هدوء تام.. الرقص على إيقاع الصمت

  • 1/16/2022
  • 09:22
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

يطرح‭ ‬عرض‭ ‬‮«‬هدوء‭ ‬تام‮»‬،‭ ‬حالة‭ ‬انسان‭ ‬القرن‭ ‬الواحد‭ ‬والعشرين،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬طغيان‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬وسيطرة‭ ‬الميديا‭ ‬على‭ ‬حياته،‭ ‬ويتضخم‭ ‬لديه‭ ‬شعور‭ ‬بالتضاؤل،‭ ‬والعجز،‭ ‬وعدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬العالم‭ ‬الكبير،‭ ‬الذي‭ ‬يتحرك‭ ‬بسرعة،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يلتفت‭ ‬اليه،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يسمع‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬داخله،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يستطيع‭ ‬الانسان‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬ان‭ ‬يوصل‭ ‬صوته‭ ‬فعلا‭ ‬الى‭ ‬احد‭. ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإن‭ ‬الفكرة‭ ‬الرئيسية‭ ‬التي‭ ‬يبدأ‭ ‬وينتهي‭ ‬منها‭ ‬العرض‭ ‬هي‭: ‬سؤال‭ ‬القهر‭ ‬والحرية‭.‬ تعد‭ ‬المشاركة‭ ‬البحرينية‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬بعرض‭ ‬‮«‬هدوء‭ ‬تام‮»‬،‭ ‬من‭ ‬تأليف‭ ‬الكاتب‭ ‬البحريني‭ ‬يوسف‭ ‬الحمدان،‭ ‬وإخراج‭ ‬وسينوغرافيا‭ ‬عبدالله‭ ‬البكري؛‭ ‬من‭ ‬المشاركات‭ ‬المميزة،‭ ‬ضمن‭ ‬منافسات‭ ‬مهرجان‭ ‬القاهرة‭ ‬الدولي‭ ‬للمسرح‭ ‬التجريبي‭.‬ يختلف‭ ‬المسرح‭ ‬التجريبي‭ ‬عن‭ ‬غيره،‭ ‬كونه‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬حاجز‭ ‬اللغة،‭ ‬حيث‭ ‬تلعب‭ ‬الحركة‭ ‬والايماءة‭ ‬دورا‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬اعماق‭ ‬الانسان،‭ ‬ولذلك‭ ‬يقبل‭ ‬معظم‭ ‬مخرجي‭ ‬المسرح‭ ‬المعاصر‭ ‬على‭ ‬الاعتناء‭ ‬بجسد‭ ‬الممثل،‭ ‬لذا‭ ‬نجد‭ ‬معظم‭ ‬مخرجي‭ ‬المسرح‭ ‬الحديث‭ ‬وخاصة‭ ‬المسرح‭ ‬التجريبي‭ ‬قد‭ ‬أولوا‭ ‬اهمية‭ ‬كبيرة‭ ‬لجسد‭ ‬الممثل‭.‬ يعتمد‭ ‬العرض‭ ‬على‭ ‬شخصية‭ ‬واحدة،‭ ‬وخمسة‭ ‬ممثلين،‭ ‬حيث‭ ‬تشكل‭ ‬الشخصيات‭ ‬الأربعة،‭ ‬التي‭ ‬ترتدي‭ ‬ثيابا‭ ‬أقرب‭ ‬الى‭ ‬لون‭ ‬الجلد؛‭ ‬صورة‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬التفاعلات‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬ما‭ ‬هذيانية‭ ‬من‭ ‬عقل‭ ‬البطل‭ ‬الذي‭ ‬يرتدي‭ ‬ثيابا‭ ‬بيضاء،‭ ‬وجاكيت‭ ‬اسود،‭ ‬وعلى‭ ‬جسده‭ ‬تلتصق‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأشرطة‭ ‬السوداء‭. ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬هذا‭ ‬العرض‭ ‬اقرب‭ ‬الى‭ ‬المونودراما‭.‬ يستغني‭ ‬العرض‭ ‬عن‭ ‬المحاكاة‭ ‬الأرسطية‭ ‬للطبيعة‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الصورة‭ ‬او‭ ‬الأداء‭ ‬التمثيلي،‭ ‬ويستبدلها‭ ‬بمنهج‭ ‬مايرهولد‭ ‬وأسلوب‭ ‬البيوميكانيك،‭ ‬الذي‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬تدريب‭ ‬الممثل‭ ‬جسديا‭ ‬حتى‭ ‬يستطيع‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬اثر‭ ‬الكلمة‭ ‬والحوار‭ ‬اثناء‭ ‬الأداء‭ ‬التمثيلي‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬ستانسلافسكي‭ ‬قد‭ ‬دعا‭ ‬الى‭ ‬التوحد‭ ‬بين‭ ‬الممثل‭ ‬والشخصية‭ ‬التي‭ ‬يقدمها؛‭ ‬فإن‭ ‬مايرهولد‭ ‬يرى‭ ‬ان‭ ‬الممثل‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬موقف‭ ‬خارجي‭ ‬من‭ ‬النص‭ ‬والعرض‭.‬ ويعبر‭ ‬عرض‭ ‬هدوء‭ ‬تام‭ ‬عن‭ ‬عالم‭ ‬ابعد‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬عن‭ ‬الهدوء،‭ ‬فطوال‭ ‬العرض‭ ‬تختلط‭ ‬الأصوات‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬نشرات‭ ‬الأخبار،‭ ‬والبرامج‭ ‬الدينية،‭ ‬وتصريحات‭ ‬المسؤولين،‭ ‬لتصبح‭ ‬الضجة‭ ‬الفارغة‭ ‬هي‭ ‬كلمة‭ ‬مفتاحية‭ ‬للولوج‭ ‬الى‭ ‬هذا‭ ‬العرض‭. ‬ومن‭ ‬قلب‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الضوضاء‭ ‬يبرز‭ ‬صوت‭ ‬خارجي،‭ ‬يخاطب‭ ‬البطل‭ ‬ويؤثر‭ ‬عليه،‭ ‬ويبشره‭ ‬بأنه‭ ‬الآن‭ ‬صار‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الضجة‭ ‬البائسة‭: ‬‮«‬كل‭ ‬الأصوات‭ ‬أصبحت‭ ‬صوتك‮»‬‭.‬ حتى‭ ‬الصمت؛‭ ‬يمكن‭ ‬الرقص‭ ‬على‭ ‬ايقاعاته‭. ‬من‭ ‬هنا‭ ‬تتلاشى‭ ‬كل‭ ‬الأصوات،‭ ‬ويبدأ‭ ‬الممثلون‭ ‬في‭ ‬الرقص،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬موسيقى،‭ ‬ولكنه‭ ‬رقص‭ ‬له‭ ‬ايقاع‭ ‬منضبط،‭ ‬يمثل‭ ‬دلالة‭ ‬على‭ ‬قهر‭ ‬الانسان‭ ‬لنفسه،‭ ‬وقهر‭ ‬الحياة‭ ‬للإنسان،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ايماءات‭ ‬الأكف،‭ ‬والطرق‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬احتجاجا‭.‬ يعتمد‭ ‬الأداء‭ ‬التمثيلي‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬هدوء‭ ‬تام‭ ‬على‭ ‬الاشتغال‭ ‬على‭ ‬الجسد،‭ ‬والحالات‭ ‬النفسية‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬التعبير‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الجسد؛‭ ‬فالعرض‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬حوالي‭ ‬35‭ ‬دقيقة،‭ ‬ورغم‭ ‬ان‭ ‬مناطق‭ ‬الحوار‭ ‬قليلة‭ ‬جدا‭ ‬فإن‭ ‬العرض‭ ‬شديد‭ ‬الصخب،‭ ‬بسبب‭ ‬الأصوات‭ ‬الخارجية‭ ‬المتداخلة،‭ ‬من‭ ‬نشرات‭ ‬الأخبار،‭ ‬والاسطوانات‭ ‬المسجلة،‭ ‬والسوشيال‭ ‬ميديا‭ ‬المتدفقة‭ ‬باستمرار‭.