من المتوقع أن يؤدي شراء السعودية المزمع لحصة في مصفاة نفط رئيسية ببولندا إلى جعل المملكة، أكبر منتج للنفط داخل أوبك، مسؤولة عن توريد ثلثي إمدادات النفط البولندية وتقليص نفوذ روسيا المورد الرئيسي السابق، التي تواجه توترات إقليمية. وتسعى بولندا منذ فترة طويلة لتقليص اعتمادها على واردات الطاقة الروسية من خلال إبرام صفقات مع موردين آخرين، وتنامى عزمها على ذلك مع تدهور العلاقات بين البلدين. ونشبت خلافات بين موسكو ووارسو في الأشهر الأخيرة بشأن خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2، الذي لا يمر عبر أوكرانيا الجار المشترك لهما، بالإضافة إلى أزمة المهاجرين التي تشمل دولة مجاورة أخرى هي بيلاروسيا. وساءت الأحوال بين بولندا وروسيا بالفعل بسبب إمدادات النفط في أوائل 2021 عندما اضطرت بولندا لخفض مشترياتها من النفط الروسي، بسبب خلاف على الأسعار بين شركة روسنفت الروسية وشركة بي.كيه.إن أورلين البولندية. وقالت شركة أرامكو السعودية الحكومية، الأربعاء الماضي، إنها اتفقت على شراء حصة تبلغ 30% في ثاني أكبر مصفاة نفط بولندية، وعلى زيادة إمداداتها من النفط لشركة النفط البولندية الحكومية بي.كيه.إن أورلين إلى ما بين 200 ألف و337 ألف برميل يوميا. وتبلغ الطاقة الإنتاجية لمصفاة جدانسك 210 آلاف برميل يوميا، وهي ثاني أكبر مصفاة بعد مصفاة بلوك الحكومية البولندية، التي تبلغ طاقتها الإنتاجية 270 ألف برميل يوميا. وقالت شركة بي.كيه.إن أورلين، في رسالة بالبريد الإلكتروني، ردا على أسئلة من رويترز، “نقدر علاقات العمل التي تجمعنا، سواء بالشركاء الروس أو غيرهم من موردي النفط لمصافينا”. وأضافت أنها لا تعتزم “وقف العمل مع الشركاء الروس” في حين رفضت الكشف عن تفاصيل عقودها التجارية. وقالت أرامكو في رسالة ردا على طلب التعليق، إنه لا يمكنها أن توضح تفاصيل أكثر بشأن الصفقة. ولم ترد وزارة الطاقة الروسية أو شركة ترانسنفت محتكرة خطوط الأنابيب في روسيا أو روسنفت على طلب رويترز التعليق. وتعد بولندا من أهم الدول المستهلكة للنفط في منطقة البلطيق، وتملك شركتها بي.كيه.إن أورلين حصصا في مصاف في ليتوانيا وجمهورية التشيك وهما مشتريان كذلك لخام أورال الروسي. وفي حال إتمام الصفقة ستزيد أرامكو إمداداتها من النفط لبولندا بما يتراوح بين ثلاث وخمس مرات وقد تلبي ما بين 50% و70% من احتياجات بولندا من الخام وفقا لحسابات رويترز. وقال فيكتور كاتونا من شركة الاستشارات المستقلة جيه.بي.سي إنرجي لرويترز إن الخام السعودي المر (الذي يحتوي على نسبة عالية من الكبريت) مناسب فنيا للمصافي البولندية المصممة لتكرير خام أورال الروسي المر أيضا، لكن لوجيستيات الشحن إلى المنطقة قد تزيد التكلفة بالمقارنة بالشحنات الروسية للبلطيق. وتابع كاتونا “هدف بولندا المتمثل في الاستقلال عن الإمدادات الروسية دافعه سياسي بالأساس”، مضيفا أن أي خفض في المشتريات من السوق الفورية ومن منافذ السوق سيضر بمصالح مصدري النفط الروس. ومضى كوتانا يقول، إن السعودية تورد بالفعل نحو 90 ألف برميل يوميا من الخام عن طريق البحر لمصفاة جدانسك، بالمقارنة مع 142 ألف برميل يوميا من خام أورال الروسي، الذي يشحن عبر المسار نفسه. وارتفعت واردات بولندا المشحونة بحرا، والتي تشمل كذلك خامات بحر الشمال وغرب إفريقيا، مع تراجع الكميات التي تضخ عبر خط أنابيب دروزبا الذي يرجع لعهد الاتحاد السوفيتي السابق فيما يعكس المشكلات السياسية والفنية كذلك التي ظهرت في السنوات الأخيرة. ومن المتوقع أن تورد روسيا هذا الشهر 120 ألف برميل عبر دروزبا بالمقارنة مع 220 ألف برميل في يناير 2021، وفقا لمصدرين من قطاع النفط وبيانات إيكون. وذلك بالمقارنة كذلك مع 500 ألف برميل يوميا في منتصف العقد الأول من الألفية. وقال مصدران مقربان من الصفقة السعودية، إنها مهمة للغاية لبولندا، لكن من المستبعد أن يكون لها أي أثر على السياسيات داخل مجموعة “أوبك+”، التي تضم منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاء أبرزهم روسيا وبولندا. وقال أحد المصدرين، إنه رغم اتفاق روسيا والسعودية على ضرورة دعم الأسعار من خلال اتفاقات الإنتاج إلا أنهما معتادتان على التنافس على حصة السوق حتى أن بإمكانهما تقديم الدروس للغرب في الإدارة العملية للعلاقات القائمة على المنافسة.
مشاركة :