بعد عزوف المواطن السعودي عن تناول التمور كوجبة غذائية في الفلكلور الشعبي، بدأت جامعة الملك فيصل بالأحساء النظر للصناعات التحويلة كبديل، لإنتاج أكثر من 200 منتج على المستوى الصناعي والغذائي والطبي، تخدم رؤية المملكة 2030، وجميعها من مادة خام متجددة، تحقق كلا من الاستدامة البيئية والأمن الغذائي. صحيفة "الحدث" زارت ركن جامعة الملك فيصل ضمن مهرجان تسويق التمور المصنعة "ويا التمر أحلى 2022" الذي تنظمه أمانة الأحساء بشراكة استراتيجية مع هيئة تطوير المنطقة الشرقية وغرفة الاحساء، في قلعة أمانة الأحساء التراثية، والتقت بالدكتور هشام عبدالمنعم محمد "رئيس الفريق البحثي للصناعات الغذائية والتحويلية – مركز التميز البحثي في النخيل والتمور، وأفاد بأن المركز تحت إدارة سعادة الدكتور ناشي بن خالد القحطاني يعمل تحت مظلة جامعة الملك فيصل برعاية معالى رئيس الجامعة دكتور محمد العوهلى لتحقيق رؤية المملكة 2030، وتثبيت مبدأ الاعتماد على الصناعات التحويلية للمواد الخام المحلية بالاستغلال الصناعي الأمثل لها لتحقيق الأمن الغذائي، وتبني رؤية اقتصادية وتعزيز المنتج المحلي. وأوضح أن المملكة العربية السعودية في صدارة الدول المنتجة للتمور كمحصول استراتيجي، والذي يتميز باستدامته وتصل كمية الإنتاج السنوي منه إلى ما يزيد عن 1.5 مليون طن سنوي يتم استهلاك 30% منها محليا و17% يتم تصديرها، بالإضافة الى وجود فائض من الإنتاج يصل إلى 25 % للموسم الحالي بالإضافة الى السنوات السابقة وحوالي 20% من التمور تفقد وتهدر أثناء مراحل النمو المختلفة وأثناء التداول والتصنيع. وأضاف بأن المركز يتناول ثلاث اتجاهات من المنتجات التحويلية للتمور ومشتقاتها هي: منتجات غذائية تخص الشريحة الكبرى من المستهلكين، منتجات طبية ومنتجات تدخل في الصناعات الغير غذائية، ويتم ذلك بدراسة السوق للمنتجات التي لها معدل طلب ونسبة تسويق مرتفعة، حيث قام المركز بعمل إحصائية للصناعات المحتمل أن تدعم أو تعتمد على التمور. وأبان أن الصناعات المعتمدة على التمور تعتمد على الفائض من إنتاج التمور وتمور الدرجة الثانية والتمور الرديئة، حيث يقوم المركز بإدخال تقنيات الثورة الصناعية الرابعة لتحقيق الاستغلال الأمثل بإضافة قيمة مضافة صناعية واقتصادية لكل منتج. ومن ضمن المنتجات الغذائية فيما أطلق عليه بالمركز "قناة غذاء التمر Date Food Tube" والتي توازى عالميا سلة الغذاء، تم إنتاج مشروبات غازية معتمدة على التمور، خالية من المواد الكيميائية والمواد الحافظة، وذات سعرات الحرارية ثلث قيمة السعرات الحرارية للمنتج التجاري، كالكولا والبيبسي وغيرها، بنكهات طبيعية، وتلبي رغبة شريحة كبيرة من المستهلكين. كما تم إنتاج مركزات التمر، كالفانتوم، باطعم مختلفة، كالتمر الهندي والاناناس والكركديه، جميعها معتمدة على التمور، وفيها فوائد صحية مميزة طبقا للمواد المضافة الأخرى، كونها مواداً طبيعية خالية من المواد الكيماوية المضافة. وفى إطار تعزيز تغذية الأطفال الرضع (من سنتين إلى خمس