طهران - تشهد إيران في الفترة الأخيرة حالة من الاحتقان الاجتماعي في أوساط العاملين في القطاع الحكومي، فمن أن يهدأ احتجاج في قطاع حتى يتفجر آخر في بلد كسر فيه الإيرانيون حاجز الخوف أكثر من مرة لكنهم فشلوا في انتزاع حقوقهم تحت سياط القمع الشديد. وفي أحدث توتر اجتماعي في الجمهورية الإسلامية التي تئن تحت وطأة أزمة مالية ناجمة عن العقوبات الأميركية وأيضا عن تسلط المؤسسة السياسية والدينية التي تعطي أولوية النفقات للشأن العسكري والأمني، اعتصم عشرات من رجال الإطفاء الإيرانيين في طهران الأربعاء احتجاجا على ظروفهم المعيشية، وفق ما أفادت وسائل إعلام الأربعاء، تزامنا مع الذكرى الخامسة لحريق أودى بحياة عدد من زملائهم. ويبدو المواطن وشواغله المعيشية والخدمات مجرد رقم في حسابات انتخابية، ففي كل انتخابات تشريعية ورئاسية إلا وتتصدر الدعاية وعود بتحسين الوضع المعيشي وتخفيف معاناة المواطنين ومقاومة الفساد والغلاء وغيرها من الشعارات التي تتبخر بمجرد انتهاء الانتخابات. ومثل هذه الاحتجاجات نادرة في إيران وتأتي بعد فترة قصيرة من احتجاج نادر أيضا لموظفي النظام القضائي تنديدا بتردي وضعهم المالي في ظل انهيار العملة الوطنية وارتفاع معدل التضخم وموجة غلاء غير مسبوقة. وعادة ما تمارس لسلطات ضغوطا شديدة على موظفيها مع بروز مؤشرات على حالة احتقان في صفوفهم، مروحة بين الدعوة إلى الانضباط والتهديد بملاحقتهم قانونيا مثل حدث مع موظفي النظام القضائي مؤخرا. وتتزامن احتجاجات رجلا الإطفاء مع الذكرى السنوية الرابعة لهلاك 16 رجل من زملائهم في 19 يناير/كانون 2017، لدى انهيار مبنى بلاسكو، أقدم الأبنية المرتفعة في طهران، وهم يعملون على إخراج الناس من المبنى المكوّن من 15 طابق بعد اندلاع حريق ضخم في أرجائه. وتجمع زهاء 100 شخص من رجال الإطفاء وأفراد عائلاتهم أمام بلدية طهران ومجلسها البلدي، رافعين لافتات تنتقد "التمييز" و"الاستغلال" و"الإدارة السيئة" و"الرواتب التقاعدية المتدنية"، وفق وكالة "إيسنا". وردد المعتصمون وكان الكثير منهم يرتدي زي الإطفاء الأحمر، شعارات تطالب بحق "المعيشة اللائقة"، ويعربون من خلالها عن تعبهم "من الوعود التي لم تتحقق وليس من النار والدخان". وطالب المعتصمون مجلس الشورى (البرلمان) بالنظر في قضاياهم بما يشمل توفير أماكن إقامة لهم في العاصمة وزيادة رواتبهم. وتأتي هذه الحركة الاحتجاجية في ظل تحركات مماثلة قامت بها خلال الفترة الماضية، قطاعات مهنية مختلفة في الجمهورية الإسلامية، مثل المعلمين والعاملين في السلطة القضائية، على خلفية قضايا معيشية وحياتية. وتعاني الجمهورية الإسلامية من أزمة اقتصادية حادة تعود بالدرجة الأولى إلى العقوبات التي أعادت واشنطن فرضها على طهران، بعد قرار الولايات المتحدة الانسحاب أحاديا من الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني. وانعكس ذلك سلبا على الوضع المعيشي خصوصا لجهة تراجع قيمة العملة المحلية والتضخم الذي بلغ 43 بالمئة بين أبريل/نيسان ونوفمبر/تشرين الثاني الماضيين وفق تقرير صادر عن البنك الدولي مطلع العام الحالي. وتسبّب حادث مبنى بلاسكو الذي أدى أيضا إلى وفاة أربعة مدنيين، وفق الإعلام الإيراني في حينه، بصدمة في الجمهورية الإسلامية، لا سيما وأن فرق الإنقاذ عملت لأيام بعد ذلك، لانتشال جثث الإطفائيين. ويضمّ المبنى مركزا تجاريا ومئات المشاغل لصنع الملابس. وتعرض مالكوه ومسؤولون في بلدية المدينة لانتقادات بعد الحادث على خلفية الفشل في الحيلولة دون وقوعه، خصوصا أن دائرة الإطفاء كانت حذّرت من أنه يخالف الكثير من شروط السلامة. وبدلا من المبنى المنهار، أنجز في الآونة الأخيرة تشييد مبنى جديد يتألف من 20 طابقا خمس منها تحت الأرض. وأكد المتحدث باسم دائرة الإطفاء جلال مالكي في تصريحات للتلفزيون الرسمي الأربعاء، أن المبنى الجديد "لم يحصل بعد على إجازة من دائرة الإطفاء"، مشددا على أن إدارة المبنى "تعهدت بعدم تدشينه قبل أن يحصل على إجازة دائرة الإطفاء ووفت بوعدها حتى الآن".
مشاركة :