مالت أسعار النفط إلى الارتفاع في إطار اتجاه تصحيحي بعد انخفاضات حادة سابقة مدفوعة ببيانات عن تراجع المخزونات النفطية الأمريكية وزيادة في نشاط مصافي تكرير النفط إلا أن حالة وفرة المعروض في مقابل ضعف الطلب ما زالت آثارها ممتدة على السوق وسط توقعات واسعة بامتدادها للعام الجديد. وتعززت الإمدادات الوفيرة في السوق بزيادة صادرات النفط السعودية في أيلول (سبتمبر) 113 ألف برميل يوميا إلى 7.111 مليون برميل يوميا من 6.998 مليون برميل يوميا في الشهر السابق، حسبما أظهرت بيانات رسمية. وقال لـ"الاقتصادية"، ماركوس كروج كبير مختصي "ايه كنترول" لأبحاث النفط والغاز إن حالة وفرة المعروض ستستمر بعض الوقت في السوق، التي قدرتها "أوبك" بنحو 200 مليون برميل فائض نفطي، مؤكدا بأن "أوبك" على قناعة تامة بقرار تثبيت مستوى الإنتاج مع عدم وجود أي مؤشرات على التراجع عن هذا التوجه. وأشار كروج إلى أن منظمة "أوبك" تراهن على أن الحل سيأتي من نفس المصدر الذى حقق وفرة المعروض وهو الإنتاج الصخري الأمريكي، الذي قاد إلى انهيار الأسعار قبل أكثر من عام مضى وفي نفس الوقت تلتزم "أوبك" بالتمهل انتظارا لارتفاعات متوقعة فى مستوى الطلب العالمي. وأضاف كروج "المتابع لتطورات السوق يدرك أنه من الصعب توافق جميع المنتجين في "أوبك" وخارجها على فكرة خفض الإنتاج، نظرا لاختلاف الظروف الاقتصادية بين الدول المنتجة، كما أن إنتاج النفط الصخري وضح أنه منافس عنيد ويقاوم ظروف السوق بشدة ويكافح من أجل البقاء بشتى السبل، سواء بضغط الإنفاق أو تسريع الإنتاج أو غيرها من الآليات". ويعتقد كروج أن الطلب ما زال تحيط به شكوك واسعة نتيجة التباطؤ الاقتصادي وغياب الاستقرار السياسي بعد تصاعد الهجمات الإرهابية قائلا "علينا أن ننتظر ونرى مسار سوق الطاقة، خاصة أن المتغيرات سريعة ومتلاحقة". من جهته، قال لـ"الاقتصادية"، راينر سييل الرئيس التنفيذي لشركة "أو ام في" النمساوية النفطية، إن أسواق الطاقة في العالم، خاصة في أوروبا تواجه العديد من التحديات الجيوسياسية بسبب تصاعد الصراعات السياسية وتنامي تداعياتها الاقتصادية ونمو نشاط الإرهاب مع استمرار تأزم الأوضاع في سورية، مشيرا إلى أهمية توسيع التعاون الدولي من أجل ضمان مستقبل أمن لأسواق الطاقة في العالم. وأشار سييل إلى أهمية توسيع برامج الحوار في مجال الطاقة بين أوبك والاتحاد الأوروبي وروسيا منوها إلى أن روسيا بصفة خاصة تلعب دورا مهما ومركزيا في تأمين إمدادات الطاقة إلى أوروبا وهي شريك أوروبا الأكثر موثوقية في مجال الطاقة كما أن لأوبك دورا مماثلا ومحوريا في دعم استقرار أسواق الطاقة. وأشار سييل إلى أن جميع شركات الطاقة التقليدية مطالبة في ظل ظروف السوق الراهنة بأن تأخذ نفس المنحى وهو توسيع وتنويع الشركاء على نطاق كبير بما يكفل بتأمين إمدادات النفط والغاز وتحقيق الاستقرار في سوق الطاقة والتغلب على الصعوبات السياسية والأمنية، التي تهدد استمرار حالة وفرة المعروض الدولي. وأوضح لـ"الاقتصادية"، سيفين شيميل مدير في "جي اندستري" الصناعية الألمانية، أن تصريحات إيران عن