سنين)، أنتج المركز أغذية طبيعية خاليه من الجلوتين، معتمدة على التمور، بطعمي الموز والمانجو، تساهم في مجابهة مرض الحساسية لبروتين جلوتين القمح "السيلياك" لدى الأطفال، كون جميع أغذية الأطفال التجارية تعتمد على القمح الذى يحتوي على الجلوتين. وأفاد الدكتور بأن المركز أنتج مربيات معتمدة على التمور (80% من المكون تمور)، مطعمة ببعض الخضار كالقرع العسلي وبعض الفاكهة كالفراولة وهذا هو الجديد في الصناعة، أغذية خالية من المواد الحافظة والملونة والسكر الصناعي المضاف، وذات تذوق عام أفضل من جميع المربيات الموجودة في السوق، التي تعتمد على إضافة السكر الصناعي بنسبة 70%، بالإضافة إلى الملونات والمواد الحافظة. كما تم إنتاج المربيات المدعمة بأحد مكونات نواة التمر بديلا للبكتين المضاف للصناعة والذي يتم استيراده من الخارج. ولاحظ المركز بأن شريحة كبيرة من المستهلكين تتناول التصبيرة (Snacks) والبسكويتات التي عليها إقبال كبير، فعمل على إيجاد مكونات من التمور لإدخالها في صناعتها كبودرة التمر في مراحل نضج معينة، لإنتاج تصبيرة كالمعجنات والشيبسي والمقرمشات والإندومي، المكرونات، وذلك بناء على أسس علمية في التصنيع، بجودة وتركيبات صناعية ثابتة. بالإضافة إلى إنتاج بعض منتجات المقبلات الغذائية مثل الكاتشب والشطة المدعمة بمكونات التمور فضلا عن انتاج خل التمر النقي. ولمعالجات التقلصات المعوية من عسر الهضم، وجد المركز المنتج الغذائي "البروبيوتك" الموجود في الصيدليات وكبرى المجمعات التجارية غالي الثمن وعليه إقبال شديد من قبل مصابي عسر الهضم، فتم تدعيم "الزبادي" بالبكتيريا النافعة وبعض مستخلصات التمور، مما أدى إلى زيادة نشاط البكتيريا النافعة إلى 200 ضعف عن المعدلات القياسية، وقد لاقى المنتج رواجاً في القبول والاستهلاك، بالإضافة إلى عمل تركيبتين مختلفتين، إحداهما مناسبة للأطفال والأخرى مناسبة للبالغين. كما قامت كلية العلوم الزراعية بتدعيم الجبن الشيدر كأحد منتجات الالبان بألياف نواة التمر الغذائية لإنتاج منتج صحي ذي خصائص صناعية جيدة. وعن المنتجات البحثية ذات القيمة الصحية للتمور ذكر بأن المركز عمل أبحاثاً علمية مكلفة اقتصاديا بالتعاون مع مؤسسات تعليمية مختلفة بالجامعة مثل كلية "الصيدلة والعلوم والطب البيطري وعلوم الأغذية والزراعة" والمؤسسات العالمية ذات الصلة لإنتاج تراكيب صيدلانية للوقاية من وعلاج الذبحة الصدرية وسرطان الكبد والتهاب الكبد الوبائي وفايروس "C"، كذلك أدخل الفائض من التمور في تفاعلات حيوية لإنتاج مضاد حيوي، وذلك على غرار فكرة إنتاج البنسلين. وبما أن التمور غير مدرجة في هيئة الغذاء والصحة العالمية مما يتعارض مع اعتمادها بالجهات الرقابية لإتمام الأبحاث السريرية والإتاحة الحيوية لها على الإنسان مما يدفعنا لتوجيهها كمكملات غذائية عالية القيمة. وخلال جائحة "كورونا"، أنتج المركز الإيثانول الطبي من مخلفات التمور لصفة طبية في المقام الأول، وبعدها كوقود حيوي كأحد بدائل الطاقة النظيفة في