غيَّب الموت المصمم الإيطالي نينو تشيروتي، واحد من أهم أعمدة الموضة الرجالية في القرن العشرين. المصمم الذي يبلغ من العمر 91 عاماً، توفي في أحد مستشفيات مدينة فيرتشيلي بمقاطعة بيمونته في شمال غربي إيطاليا، حيث خضع لعملية جراحية في الورك. ورغم أنّ اسمه خفت في العقدين الأخيرين، فإنّ إرثه في مجال الأزياء الرجالية تحديداً، غني. فهو الذي أضفى على التايورات ترفاً يتسم بالانطلاق والخفة، وتوجه بأنظاره إلى العالمية في وقت كان المصممون الإيطاليون يركزون على السوق المحلية أكثر. فَهِم ما يريده الرجل في زمنه وكانت من أجمل تصريحاته مقولته الشهيرة: «أي زي مهما كان جماله وإتقانه، لا يكتمل حتى يلبسه صاحبه. حينها فقط يكتسب حياة وحيوية». هذه الفلسفة في التصميم ورّثها للعديد من المتدربين لديه، أمثال جيورجيو أرماني الذي تأثر بأسلوبه المنطلق والانسيابي في التصميم لحد الآن، وهو ما يعترف به هذا الأخير. في ستينات القرن الماضي، التقى تشيروتي مع مصمم صاعد غير معروف، يصغره بأربع سنوات فقط، اسمه جورجيو أرماني. لمس فيه الموهبة، فعينه مصمماً للأزياء الرجالية. وظلت الشراكة بينهما لعقد من الزمن تقريباً، إلى أن قرر أرماني الاستقلال بنفسه وتأسيس داره في عام 1975. تشيروتي الذي اشتهر في عالم الأزياء الرجالية أكثر، لم يتجاهل المرأة، بل على العكس فقد أظهر اهتماماً بها منذ عام 1968. عندما قدم عارضات وعارضين في عرض واحد، ليتوسع في منتصف السبعينات ويبدأ في تقديم عروض نسائية خاصة. مع الوقت أصبحت الأزياء النسائية تشكل 20 في المائة مما يقدمه سنوياً. في العقود الأخيرة اكتفى تشيروتي بدور المراقب بعد أن باع داره لمجموعة استثمارية في عام 2001. لم تنجح التجربة وانتقلت الملكية إلى شركات أخرى إلى أن استقرت في أيادٍ صينية في عام 2011. أما هو فعاد إلى نقطة البداية في مسقط رأسه بييلا ليدير معامل النسيج وغزل الصوف. بيد أنّه لم يزهد في عالم الموضة، بل ظلّ مراقباً لما يجري حوله من تغييرات جَذرية يتعرض لها عالم الموضة من دون أن يتأثر أسلوبه، بل ظل مستمراً في تشكيلات كل من عملوا معه أو تدربوا على يديه في بداياتهم ولم ينسوا أو ينكروا فضله عليهم. من هذا المنظور سيدخل نينو تشيروتي تاريخ الموضة كأبرز من أدخل أسلوب الـ«كاجوال شيك» إلى قاموس الموضة الرجالية، وكأول من فكك في سبعينات القرن العشرين السترات المفصلة بصرامة وجعلها في المقابل تجمع الأناقة والراحة على حد سواء. كان يعرف أنّ أبناء جيله وأبناءهم باتوا يحتاجون إلى أزياء تتلاءم مع المناسبات اليومية أيضاً. وهكذا بعد أن حقق التصميم نجاحاً كبيراً، تحول بين عشية وضحاها إلى أستاذ في هذا المجال. مما ساعده على تحقيق هذه النقلة، جُرأته وقدرته الاستباقية على قراءة ما يريده رجل أنيق ومعاصر من الطبقات الغنية والمترفة التي ينتمي إليها. فقد ولد لأسرة تملك معامل خاصة بالأنسجة وغزل الصوف في مدينة بييلا الإيطالية. كان يريد دراسة الفلسفة في شبابه، ويحلم بأن يصبح صحافياً، لكنه اضطر إلى التخلي عن حلمه بعد وفاة والده سيلفيو، وتسلم إدارة مصنع النسيج الذي أسسه جده في عام 1881. وهو في الـ20 من عمره، متقيداً بالتقاليد والأعراف. مع الوقت بدأ يستمتع بمجاله ويُبدع فيه أيضاً. وكلما زاد الإقبال على تصاميمه من قبل الرياضيين والنجوم حفزه النجاح على المزيد. فقد حققت مجموعاته الرياضية إقبالاً كبيراً في ثمانينات القرن العشرين، ليُصبح راعياً للاعب كرة المضرب الأميركي جيمي كونورز، والمتزلج السويدي إينغمار ستينمارك، من ثمّ الراعي الرسمي لفريق «فيراري» لـ«فورمولا وان» سنة 1994. لم يكن الرياضيون وحدهم من عشقوا تصاميمه، إذ انضمت إليهم لائحة طويلة من النجوم من أمثال الفرنسي جان بول بلموندو، والإيطالي مارتشيلو ماستروياني وغيرهم.
مشاركة :