يتعرض أكثر من 10 ملايين شخص في الولايات المتحدة وأوروبا كل عام لفشل عضلة القلب، وتكون توقعات العُمر بالنسبة للمرضى في أكثر الأحيان قاتمة. وقد تساعد الأدوية على استقرار حالة المريض فترة معينة، غير أن معظم المرضى يحتاجون إلى زراعة قلب. وكأن الفشل البطيء للقلب ليس مخيفاً بحد ذاته، فعدد قلوب المتبرعين المتاحة كل عام ضئيل مقارنة بعدد الأشخاص الذين ينتظرون أحدها. كما أن فرص العثور على قلب من متبرع تكاد تكون معدومة بالنسبة لبعض المرضى، نظراً لحجم أجسامهم أو فصائل دمائهم. لقد بذلت محاولات لتصميم قلوب اصطناعية منذ خمسينيات القرن العشرين، لكنها بالكاد سجلت نجاحاً متواضعاً. على مر السنين دار عديد من اختبارات القلوب الاصطناعية حول معرفة عدد الأيام- وغالباً ما كانت أياماً معدودة فقط- التي ستبقى خلالها بعض الحيوانات المسكينة على قيد الحياة مع قلب اصطناعي بدلاً من قلبها الطبيعي، إذ يتآكل النظام المعقد للمضخات والصمامات الاصطناعية- المطلوب منها أن تنبض أكثر من 100.000 مرة في اليوم وعشرات الملايين من المرات في السنة- وهذا يعني أن القلوب الميكانيكية يمكن أن تفشل بسرعة أكبر من القلوب المريضة التي استبدلت بها. تستخدم القلوب الاصطناعية القليلة التي حصلت على الموافقة للاستخدام البشري حالياً فقط كملاذ أخير، وذلك ليكسب المريض بعض الوقت قبل إجراء عملية زرع لقلب حقيقي. في هذه الحال يتعين على المرضى أن يرتدوا طوال الوقت عدة الطاقة المرهقة مع أسلاك تخرج من صدورهم وتدخل إليها، ما يؤدي إلى الإصابة بالعدوى. لكن تصميماً جديداً تماماً، يُعرف باسم بيفاكور BiVACOR، يمكن أن يحدث ثورة في استخدام القلوب الاصطناعية وطرق علاج فشل القلب. فبدلاً من محاولة تكرار الطريقة التي يضخ بها القلب الحقيقي، يستخدم الجهاز قرصاً دواراً واحداً لدفع الدم إلى الرئتين والجسم. مع ارتفاع المضخة الدوارة عالية التقنية بين مغناطيسين، لا يحدث تقريباً أي تآكل ميكانيكي. أما عدم وجود أجزاء متحركة أخرى، فيعني أن بقية أجزاء القلب يمكن أن تصنع من التيتانيوم فائق القوة. إضافة إلى تكنولوجيا القرص الارتفاعي المتطورة، يمكن للقلب BiVACOR تكييف نتاجه مع المتطلبات الفسيولوجية للمريض (فهو سوف يضخ بصورة أسرع في أثناء التمرين الجسدي)، ويمكن أن يكون صغيراً بما يكفي ليناسب طفلاً. ويؤمل أيضاً أن يدمج الجهاز يوما ما مع تقنية الشحن اللاسلكي، ما يعني أنه يمكن زرع البطارية في جسم المريض، بدلاً من حملها خارجه. القلب BiVACOR هو من بنات أفكار د. دانیال تیمز Daniel Timms الذي بدأ في تطوير قلوب اصطناعية عندما أصيب والده غاري، وهو سباك، بنوبة قلبية في عام 2001. عندما أدرك حجم مشكلة النقص في زراعة القلب، بدأ تيمز- وكان لا يزال طالباً في ذلك الوقت - العمل على نموذج أولي باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد ومعدات السباكة. قال تيمز، الرئيس التنفيذي