وصف مراقبون مطالبة مالي بإعادة النظر في الاتفاقيات الدفاعية مع فرنسا بمقايضة لجأ إليها المجلس العسكري الحاكم في باماكو لتخفيف الضغوط الغربية عنه، قوامها: إما الاعتراف بالمجلس العسكري والتغاضي عن خططته غير المعلنة لمواصلة الحكم وعدم تسليمه السلطة للمدنيين وفق ما هو معلن سابقا أو أن روسيا ستكون البديل الجاهز لملء الفراغ في المستعمرة الفرنسية السابقة. يأتي ذلك في ظل تصاعد التوتر بين فرنسا والمجلس العسكري الحاكم في مالي، وبالتزامن مع صدور تقارير تتحدث عن استعانة باماكو بمرتزقة شركة فاغنر الروسية. وأعلن دبلوماسي فرنسي الثلاثاء أن المجلس العسكري في مالي طلب من باريس إعادة النظر في الاتفاقات الدفاعية الثنائية. وأضاف الدبلوماسي أن فرنسا “تدرس” الطلب، دون الخوض في المزيد من التفاصيل. وأطلقت فرنسا عملية عسكرية تحت اسم عملية برخان في يناير عام 2013 لمحاربة المتطرفين في مالي، بموجب اتفاق ثنائي بين البلدين تم التوصل إليه في مارس عام 2013. جان إيف لودريان: مرتزقة فاغنر يدعمون المجلس العسكري في مالي وتأتي مطالبة مالي بإعادة النظر في الاتفاقيات الدفاعية مع باريس بعد أن أعلنت فرنسا مساندتها للعقوبات الاقتصادية التي اتخذتها منظمة إيكواس ضد المجلس العسكري الحاكم في باماكو بسبب التفافه على خارطة طريق لتسليم الحكم للمدنيين. وفرضت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) والاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا في السادس عشر من يناير حزمة عقوبات اقتصادية ودبلوماسية صارمة على مالي ردا على رغبة المجلس العسكري في البقاء في السلطة عدة سنوات. وجاءت العقوبات بعد نكث العسكريين بتعهدهم إجراء اقتراع رئاسي وتشريعي في السابع والعشرين من فبراير القادم لانتخاب قادة مدنيين. وقررت إيكواس قطع مساعدتها النقدية وتجميد أصول مالي في البنك المركزي لدول غرب أفريقيا، واستثنت السلع الأساسية من الحظر. كما ستستدعي الدول الأعضاء في المنظمة سفراءها في مالي التي شهدت انقلابين عسكريين منذ عام 2020 وتعاني أزمة أمنية مستفحلة. وبرر العسكريون موقفهم باستمرار انعدام الأمن في البلاد والحاجة إلى إصلاحات مسبقة حتى لا تتعرض الانتخابات للطعن مثل سابقاتها. وتساند فرنسا بشدة هذه العقوبات الأفريقية وتسعى لتشديد العقوبات على الحكام العسكريين. وعرقلت روسيا مؤخرا إقرار نص في مجلس الأمن الدولي يدعم العقوبات التي قررتها إيكواس على باماكو. وهدف النص الذي اقترحته فرنسا إلى الحصول على موقف موحد للمجلس في ما يتعلق بمالي، فيما دعت روسيا إلى “تفهّم” السلطات المالية. واتّهم وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان مرتزقة مجموعة فاغنر الروسية بـدعم المجلس العسكري الحاكم في مالي بذريعة أنهم منخرطون في مكافحة الجهاديين. وحاولت باريس ردع باماكو عن طلب خدمات مجموعة فاغنر الروسية شبه العسكرية، لكن دون جدوى. وانتشر العديد من المدربين العسكريين الروس في مالي خلال الأسابيع الأخيرة، خصوصًا في قاعدة تمبكتو (شمال) التي غادرها الجنود الفرنسيون مؤخرًا. وينتظر الروس على الأبواب لملء أي فراغ تتركه فرنسا خلفها، والأخيرة لا تريد تقديم مالي إلى روسيا على صينية من ذهب مثلما يجري الآن في جمهورية أفريقيا الوسطى. اقرأ أيضا: فرنسا تدعو إلى نظام أمني جديد في أوروبا لمواجهة روسيا وفي الوقت الذي قلص فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عناصر عملية برخان البالغ عددهم 5100 إلى النصف وشرع في الانسحاب من مدن كيدال وتيساليت وتومبكتو، في شمال مالي، يبدو أن الانقلابيين في باماكو عقدوا صفقتهم مع فاغنر لتعويض ما اعتبروه تخلي باريس عنهم في ذروة معركتهم مع الجماعات الإرهابية. وحتى بعد إصرار الحكومة المالية على نفي أي تواجد لمرتزقة فاغنر على أراضيها، تؤكد عدة قرائن عكس ذلك. ويوضح الصحافي المالي المتخصص في شؤون الساحل صديق آبّا، في تصريح لإذاعة فرنسا الدولية، أن سبب إصرار باماكو على عدم الإقرار باتفاقها مع فاغنر هو رغبتها في ألا تكون شراكتها العسكرية مقتصرة على روسيا وأن تنفتح على شركاء آخرين، خاصة أن الاتحاد الأوروبي يمول الجزء الأكبر من عمليات تدريب الجيش المالي. وتمكنت باريس من حشد أكبر قدر من الدول الحليفة للضغط على الانقلابيين في مالي، إلا أن هؤلاء الانقلابيين استعدوا لهذه المواجهة عبر اللجوء إلى روسيا، حتى لا يكونوا منفردين أمام فرنسا وحلفائها. وتعتقد باريس أن زعيم الانقلابيين عاصيمي غويتا لجأ إلى فاغنر لحماية النظام وليس لمحاربة الإرهابيين، ما يدفعها إلى التشدد هي الأخرى في دعوتها للإسراع في تنظيم الانتخابات من أجل إزاحة الانقلابيين من طريقها وإبعاد لاعب كبير مثل روسيا من إحدى الدول الخاضعة لنفوذها.
مشاركة :