الحياة على جزيرة نائية في أسكتلندا ليست للجميع، إذ لا أطباء، ولا مطاعم ولا كنائس، ولكن أليكس مومفورد، وهو واحد من نحو 40 شخصاً يعيشون في جزيرة «رم»، يقول إنه يحب العيش فيها، على الرغم من أنه يعترف بأن الحصول على مشروب يمكن أن يكون مغامرة، من خلال الذهاب إلى أقرب حانة في جزيرة سكاي المجاورة. وقال مومفورد، «لقد فكرنا في التجديف بالكاياك والتنزه لتناول مشروب ثم العودة بالكاياك،» متابعاً: «لكن المسافة تزيد على 10 أميال ذهاباً ومثلها إياباً، لذلك ربما لا تكون هذه الرحلة مثالية». وعلى الرغم من كل تحديات بناء منزل هناك، فقد شهدت الجزيرة نوعاً من الانفجار السكاني أخيراً، على الأقل من حيث النسبة المئوية. وقبل عامين فقط بقي أقل من 20 ساكناً في هذه البؤرة الاستيطانية المعزولة، ولم يسجل سوى طالبين في مدرستها، لذلك ناشد سكان الجزر القادمين الجدد بالتقدم للانضمام إليهم. ووصلت بالفعل الآلاف من رسائل البريد الإلكتروني للتعبير عن الاهتمام. ومن بين نحو 400 طلب اعتبرت جدية تم اختيار أربعة أزواج من الشباب. وسلط إعلان رم، الذي تم الترويج له على نطاق واسع الضوء والانتباه على مشكلة أوسع، عبر أكثر من 90 جزيرة مأهولة في أسكتلندا، والتي يعاني الكثير منها أزمات وجودية مماثلة. وجاء في وثيقة حكومية أسكتلندية لعام 2019، أنه «على مدى السنوات العشر الماضية، فقدت الجزر النائية عدد سكانها ضعف ما تم اكتسابه»، وحذرت من أن التوقعات تشير إلى أنها «معرضة لخطر هجرة السكان». ومع ذلك، تم تجنب ذلك في رم، على الأقل في الوقت الحالي. على الرغم من الأمطار والسيول في شتاء عام 2020، ثم صيف حار كثر فيه الذباب المزعج، لايزال القادمون الجدد هناك، والعائلات في أربعة منازل خشبية جديدة على الطراز الإسكندنافي مستأجرة بأسعار مغرية. ومومفورد، البالغ من العمر 32 عاماً، الذي انتقل إلى الجزيرة مع زوجته من بريستول، وهي مدينة بها أكثر من 460 ألف شخص في الطرف الآخر من بريطانيا، يعمل كمسؤول في مدرسة القرية، ومدير خدمات الزوار في «بانك هاوس»، وهو فندق صغير للزائرين. اختيار واضح وقال مومفورد إن الناس وصفوا قرارهم بالمجيء إلى رم بأنه «مجنون»، موضحاً: «أعتقد أن الأشخاص المجانين هم الأشخاص الذين يعيشون في شقق ويتكدسون في القطارات في ساعة الذروة. وبالنسبة لي كان اختياراً واضحاً وسهلاً». وأضاف: «لقد انتهيت قبل أسابيع من العمل بدوام كامل في شركة كبيرة». واحتفظ معظم الوافدين الجدد بالوظائف التي كانوا يشغلونها بالفعل، حيث يعملون عن بُعد بفضل الوصول إلى الإنترنت ذي النطاق العريض في رم، والذي تم تثبيته من قبل شركة زراعة سمك السلمون، التي توظف أحد سكان الجزيرة بدوام كامل وتجلب عمالاً آخرين بشكل دوري. وما تفتقر إليه الجزيرة من المطاعم والحانات (المقهى الوحيد يفتح فقط في فصل الصيف)، يعوضه جمال الطبيعة. وعند شروق الشمس، يغمر الضوء الأحمر أطراف الجزيرة، بينما