حقها في استعادة سريعة لحصصها السوقية المفقودة بسبب العقوبات الاقتصادية، أضاف مزيدا من التوتر إلى سوق النفط الخام، الذي يعاني غياب الاستقرار والتقلبات السعرية المستمرة. وأشار شيميل إلى أن هذا الموقف الإيراني لا يخدم السوق، بل يعقد الموقف في ضوء حالة وفرة المعروض الواسعة الموجودة في السوق، موضحا أنه صحيح أن انخفاض الأسعار في صالح دول الاستهلاك والاستثمارات الصناعية بشكل خاص، توفر كثيرا في فواتير استهلاك الطاقة، ولكن عدم استقرار السوق والانخفاضات الحادة مثل الارتفاعات الحادة تضر بالسوق وباستقراره بشكل عام. وأضاف شيميل أن فكرة رفض إيران التنسيق مع منظمة أوبك- التي تنتمي إليها- بشأن تحقيق طفرات في الصادرات النفطية بمجرد رفع العقوبات الاقتصادية بحلول العام المقبل ليس في مصلحة إيران ولا في مصلحة "أوبك". وقال شيميل إن التنافس على الحصص السوقية، الذي وصل حاليا لمرحلة الذروة قد ينعكس سلبيا على فكرة التعاون والعمل الجماعي في مجال الطاقة، وبالتالي قد يصعب الوصول إلى استقرار الأسواق بدون التخلي عن المصالح الفردية والتركيز على العمل الجماعي ومصالح الاقتصاد الدولي بمنظور أشمل، لأن الجميع يدرك أن الاقتصاد في العالم مترابط الأوصال ولا بديل عن التكامل والتعاون الواسع. وفيما يخص الأسعار، ارتفعت أسعار النفط أمس بفعل تقارير عن تراجع المخزونات وزيادة نشاط المصافي في الولايات المتحدة لكن المختصون قالوا إن السوق ستظل تحت ضغط بفعل تخمة المعروض العالمي. وبحسب "رويترز"، فقد ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 1.06 دولار إلى 44.63 دولار للبرميل بعد تحديد سعر التسوية على انخفاض 99 سنتا في اليوم السابق، وارتفعت عقود الخام الأمريكي 75 سنتا إلى 41.42 دولار للبرميل. وكان معهد البترول الأمريكي قال إن مخزونات الخام بالولايات المتحدة هبطت الأسبوع الماضي 482 ألف برميل لأسباب منها زيادة استهلاك مصافي التكرير، وتصدر بيانات المخزون الرسمية عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية في وقت لاحق. وتوقع ثمانية مختصين ارتفاع مخزونات الخام 1.9 مليون برميل في المتوسط للأسبوع المنتهي 13 تشرين الثاني (نوفمبر). ورغم مكاسب أمس يتوقع معظم المختصين أن تظل الأسعار عند مستويات متدنية لبقية السنة خلال 2016 مع استمرار تفوق الإنتاج على الطلب. واعتبرها فيريندرا تشاوهان المختص النفطي في إنرجي أسبكتس إشارة للمراهنة على ارتفاع الأسعار، لكن إذا نظرت إلى ما وراء الحركة اليومية، فإن العوامل الأساسية تنبئ بانخفاض الأسعار. وهناك حديث عن مخزون عائم وإذا نظرت إلى فروق أسعار نفط السوق الحاضرة ببحر الشمال لخام الأورال وخام غرب إفريقيا، فإنها بالغة الانخفاض". وأوضح التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أن سعر السلة التي تضم 12 خاما من إنتاج الدول الأعضاء حقق أول تماسك سعري وارتفاعا محدودا عقب أربعة انخفاضات سعرية حادة متوالية، مشيرا إلى أن سعر السلة بقي لثالث يوم تحت 40 دولارا للبرميل وهو أول انخفاض إلى هذا المستوى السعري منذ عام 2009.
مشاركة :