يستمر صمت الفعاليات النقابية في الجزائر، رغم التدهور المستمر للوضع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد، وظهور تململ متجدد لدى بعض القطاعات التي دخلت في احتجاجات مطلبية، في وقت تعزم فيه الحكومة على مراجعة عمل النقابات ونشاطها، حيث تناول مجلس الوزراء الملف في ثلاث مناسبات، دون أن يفصح عن معالم تلك المراجعة. وتسود قطاع القضاء حالة من الشلل، بعد تزامن إضرابات كتاب الضبط مع المحامين، مما أدى إلى تعطيل مصالح المواطنين ومعاملاتهم، لكن تجاهل النقابات العريقة للإضراب، أثار استفهامات لدى الشارع الجزائري، قياسا بما يمثله القطاع من أهمية في الحياة العامة بالبلاد. وكانت نقابة المحامين قد أعلنت الدخول في إضراب شامل ومفتوح منذ أيام، احتجاجا على التدابير الجبائية التي تضمنها قانون المالية الجديد، حيث رفع ضريبة المحامين من 12 في المئة إلى 50 في المئة، وهو ما اعتبره العاملون في القطاع إجحافا يدفع الآلاف منهم إلى الإفلاس. كما سبق لإحدى النقابات التعليمية أن أعلنت عن تنظيم إضراب متجدد أسبوعيا في المدراس الجزائرية، احتجاجا على ما أسمته بـ”عدم التزام الحكومة بالتعهدات التي قطعتها على نفسها مع نقابات قطاع التربية في اتفاقيات سابقة”. مجلس الوزراء الجزائري تناول مشروع قانون جديد للعمل النقابي لكنه لم يفصح عن المراجعات التي ينوي إدراجها ومع ذلك تسود حالة من الصمت المريب لدى الطبقة النقابية في البلاد، رغم الوضع الاجتماعي والاقتصادي المقلق، حيث تسجل البلاد ارتفاعا فاحشا في الأسعار وتراجعا غير مسبوق في القدرة الشرائية، فضلا عن مصاعب التموين ببعض المواد الأساسية على غرار زيت الطبخ والحليب. وكان مجلس الوزراء قد تناول في ثلاث مناسبات مشروع قانون جديد للعمل النقابي، لكنه لم يفصح عن هوية وطبيعة المراجعات التي ينوي إدراجها في المستقبل، وهو ما ترك غموضا حول النوايا الحقيقية للسلطة من وراء المشروع المذكور. ولا يستبعد متابعون للشأن المحلي، أن يتم وضع ضوابط وآليات جديدة تكبح العمل النقابي ونشاطه، لاسيما في ظل ظهور بوادر اكتساح للنقابات المستقلة للطبقة الشغيلة، مقابل تراجع النقابة التاريخية المقربة من السلطة وهي الاتحاد العام للعمال الجزائريين. ولا تزال النقابة المذكورة تمثل الغائب الأكبر عن المشهد الاجتماعي والعمالي، رغم تجديد الهيئة القيادية وقدوم حميد لعباطشة، كأمين عام لأعرق النقابات في الجزائر، وباستثناء بعض التدخلات المحدودة له التي دعا فيها إلى مراجعة دخل الأسر، فإن الاتحاد العام للعمال الجزائريين لا يزال غارقا في صمته، رغم تفاقم حدة الغضب والتململ داخل المجتمع. وكان مجلس الوزراء الأخير قد ألمح في أحد بياناته إلى أن الغاية من مشروع الحكومة هي “تحييد العمل النقابي عن العمل السياسي”، وهو تلميح مبطن إلى أن السلطة تريد عزل التوظيف السياسي والأيديولوجي عن الممارسة النقابية، وهو ما اعتبرته نقابات مستقلة مسعى لتقييد عملها. وتساءل تقرير لصحيفة “ليبرتي” الناطقة بالفرنسية عن مصير الاتحاد العام للعمال الجزائريين، في ظل التوجهات الجديدة للحكومة، وصمته المريب عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد، وهو الذي كان طيلة العقود الماضية يمثل ذراعا اجتماعية للسلطة، يوظف في الأوقات المناسبة لشحن أو إفراغ طبقة العمال من غضبها. وتعكف وزارة الداخلية على التواصل مع الجمعيات والأحزاب والنقابات، من أجل التطابق العضوي مع النصوص والتشريعات الناظمة، وقد وجهت عدة اعتذارات لأحزاب سياسية وجمعيات ونقابات من أجل التكيف مع النصوص المذكورة، قبل أن تقع تحت طائلة الحل القانوني. وتم بقرار قضائي حل جمعية “راج” المعارضة، وتم تنبيه عدة أحزب كـ”الاتحاد من أجل التغيير” و”الرقي”، وهو ما اعتبره هؤلاء “محاولة من السلطة لترويض الفعاليات المعارضة لها”، وأن “الحملة تنطوي على تصفية حسابات سياسية”. ولا تستبعد نقابات مستقلة أن يحمل المشروع المنتظر قيودا جديدة تحد من حرية العمل النقابي وصلاحياته، في ظل اكتساح الكثير منها طبقة العمال، خاصة داخل الوظيفة العمومية كالإدارة والتعليم والصحة، وظهور قدرتها على تعبئة الفئة العمالية، عكس التنظيم النقابي المقرب منها الذي فقد وزنه وتمثيله، بسبب مواقفه المدافعة عن خيارات السلط العمومية. ولا يزال الوضع الصحي يحد من تصاعد المطالب النقابية، حيث أعلن الكثير منها عن الدخول في هدنة قسرية، غير أن التوتر الاجتماعي المتصاعد ومشروع الحكومة يدفعان باتجاه خرق الهدنة المذكورة.
مشاركة :