المستقبل، ومن ثم تم تحويله بعد ذلك من منتج وسيط إلى منتج نهائي وهو "جيل مطهر ومعقم لليدين". كذلك تم أنتاج ضمادات للجروح وكمامات مقاومة للفيروسات بتقنية النانو من مخلفات التمور. وعن الكتلة الحيوية توجه المركز إلى الاستغلال الصناعي الأمثل لمخلفات النخيل اللجنوسليلوزية، حيث أن النخلة الواحدة تنتج 39 كيلو غرام من المخلفات وزن رطب سنويا، ويبلغ عدد النخيل في المملكة العربية السعودية 33 مليون نخلة، أي ما يوازى 625 طناً سنويا من المخلفات، كان وما زال النسبة الأكبر الفلاحين والقائمين على الزراعة يحرقونها، أنتج منها مصبعات الأعلاف (لكي يسهل تداولها واستهلاكها) لجميع شرائح حيوانات وطيور المزرعة، ومركزات البروتين بطريقة غير مباشرة للمزارع السمكية، ومصبعات الفحم كبديل للطاقة أو للتسميد وتقنين استخدام مياه الري، والاسمدة السائلة والحيوية و العضوية، والمبيدات الطبيعية للمسببات المرضية، كما تم إنتاج الطحالب البحرية العضوية بالتنمية على مخلفات التمور. وأفاد بأن من 40 - 50% من مخلفات النخيل تحتوي على "السليلوز النقي"، والتي تستخدم لإنتاج ورق الكتابة، والعبوات الكرتونية الكبيرة الحجم او الأطباق والأكواب الكرتونية أحادية الاستخدام، وتم إنتاج المواد المغلظة للقوام في الصناعة "كربوكسي ميثيل سليلوز" سواء الغذائي أو الصناعي. وحيث أن رؤية المملكة 2030 ترتكز على اعتماد الطباعة ثلاثية الأبعاد (3D printing)، أنتج المركز البلاستيك الحيوي بأغراضه المختلفة الذي يتميز بالأمان البيئي على عكس البلاستيك الصناعي، وتم إنتاج الخشب الباركيه المقاوم للحريق و المياه والخشب البلاستيكي الصناعي من مخلفات التمور. وأضاف، من أمله أن تقوم الجهات التشريعية بإدراج التمور كمحصول غذائي استراتيجي في هيئة الغذاء و الدواء العالمية لكي يفتح المجال لاعتمادية المنتجات ذات الاستخدام الصيدلي ومن ثم زيادة القيمة الاقتصادية وللتمور وارتفاع معدلات الاستهلاك المباشر و غير المباشر، ولكي يفتح المجال لمزيد من الإثباتات العلمية التطبيقية في هذا الصدد. وأخيرا أشار إلى نجاح القطاع التسويقي بجامعة الملك فيصل من تسويق مجموعة من المنتجات البحثية للقطاع الخاص الاستثماري مثل الخشب الباركيه والمشروبات المكربنة والمركزات والمربيات وأغذية الأطفال، ودعا قطاع الاستثمار الى التوجه لاستغلال الثروة المتجددة سنويا من الموارد الطبيعية بالمملكة في ظل دعم واستهداف توطين الصناعات التحويلية من سمو خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولى العهد محمد بن سلمان حفظهم الله. مستطرداً في تأمله أن تتجه مصانع التمور المسجلة بالمملكة وعددها 157 مصنعاً لتبنى الصناعات التحويلية للتمور لتنويع أكبر في المحفظة التسويقية، وزيادة نسبة الصادرات من منتجات التمور وعليه يقلل نسبة الفاقد و الهدر من التمور ومشتقاتها. كما أضاف بتبني جامعة الملك فيصل إنشاء مركز إقليمي للصناعات التحويلية للتمور، سيهيئها للريادة في هذا المجال بالتعاون مع المؤسسات ذات الصلة.
مشاركة :