عامر لافي-إسطنبول من يسمع بهذا الفن لا يصدق ما سمعه، ومن يراه يتعجب، ومن يشاهدني مع طلابي أثناء العمل لا يمل من متابعتنا، أما من يتقن هذا الفن فلن يتركه أبدا.. هكذا وصف لنا الفنان التركي حسين أردا فن الرسم بالنقش على المرايا. وحسب أردا، فإنه أول من مارس هذا النوع من الفن في العالم، وأنه استلهمه ووضع قواعده وأسسه وهو في الخمسين من عمره، وذلك بعدما أمضى شبابه بعيدا عن أي نوع من الفنون. فبعد أن عمل أردا في مجال تربية الأبقار نحو 15 عاما في إحدى قرى مدينته أدرنة شمال غرب تركيا، قرر عام 1995 الرحيل إلى إسطنبول وفتح محل لبيع مواد البناء، وهناك كان لديه كثير من وقت الفراغ، فسأل نفسه إذا أمكننا النقش على المعادن المختلفة عبر الطرق عليها، فلماذا لا ينجح ذلك مع المرايا؟، وتلك كانت بداية هذا المشوار. من الفشل إلى النجاح بعد أربع سنوات من المحاولات المستمرة الفاشلة التي كسر فيها كثيرا من المرايا، تعلم حسين كيف يمكن بواسطة مطرقة صغيرة ومسمار فقط أن ينقش وجوها وأشكالا غاية في الدقة، وأن يحصل على ألوان متباينة في الصورة دون استخدام أي نوع من الدهانات، وإنما بالاعتماد على مستوى عمق النقش على سطح المرآة فقط. وكانت هذه نقطة التحول بالنسبة له، لكن حسين لم يقتنع بأن أسس هذا الفن قد اكتملت إلا بعد عشر سنوات من العمل، وحينها فقط قرر إغلاق دكانه والتفرغ لممارسة هذا الفن. ومنذ ذلك الحين، أقام حسين نحو ستين معرضا في عدة مدن تركية، ونقش خلال هذه الفترة أكثر من ثمانمئة لوحة، لكن ما يؤرقه إلى الآن هو فشله في نشر هذا الفن في كثير من المدن التركية فضلا عن الانطلاق نحو العالمية، مع أن ما يقدمه فن لا مثيل له في أي مكان في العالم، كما يصفه. وذكر الفنان التركي أن أقصر وقت احتاجه لإنجاز قطعة فنية كان ثلاثة أيام، أما أطول فترة فكانت نحو شهرين من العمل لأكثر من ست ساعات يوميا. ويقول أردا إنه في كل معرض وفعالية ثقافية تنظمها البلديات أو مؤسسات المجتمع المدني يدعى لها، فإنه يواجه نفس الأسئلة التي تشكك في هذا الفن، من قبيل: كيف لا تنكسر المرآة تحت هذا الطرق؟ وكيف نرى في اللوحة ألوانا كالأبيض والأسود والرمادي دون استخدام أي نوع من الدهانات؟ فيكون رده ما عليك سوى أن تحضر مرآتك ومطرقتك وتعال لكي أعلمك أن تفعل ذلك بنفسك. علاج نفسي ويقدم حسين أردا دورات مجانية في أحد مراكز تعليم الفنون اليدوية التابعة لوزارة التعليم في إسطنبول منذ نحو تسع سنوات، وهناك سنحت لنا فرصة لقاء عدد من طلابه. ياسمين وار التي تعمل في مجال صناعة وتجارة الملابس، قالت لنا إنها كانت تستخدم كثيرا من أدوية العلاج النفسي قبل أن تعشق هذا الفن، ولم تعد الآن تستخدم أيا منها لأنها عندما تكون مع لوحتها تنسى كل هموم الدنيا في انتظار رؤية نتيجة عملها. أما رضوان أرجان (طالب جامعي) فأخبرنا وهو يضحك بأنه جاء إلى هذا المركز عندما كان في مرحلة الدراسة الثانوية لإضاعة الوقت والاستهزاء بهذه الفكرة وكسر أكبر عدد من المرايا، وذلك قبل أن يقع في أسر هذا الفن منذ أربع سنوات ويقرر أن يتقنه ويعمل على نشره في كل مكان. وتقول دوندو سيمغا -وهي ربة منزل متزوجة منذ عشرين عاما- إنها قررت أن تتعلم حرفة يدوية بعد أن كبر أولادها ولم يعودوا بحاجة إليها كما في السابق، وقد أصبحت اللوحات الفنية المنقوشة على المرايا جزءا من أسرتها.