‬ يمثل‭ ‬الفضاء‭ ‬المسرحي،‭ ‬بكل‭ ‬مكوناته‭ ‬من‭ ‬اسلاك‭ ‬كهربائية،‭ ‬وبكرات‭ ‬افلام‭ ‬سينمائية،‭ ‬وأشرطة‭ ‬تسجيل‭ ‬مبعثرة‭ ‬هنا‭ ‬وهناك؛‭ ‬اعماق‭ ‬الانسان‭ ‬العربي،‭ ‬الذي‭ ‬يشعر‭ ‬في‭ ‬داخله‭ ‬بالقهر‭ ‬من‭ ‬تلاطم‭ ‬اصوات‭ ‬الضجيج‭ ‬الالكتروني‭. ‬ويعمق‭ ‬الصورة‭ ‬توزع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬سماعات‭ ‬الدي‭ ‬جي‭ ‬الضخمة،‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬استخدامها‭ ‬لتحديد‭ ‬مساحة‭ ‬التشخيص،‭ ‬اذ‭ ‬كيف‭ ‬يمكننا‭ ‬ان‭ ‬نتبين‭ ‬صوت‭ ‬الانسان‭ ‬وسط‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الضوضاء؟‭ ‬ولذلك‭ ‬تصبح‭ ‬الدعوة‭ ‬الى‭ ‬الهدوء‭ ‬مجرد‭ ‬امنية‭ ‬بعيدة‭ ‬المنال‭.‬ يشكل‭ ‬جسد‭ ‬الممثل‭ ‬نقطة‭ ‬انطلاق‭ ‬اولى‭ ‬للولوج‭ ‬الى‭ ‬عالم‭ ‬العرض،‭ ‬والتواصل‭ ‬مع‭ ‬عناصره‭ ‬السينوغرافية،‭ ‬والكيروجرافية،‭ ‬ما‭ ‬يمنح‭ ‬الجسد‭ ‬الأولوية‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬هدوء‭ ‬تام،‭ ‬وسعيه‭ ‬الى‭ ‬صياغة‭ ‬جمالية‭ ‬جديدة‭.‬ يتم‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬فيزياء‭ ‬الجسد‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬حالات‭ ‬الحزن،‭ ‬والقهر،‭ ‬والتيه،‭ ‬والانزعاج،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الايماءة‭ ‬والحركة،‭ ‬وعندما‭ ‬يصعد‭ ‬البطل‭ ‬على‭ ‬كتفي‭ ‬احدى‭ ‬شخصياته،‭ ‬يتم‭ ‬تجسيد‭ ‬حالة‭ ‬التسيد،‭ ‬والخضوع‭ ‬للامتطاء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬كتلة‭ ‬جسدية‭ ‬اشبه‭ ‬بعربة‭ ‬الخيول‭.‬ ومن‭ ‬خلال‭ ‬تعبيرات‭ ‬كيروجرافية‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬الخضوع،‭ ‬والامتثال‭ ‬للضجيج،‭ ‬تتضح‭ ‬الصورة‭ ‬العبثية‭ ‬للوضع‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ازمة‭ ‬كورونا،‭ ‬حيث‭ ‬تتلاطم‭ ‬النشرات‭ ‬الاخبارية‭ ‬بسرعة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬حول‭ ‬الكارثة‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا،‭ ‬بينما‭ ‬يجلس‭ ‬الممثلون‭ ‬امام‭ ‬اجهزتهم‭ ‬المحمولة‭ ‬في‭ ‬لامبالاة‭.‬ {‭ ‬ناقد‭ ‬مصري‭ ‬

مشاركة :