تتبوأ ضاحية (ثَعَبَات) في مدينة تعز مكاناً عليًّا في صدر جبل صَبِر المشهور الذي يطل من الجنوب والشرق على كامل مدينة تعز، بما فيها (ثَعَبَات) التي كانت فيما مضى ضاحية من ضواحيها، بل كانت أشبه ما تكون بمدينة مستقلة ذات رياض وغياض بارزة وحياض، وفيها قصور بعض سلاطين بني رسول ومنتجعاتهم، وميادين احتفالاتهم. قيل إن أول من سكنها الملك المنصور بن الملك المفضل الحميري من رجال القرن الخامس الهجري. وسكنها أيضاً الملك الأيوبي طغتكن بن أيوب الذي ولي اليمن سهله وجبله بدءًا من عام 577هـ. وفي عهد دولة بني رسول التي حكمت اليمن في المدة ما بين (626-858هـ) اتخذها الملك المؤيد السلطان داود بن الملك المظفر داراً لأنسه ونزهة لنفسه، وزاد في عمارتها بما في ذلك بناؤه القصر المعروف باسم قصر المَعْقِلي الذي فرغ من عمارته سنة 698هـ. وفي عهد ولده الملك المجاهد السلطان علي بن داود بن رسول أدار المدينة بسور يوصف بأنه حسن في بنائه، قوي في عمارته ودفاعاته، وأجرى فيها بعض العيون، وأَكثر فيها من غرس الأشجار حتى صارت في عهده جنات وحدائق وروضات يجلب منها الرمان والسفرجل والتفاح، وغير ذلك من الفواكه الشهية. (إبراهيم المقحفي، معجم البلدان والقبائل اليمنية، ج1، صنعاء: 1422هـ، ص255-256). وشهدت ثَعَبَات في عهد السلطان الملك الأشرف بن الملك الأفضل الرسولي احتفالاً أسطورياً بتطهير أولاده في التاسع من ذي القعدة عام 794هـ، فقد وَصَفَ مؤرخ اليمن أبو الحسن علي الخزرجي ذلك الاحتفال البهيج بأوصاف تدل دلالة قطعية على ما وصل إليه اليمن في عهد بني رسول من الرفاه والاستقرار ورغد العيش، حيث يذكر الخزرجي أن السلطان الأشرف الثاني أعدّ مما يُذبح من الطير وذوات الأربع ومن الحنطة والسمن والعسل والأرزاز والرمان والعدس والقرطم والحمر والزبيب واللوز والسكر والنشأ والزعفران والفلفل وسائر التوابل والبقول على اختلاف أجناسها وأنواعها. ومن التمور والفواكه والحلويات بأنواعها، ومنها المَضْرُوب والمُشَبَّك والقَرْعية والطاهرية والشَّيْزَرِيّة والخشاشية والفانيد الشيء الكثير، وشارك في هذا الاحتفال البهيج -على حد قول الخزرجي- ثمانون امرأة من الحرائر، وأضعافهن من الإماء عدا نساء الأمراء والمقدمين والقضاة والمتصرّفين وأكابر أهل البلد، فلم يتخلف منهم امرأة على حد قوله. وحمل الأمراء والمقدمون وكبار رجال الدولة التقاديم النفيسة إلى باب دار السلطان الأشرف في ثعبات، يتقدم كل حمل رأسان من البقر على أتم ما يكونان من الحُسْن، وعليهما ثوبان من الحرير الملون، وتصل معه عدة من المغاني والزنّاجين والبَوّاقين يزفّون كل حمل كما يقول الخزرجي إلى باب الدار المعروف بدار النصر من ثعبات المعمورة. فإذا وصلوا الباب المذكور قام مُقَدّم الجزارين فينزع الثياب الحرير، ويذبح ما وصل من الجزائر، وهكذا دواليك. ويصف الخزرجي السّمَاط الذي أعدّ للحضور في يوم الختان بقوله: "ودخل الجميع من الناس إلى سماط قد أتقنه طهاته، وتناصفت في الجنس جهاته، لم ير الراؤون أعظم منه، ويقول أيضا: ثم خرجوا من مجلس السماط إلى مجلس الحلوى فأخذوا بحسب ما أرادوا، ثم قاموا إلى سماط فيه من الجوز واللوز والزبيب والعنب والسوبيا والفقاع والفستق والبندق.. ثم قاموا إلى مجلس الطيب فاستعملوا منه شيئاً كثيراً من البخور والمسك والماء وَرْد والشّند والغالية. وكان يوماً مشهوداً لم يكن في الدهر مثله" انتهى كلام المؤرخ علي بن الحسن الخزرجي الذي حضر وقائع تلك الاحتفالات مع لفيف من شعراء زمانه ذكر أسماءهم وصفاتهم، وعدّد ما مُنح لهم من الخلع السلطانية، والجوائز السنية، وشارك هو نفسه في هذه المناسبة بقصيدة رنَانة تنوف على 30 بيتا من الشعر الجيد، أثبتها في كتابه الآتي ذكره: (الخزرجي، العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية، ج2،القاهرة :1332هـ، ص232-237). تلك كانت أيام ثَعَبَات قبل أكثر من 600 عام. أما اليوم - بعد أن دخلها الحوثيون والمخلوع صالح وتفرّق كثير من أهلها أيدي سبأ بفعل تلك الحرب المشؤومة التي لا تكاد تخمد نارها إلا وتشتعل من جديد - أصبح من بقي في ثعبات من أهلها يفتقرون إلى أبسط سبل المعيشة، فلا طعام ولا شراب ولا كهرباء ولا غاز، بل يعيشون حياة بائسة في انتظار فرج قريب يعيد إلى تلك الضاحية الجميلة ما يُذَكّر أهلها بتلك الأيام الخوالي التي عاشتها في ماضيها الزاهر، حينما كانت بهجة للناظرين ومنتجعاً للسلاطين.
مشاركة :