تطير الطيور على طول الواجهة البحرية ويتقدمها مالك الحزين بهدوء. كما تجوب الأيول البراري بلا مبالاة حول «كينلوخ»، وهي المستوطنة الوحيدة، بينما تسكن النسور القمم البركانية بالجزيرة. ومع ذلك، إذا كانت هذه جزيرة مغرية، فهي أيضاً ذات تاريخ صعب؛ ففي القرن التاسع عشر تم إخلاء السكان الأصليين خلال ما يسمى بإخلاء المرتفعات عندما أنشأ الملاك مزارع أغنام كبيرة. وبحلول نهاية ذلك القرن كانت رم ملعباً لجورج بولوغ، وهو رجل أعمال إنجليزي غريب الأطوار، بنى نُزلاً لهواة الصيد، يُعرف باسم «قلعة كينلوخ»، محاطاً بحديقة حيوان تضم زوجاً من التماسيح الصغيرة. وتم ثني الغرباء عن الزيارة، وانتشرت شائعات عن حفلات مُريبة خلف أسوار القلعة. شواطئ مهجورة لم يعش في الفندق الصغير أي من سكان الجزيرة الحاليين لأكثر من ثلاثة عقود. وفليس فرايسر، البالغة من العمر 50 عاماً، هي واحدة من أطول المقيمين في الجزيرة، وقد وصلت في عام 1999. وهي الآن تدير «إيفي لودج» للمبيت والإفطار. وأقرت بأن جاذبية الجزيرة قد يكون من الصعب على البعض تقديرها، موضحة: «بعض الناس يأتون إلى هنا وينظرون حولهم ويقولون: الجو ضبابي، إنه موحل، إنها تمطر، ولا يوجد شيء لنفعله، لماذا نأتي إلى هنا؟». وتتحدث فرايسر وهي تطل على شاطئ خلاب تسبح فيه حتى الشتاء. وأضافت: «رم إما تتمكن من الإمساك بالناس أو لا تفعل ذلك». وفي الصيف يستمتع سكان الجزر النائية بشواطئ خلابة ومهجورة، وحفلات شواء عفوية، بالإضافة إلى الحفلات مع الموسيقى التقليدية. وفي الجانب السلبي، على الرغم من أن المجتمع داعم للغاية، فإنه صغير جداً لدرجة أنه لا يوجد شيء يبقى سراً فترة طويلة. ومن الأفضل عدم الخلاف مع الجيران لأنه من المستحيل تجنبهم. وسكان الجزر بحاجة إلى أن يكونوا واسعي الحيلة. وعندما طلبت فرايسر فنياً من البر الرئيس لإصلاح صندوق الهاتف خارج منزلها، تم إرسال وحدة بديلة لتركيبها بنفسها بدلاً من ذلك. تناوب التدريس أدى وصول عائلات جديدة إلى تنشيط الحركة في المدرسة، حيث زاد عدد تلاميذها من اثنين إلى خمسة، وفقاً لسوزي مورفي، (42 عاماً)، وهي إحدى المُدرستين اللتين تتناوبان التدريس، قادمتين من البر الرئيس. وقالت «لقد كان تحدياً حقيقياً ولكنه ممتع أيضاً». والمدرسة، التي كانت كنيسة صغيرة، في يوم من الأيام، تعلم الأطفال حتى سن 11 أو 12 عاماً. ويتعين على الطلاب الأكبر سناً الذهاب إلى مدرسة ثانوية في البر الرئيس، والعودة إلى رم في عطلات نهاية الأسبوع إذا سمحت الأحوال الجوية، وكانت هناك عبّارة تعمل. وسكن المعلمين الزائرين عبارة عن مقطورة مجهزة جيداً تشبه بيتاً متنقلاً. وقالت مورفي: «عندما يكون الطقس شديداً تهتز المقطورة»، مضيفة أن النوم قد يكون صعباً في شهر سبتمبر، لأنه «أثناء موسم التزاوج، يسمع سليل الغزلان طوال الليل». مبنى متدهور بينما يفكر سكان الجزر في المستقبل الاقتصادي، فإنهم يرون إمكانات