منذ استيلاء جماعة الحوثي، المرتبطة بإيران، على العاصمة اليمنية صنعاء في 21 سبتمبر / أيلول من عام 2014، بدأ اليمن يتحسس خطوات التطرف الديني بشكل أكبر وأعمق من السنوات السابقة، خاصة في ظل ازدهار بعض المظاهر الدينية التي رافقت رحلة العديد من القوى المتشددة إلى أفغانستان، وما تلا ذلك من نقل للتجربة الأفغانية إلى البلدان التي أرسلت المئات بل والآلاف من شبابها إلى أفغانستان لقتال ما أسمته الاحتلال الشيوعي، والمقصود به الاتحاد السوفيتي آنذاك. وأكد الحوثيون للكثير من المراقبين بخطابهم المتطرف، وحديثهم عن ولاية الفقيه أن المرحلة المقبلة في اليمن ستكون أسوأ، وهو ما حدث مباشرة حتى قبل سقوط صنعاء في أيديهم، وهو السقوط الذي أدى إلى تداعيات كثيرة على المستويات كافة. أحداث دماج كان تهجير أهل منطقة دماج، الواقعة بمحافظة صعدة، شمالي البلاد، أولى مؤشرات التطرف الديني الواضحة في اليمن، فرغم الوساطات الكبرى التي شهدتها البلاد بين عامي 2013 و2014 لمنع تهجير أهالي دماج، الذين يقيمون فيها منذ عشرات السنوات، إلا أن الحوثيين تمكنوا بقوة السلاح من إخراج السلفيين وترحيلهم قسراً عن منازلهم إلى العاصمة صنعاء. كانت هذه الخطوة شرارة لأكبر صراع ظل خفياً طوال سنوات طويلة بين الحوثيين، الذين يمثلون جزءاً ضئيلاً من المذهب الزيدي وأهل اليمن، تطور إلى المساجد في العاصمة صنعاء والمناطق التي وصل الحوثيون إليها، خاصة عمران والمناطق المحيطة في العاصمة صنعاء. وقد جرب الحوثيون ممارسة هوايتهم في نشر المذهب الزيدي في مناطق أخرى، خاصة في إب، إلا أنهم واجهوا رداً عنيفاً من السكان، فتخلوا عن هذه الخطوة، ولكن ربما إلى حين. الخطوة التي أقدم الحوثيون عليها شكلت رد فعل مشابه من قبل العناصر المتطرفة في الطرف الآخر، ونقصد به جماعة أنصار الشريعة المرتبطة بتنظيم القاعدة، حيث أدى ذلك إلى اتساع حضور التنظيم المتطرف في عدد من المناطق خاصة إب، بعد أن كان ذلك محصوراً في محافظة البيضاء. وبعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، واتجاههم نحو مناطق وسط البلاد وجنوبها، كان تنظيم القاعدة يزيد من وتيرة استقطابه للناس من خلال تصوير الخطر القادم من الحوثيين، خاصة بعدما أعلن التنظيم تأسيس ما أسماه ب جيش السنة. كانت نقطة التحول في الصراع على أساس ديني هي التي أقدم الحوثيون عليها محاولين نشر معتقداتهم بقوة السلاح، وقد حذر الكثير من المراقبين من مغبة هذه الخطوة التي كانت سبباً في بروز مقاومة لمشروعهم في المناطق التي لا يوجد فيها حوثيون خاصة مناطق الوسط. كان شعار محاربة التكفيريين، وبعده محاربةالدواعشليس إلا استغلالاً للمخاوف التي اجتاحت العالم بسلوكات تنظيم القاعدة ومن بعدهداعش، وأعتقد الحوثيون أنهم بهذه الطريقة يحيدون الكثير من القوى الدولية في الحرب التي شنوها على قطاع واسع من اليمنيين، لكن الحقيقة أن الحوثيين كانوا يحاربون من أجل مصلحة قوى أجنبية، وكشفت التطورات التي شهدها اليمن خلال السنوات الماضية أن الحوثيين لم يوفروا وسيلة إلا واتبعوها لخدمة إيران في المنطقة. ويقول الدكتور أحمد الدغشي في كتابه الذي حمل عنوانالظاهرة الحوثيةإنه من خلال الأفكار والمبادئ الاثنا عشرية التي يعتنقها الحوثي وأتباعه وما يجري في اليمن من صراع بين جماعته والحكومة اليمنية، أصبح من الواضح أن وراء هذه الأحداث قوى خارجية تريد تمرير مشروعها ليس في اليمن فحسب بل في المنطقة كلها. ويضيف قائلاً إن الحوثيين عملوا على فكرة تصدير الثورة الإيرانية ونشرها في اليمن، وهذا يتجلى بشكل واضح في الشعار الذي يردده الحوثيون في كل مناسبة الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، النصر للإسلام، وهو نفس الشعار الذي كان يردده الإيرانيون إبان الثورة الخمينية عام 1979، وظل الإيرانيون يرددون هذا الشعار لسنوات طوال بعد قيام الثورة لماله من أهمية في إلهاب حماس الجماهير. لم تستطع الوساطات العديدة التي أرسلتها الحكومة اليمنية في منع الحوثيين من طرد السلفيين وتهجيرهم من دماج، مع أن ذلك حدث أثناء مشاركة الحوثيين في مؤتمر الحوار الوطني، الذي كان يحث في مقرراته على ضرورة تعايش المذاهب في البلاد، وعدم إضفاء الطابع المذهبي على الصراع السياسي. القوى الفاعلة أفرزت التطورات الأخيرة أن الثقل الأساسي يعود إلى القوى المرتبطة بالدين بشكل أكبر، ويمكن الحديث في هذه النقطة تحديداً إلى ثلاث قوى رئيسية في المجتمع اليمني، إضافة إلى قوة رابعة ولكنها أقل حضوراً، وهي: 1 جماعة الحوثي: يقع تحت سيطرتها كل أو أغلب المناطق الشمالية للبلاد، خاصة شمال الشمال ومنها صعدة، التي تعد المعقل الرئيسي لهم، إضافة إلى عمران وحجة والمحويت وذمار ومحافظة صنعاء، إضافة إلى جزء بسيط من الجوف ومأرب، والعاصمة صنعاء. وتهيمن جماعة الحوثي على الأوضاع في المناطق الشمالية، وعدد من المناطق الأخرى منذ تمكنها من السيطرة على العاصمة صنعاء في شهر سبتمبر/ أيلول من العام الماضي. أزاحت الجماعة خصومها كافة من صناعة القرار، بما فيها حليفها الكبير المؤتمر الشعبي العام، الذي يقوده الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، بخاصة في المؤسسات والمرافق الحكومية واستبدلتهم بما أسمته اللجان الثورية. أبرز قادة الجماعة إضافة إلى زعيمها عبد الملك الحوثي، المقيم في صعدة محمد عبد السلام، الناطق الرسمي باسم الجماعة، ومستشار رئيس الجمهورية صالح الصماد ومحمد البخيتي، إضافة إلى محمد علي الحوثي، رئيس ما يسمى اللجنة الثورية العليا. 2 جماعة الإخوان المسلمين: يمثلها في هذا الجانب حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذي يتواجد بشكل كثيف في المناطق الوسطى من البلاد، وهو يختلف في بعض التفاصيل مع تنظيم القاعدة، وإن كان يلتقي معه في كثير من القواسم المشتركة. ويتواجد الإصلاح وجماعة الإخوان بشكل عام في كل من تعز، إب، البيضاء وأرحب شمالي العاصمة صنعاء، مأرب والجوف، إضافة إلى عدد من المناطق الجنوبية مثل شبوة ولحج وأبين وحضرموت. من رموز الحزب الشيخ عبد المجيد الزنداني، الذي يعد المهندس الأكبر في عملية إنشاء الحزب في الساحة اليمنية بعد تحقيق الوحدة عام 1990، وكان مقرباً جداً من المخلوع صالح، الذي عينه عضواً في مجلس الرئاسة مكافأة لدوره في حرب عام 1994، إضافة إلى رجل الأعمال الشيخ حميد الأحمر، المتواجد حالياً في تركيا، الذي دخل في خلافات عميقة مع صالح قبل خروجه من السلطة عام 2011، وهناك القيادي البارز في الحزب وهو الأمين العام للحزب عبد الوهاب الآنسي، الموجود في العاصمة السعودية الرياض وهو المستشار للرئيس هادي. ويعد محمد عبد الله اليدومي، الرجل الأول والأبرز في الحزب، ويتواجد في الوقت الحاضر في العاصمة صنعاء، إضافة إلى منظر الجماعة المقيم في مدينة تعز ياسين عبد العزيز، والقيادي العسكري الجنرال علي محسن الأحمر. كان حزب الإصلاح صاحب الكعكة الأكبر في مرحلة ما بعد ثورة الحادي عشر من فبراير 2011، لكنه كحال جماعة الإخوان المسلمين في مصر استعجل التغيير، وأراد التهام السلطة بمفرده، فكالب الناس ضده وأفسح المجال لخصومه للهجوم عليه، وكان من أبرز منتقديه الرئيس المخلوع صالح، الذي استغل حالة الوضع الاقتصادي الصعب للهجوم على القيادة التي تسلمت الحكم، وجزء كبير منها من حزب الإصلاح. 3 تنظيم القاعدة: حاضر في كثير من المناطق، وخاصة في الجنوب، أبرزها أبين، شبوة، حضرموت والبيضاء، وله نشاطات واسعة في بعض المناطق في إب المجاورة للضالع. بدأ تنظيم القاعدة في حشد إمكانياته لخوض معركة فاصلة ضد الجيش وقوات الأمن، بعد أن عزز مواقعه في أكثر من منطقة، منها أبين وشبوة وحضرموت إضافة إلى جزء من لحج، ونفذ عدداً من العمليات الإرهابية التي استهدفت إذكاء الصراع المذهبي والطائفي بقيامه بذبح 14 جندياً جميعهم ينتمون إلى محافظة عمران، الموالية للحوثيين، وهذا الذي أعطى انطباعاً من أن الصراع بدأ يأخذ طابعاً مناطقياً ومذهبياً. لا توجد قيادة ثابتة لتنظيم القاعدة، لكن أبرز قادة التنظيم في الوقت الحاضر هو جلال بلعيدي الذي أشرف ويشرف على العمليات التي يقوم بها التنظيم في البلاد، وبلعيدي، الذي كان حارس مرمى في فريق حسان الرياضي بأبين هو من تولى تنفيذ عملية ذبح 14 من أبناء عمران في حضرموت في أغسطس 2014 الماضي. 4 السلفيون: بدأوا في التواجد بشكل واضح في الفترة التي أعقبت ثورة الحادي عشر من فبراير/ شباط من عام 2011، وأنشأوا حزباً أطلقوا عليه اسم حزب اتحاد الرشاد، كما أنشأوا لهم قناة فضائية تروج لمشاريعهم السياسية والفكرية في اليمن، وشاركوا في مؤتمر الحوار الوطني الذي انطلق في مارس/ آذار من عام 2013، وحصلوا على منصب مستشار لرئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي ممثلاً في الأمين العام للحزب الشيخ موسى العامري، المقيم حالياً في العاصمة السعودية الرياض مع عدد من المسؤولين المؤيدين للشرعية في اليمن. ساحة صراع مفتوحة تبدو ساحة الصراع في الوقت الحاضر مفتوحة بين القوى الدينية في اليمن لتعزيز نفوذها، وتوسيع رقعة أنصارها، كما هو الحاصل في الحرب التي يخوضها الحوثيون في تعز والمناطق التي لا يتواجد فيها أنصار وأتباع لهم، إضافة إلى تعزيز قبضتهم على المناطق التي يتمتعون فيها بنفوذ كبير. يقاتل الحوثيون لكسب أراض جغرافية جديدة غير تلك التي يحوزون عليها، خاصة المناطق الشمالية، حيث خسر الحوثيون في الحرب التي تخوضها الشرعية لاستعادة العاصمة الكثير من المناطق التي بسطوا سيطرتهم عليها، وخاصة المناطق الجنوبية التي استعادتها المقاومة الشعبية بالتنسيق مع قوات التحالف العربي خلال الأشهر القليلة الماضية. أما تنظيم القاعدة فإنه ينشط بشكل فاعل في المناطق الجنوبية من البلاد، وخاصة أبين وعدن وشبوة وحضرموت، وقد أدى ذلك إلى احتدام الصراع في المناطق الجنوبية خلال الفترة القليلة الماضية، وشوهدت سيارات تابعة للقاعدة وهي تتجول في بعض شوارع مدينة عدن ولحج، وتم تنفيذ عدد من العمليات الإرهابية استهدفت قوات التحالف العربي، ومقر الحكومة بمدينة عدن. بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين ممثلة بحزب التجمع اليمني للإصلاح، فإنها توسع نفوذها في المناطق التقليدية لحضورها، خاصة في تعز وإب ذات الكثافة السكانية. وإن صراعاً شديداً يحدث هناك لاستقطاب العديد من المناطق للعمل في صفوف الجماعة تحت يافطة سياسية، خاصة في محافظة الحديدة وريمة، وتبدو المعركة التي تخوضها الجماعة مهمة في هذه المرحلة لأنها تحدد مصيرها، وهناك الكثير من الانتقادات تدور حول أدائها في الساحة السياسية، والدور المنتظر أن تلعبه في مستقبل اليمن. وفي كل الحالات فإن الصراع الديني في اليمن أخذ الكثير من اهتمام المراقبين، في ظل التحديات التي تنتظر البلاد ومدى تأثير هذا الصراع في مستقبل البلاد، وسط أزمة ثقة بين هذه الأطراف التي تكرس خيار التدمير للبلد الذي يفتقد إلى الكثير من خدمات البنية التحتية، وتحتاج إلى سنوات طويلة ليعاد الاستقرار إلى ربوعها.
مشاركة :