حالياً لشركة BiVACOR Inc، والخبير في تقنية زراعة القلب: "لم يكن لدينا المال لنفعل أي شيء مثل الدراسات على الحيوانات، كان ذلك مكلفاً جداً. لذلك اضطلعت مع أبي ببناء جهاز دوري Circulation system يحاكي ما يفعله جسم الإنسان". وأضاف: "كنا نذهب إلى بوننغس Bunnings، متجر اللوازم الكبير هنا في أستراليا، ونشتري معدات السباكة، فنبني حلقة جهاز دوري لنختبر ونتحقق من أن السائل يتدفق جيداً إلى مختلف أنحاء الجسم الاصطناعي الذي صممناه، وأن الضغط جيد كذلك، ومن ثم عملنا على تحسين القطع المختلفة". في عام 2001 كانت تقنية القرص الدوار في مهدها، لكنها كانت تستخدم في عمليات الزرع التي تساعد على تدفق الدم في المناطق المتضررة من القلب. كانت فكرة تيمز هي أخذ تلك التكنولوجيا واستخدامها لتصميم قلب كامل من الصفر. وتابع: "لقد تخلى الجميع عملياً عن صنع قلب اصطناعي كامل. بدلا من ذلك، كانوا يصنعون هذه الأجهزة الصغيرة التي يمكن وضعها، على سبيل المثال، في الجانب الأيسر فقط، وكانوا قد بدأوا من فورهم في استخدام تقنية القرص الدوار. كان سؤالي هو: لماذا لا تطبقون ذلك على قلب بديل كامل؟". 50 عاماً من الانتظار أجريت أول عملية زرع قلب اصطناعي في عام 1969 بمعهد تكساس للقلب Texas Heart Institute في هيوستن. عندما بقي المريض على قيد الحياة لمدة 64 ساعة دون القلب الذي ولد به، عُد ذلك نجاحاً، وكانت الآمال كبيرة في أن تصير عمليات زرع القلب الاصطناعي أمراً شائعاً في العقود المقبلة. لكن الأمر ببساطة لم يحدث. بعد أكثر من نصف قرن يرى أطباء القلب عدداً أكبر من المرضى الذين يعانون قصوراً في القلب كل عام، لكنهم ما زالوا ينتظرون جهازا يمكنه الاضطلاع بعمل العضو الذي لا يتوقف عن النبض في صدورنا. أحيت التقنية BiVACOR مرة أخرى الآمال في إمكان أن تضع قلوب اصطناعية نهاية للبحث المحموم وغير المجدي في كثير من الأحيان عن قلوب متبرعين. لم يجتذب التصميم الجديد تمويلاً بملايين الدولارات فحسب، بل حصل أيضاً على دعم من معهد تكساس للقلب الرائد على مستوى العالم في مجال الرعاية المتطورة لصحة القلب. يقول تيمز إن "روعة هذا التصميم وما يجعله واعداً، هو أنه لا يشبه قلب الإنسان على الإطلاق. إن الأمر يشبه إلى حد ما رحلة جوية أثقل من الهواء. لقد منحت الطبيعة الأم الطيور أجنحة ترفرف بها مع ما فيها من عظام وأوتار وعضلات. عندما حاولنا أن نفعل ذلك في الأيام الأولى للطيران، لم ينجح الأمر. كان علينا أن نتوقف عن محاولة محاكاة الطيور ونطور مراوح ومحركات، حتى نتمكن من الطيران". منذ عام 2019، تعمل شركة BiVACOR مع وكالة ناسا باستخدام خبرتها في بناء أجهزة موثوق بها على نحو فائق للمواقف التي يعني الفشل فيها موتاً محققاً. *توم أيرلند المصدر: مجلة مدار سلسلة مقالات تنشر بالتنسيق مع التقدم العلمي للنشر. تابع قراءة الموضوع عبر الموقع الإلكتروني: www.aspdkw.com
مشاركة :