نتيجة أكثر من 200 حادثة عنف في مناطق الإقليم المختلفة العام الماضي. Thumbnail كما تصاعدت موجة العنف القبلي في مناطق عدة بالإقليم، لاسيما الاشتباكات الدموية الأخيرة بين القبائل العربية والمسيرية في منطقة جبل مون بولاية غرب دارفور التي راح ضحيتها 200 شخص، وأدت إلى فرار نحو 10 آلاف مواطن إلى دولة تشاد المجاورة، معظمهم من النساء والأطفال. ولدى أبناء دارفور قناعة بأن الحركات المسلحة التي ارتبطت نشأتها بمحاربة نظام الرئيس السابق عمر البشير ومارست عملها المسلح لأجل تحقيق شعارات إنهاء الاضطهاد وتحقيق المطالب العادلة للمواطنين العُزّل لم تحقق الأهداف التي كانت تنادي بها أثناء الحرب، ووقّعت اتفاقات تحت الطاولة مع المكوّن العسكري للحفاظ على موقعها في السلطة مقابل عدم الوقوف إلى جانب مطالب القوى الثورية والمدنية. ويبرهن هؤلاء على ذلك بأن المكون العسكري اختطف ملف السلام من السلطة التنفيذية التي كان من المفترض أن تقود المباحثات مع الحركات المسلحة بنص الوثيقة الدستورية وأن مجلس السيادة سعى لاستعجال الخروج بالاتفاق لإحداث خروقات في الوثيقة الدستورية تصب في صالحه دون مراعاة مطالب قوى الهامش، ما أفرز أزمة متفاقمة في مسار الشرق تجد السلطة الانتقالية صعوبات في التعامل معها. ويأتي منبع القلق في الوقت الراهن من الحلول الصفرية وتمسك كافة الأطراف بمطالبها وانعدام الثقة بين جميع الأطراف والصعوبات التي تواجهها المبادرة الأممية لحل الأزمة وغيرها من المبادرات الداخلية والخارجية، وقد يكون البديل حدوث صراعات مسلحة تجد فيها الحركات قدرة على التحرك بفعل تركيبتها الميليشياوية، إذ سيحاول كل طرف فرض وجهة نظره عبر القوة المسلحة. وتوقّع أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم أبوالقاسم إبراهيم آدم أن تتحول الحركات إلى عصابات نهب أو تنظيمات إرهابية تفرضها البيئة المحيطة حال فشلت الحلول السياسية، وفي هذه الأثناء فإن الفوضى العارمة قد تسيطر على الأوضاع في مناطق الهامش التي لا تحظى بحضور قويّ للقوات النظامية، وقد تتحول إلى أحزاب مدنية إذا انتصرت المفاوضات وجرى التفاهم حول طبيعة إدارة المرحلة المقبلة. وذكر في تصريح لـ”العرب” أنه لا مستقبل للحركات المسلحة بشكلها المعهود بعد انتهاء فترة حكم البشير، ومن الصعوبة إقناع الهامش بحمل السلاح في وجه السلطة المركزية بعد أن أثبتت التجربة أن المستفيدين من ذلك هم قادة الحركات وليس المكونات المحلية التي قدمت تضحيات جمة في الأرواح خلال الحروب التي خاضتها. إقدام جيوش الحركات على استعراض قوتهم العسكرية بالخرطوم برهن على أن هناك رغبة في توظيف السلاح لصالح الحفاظ على المكتسبات السياسية وشدد على أن قادة الحركات يمكن إزاحتهم من مواقعهم حال نجاح عملية الترتيبات الأمنية وقد يلفظهم المنضوون داخل الحركات نفسها، وفي كل الحالات لن يتمسكون بالبقاء على رأسها عقب حصولهم على السلطة والثروة بفعل اتفاق جوبا. ومن المتوقع أن يكون العمل السياسي طريقًا مناسبًا للكثيرين منهم بحثا عن استعادة شعبيتهم في الشارع، استعدادا لخوض الانتخابات المقبلة، لكن يبقى المصير الأقرب لغالبية القيادات الاختفاء من المشهد العام كما اختفى غيرهم ممن وقّعوا على اتفاقيات سابقا. ولا توجد تقديرات رسمية لعدد قوات الحركات المسلحة في ولايات دارفور (غرب)، والنيل الأزرق (جنوب شرق) وجنوب كردفان (جنوب)، لكنّ متابعين يقولون إن أعدادها تصل إلى خمسين ألفا، فهي قوات لحركات رئيسية، مثل الحركة الشعبية لتحرير السودان/ شمال بقيادة مالك عقار، وحركة العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم، فضلا عن حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، وحركة تحرير السودان المجلس الانتقالي برئاسة الهادي إدريس يحيي، وحركة قوى تجمع تحرير السودان بقيادة الطاهر حجر.

مشاركة :