واضحة للعمل السياحي الجديد، ربما كمرشدين لرحلات المشي أو كخبراء محليين للمغامرين الذين يتطلعون للسباحة وركوب قوارب الكاياك في المياه الصافية. ولكن عدد الزوار الذين ينبغي تشجيعهم أمر مثير للجدل. وبصرف النظر عن الغرفتين في مبيت فليس فرايسر، يوجد في رم بعض مرافق التخييم وبيت شباب «بانك هاوس»، الذي يقوم أليكس مومفورد بتجديده. والسؤال الكبير هو ماذا تفعل بقلعة «كينلوخ»، التي قدمت أماكن إقامة للزوار وجولات في غرفها الكبرى ولكنها أغلقت أثناء الوباء؟ وتدرس وكالة الطبيعة في أسكتلندا مقترحات، لكن ترميم المبنى المتدهور قد يكلف ملايين الجنيهات. ويخشى البعض من أن المزيد من السياحة قد تهدد الطبيعة البرية في رم، وهدوء الحياة الذي جذب السكان في المقام الأول. ويبدو أن الوافدين الجدد قد تبنوا وتيرة أبطأ، على الرغم من أن مومفورد يعترف بإزعاج عرضي، إذ يصوره الأصدقاء والعائلة في إنجلترا بأنه يعيش في نوع من جزيرة كنز مفقودة؛ بدلاً من بذله جهوداً كبيرة للتغلب على تحديات مستوطنة نائية. وبينما كان يحتمي من المطر في أحد الأيام الأخيرة في انتظار ما إذا كانت سيارته ستعود من مرآب في البر الرئيس على العبارة، ارتكب أليكس مومفورد خطأ الاتصال بوالده وتوقع القليل من التعاطف. «هل تستمتع بالجنة؟».. سأل والده. تغيير الواقع لدى كيم تيلور، الذي يدير المقهى بجزيرة رم في الصيف، أيضاً، شركة صغيرة لتجارة لحم الغزال. ولم يتغير شيء في هذا النوع من العمل لأكثر من قرن، إذ يتم قتل عدد من الحيوانات للحفاظ على التوازن وبقاء الغزلان، ويتم نقلها من سفح التل على ظهور الخيول البرية. ولا يوجد في رم زراعة حقيقية، وهو شيء يأمل أحد الوافدين، وهو ستيفن أتكينسون، (40 عاماً)، في تغييره عن طريق الاحتفاظ ببعض الخنازير. ولم يحصل على إذن حتى الآن. والقرية مملوكة من قبل الهيئة المجتمعية، ومعظم بقية الجزيرة مملوكة لوكالة الطبيعة في أسكتلندا، لذلك يمكن أن يكون اتخاذ القرار بطيئاً. وعلى الرغم من أنه يعتقد أن ليالي الشتاء يمكن أن تكون محبطة، فإن أتكينسون، الذي انتقل إلى رم من شمال إنجلترا، لم يردعه المطر. وقال، «نحن نعيش الآن في عالم يربط فيه الناس بين الطقس المشمس والحار بالإيجابية والسعادة، والمطر والظلام قد يكونان سلبيان»، متابعاً، «لكن هناك جمال في كل شيء، وأنا أستمتع تماماً بالطقس البارد والرياح والعاصفة». ومع وجود عدد قليل جداً من الأشخاص، يمكن أن تكون التفاعلات الاجتماعية التي تحدث مكثفة، كما أشار أتكينسون، مع رحلة قصيرة إلى متجر القرية، قد تمتد إلى نزهة لساعات مع كل محطات توقف للدردشة. وقال أتكينسون مازحاً، الذي انتقل إلى هنا مع زوجته وابنه الصغير، «نقول دائماً إنه من بعض النواحي ليست الجزيرة بعيدة بدرجة كافية». تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news Share طباعة فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :