السيسي يستبق غضبا شعبيا على غلاء المعيشة بتحسين الأجور | أحمد حافظ

  • 1/20/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

استبق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذكرى الثامنة لثورة الخامس والعشرين من يناير بامتصاص غضب الشارع على غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار والإجراءات الاقتصادية القاسية، وذلك بتحسين أجور العاملين بالجهاز الحكومي ورفع الحد الأدنى للرواتب في الموازنة العامة الجديدة للدولة المقرر تطبيقها في يوليو المقبل. وأقر السيسي الثلاثاء علاوتين جديدتين بتكلفة 8 مليارات جنيه (نحو نصف مليار دولار) للموظفين، الأولى دورية للمخاطبين بقانون الخدمة المدنية لتزيد بنسبة 7 في المئة من الأجر الوظيفي، والثانية خاصة للعاملين غير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية بنسبة 13 في المئة، مع زيادة الحافز الإضافي لكل الموظفين بتكلفة بلغت 18 مليار جنيه (حوالي مليار دولار). وفي خطوة تستهدف استرضاء أولياء أمور الطلاب المتذمرين من النقص الحاد في المعلمين قرر السيسي توجيه الحكومة لإجراء مسابقة لتعيين 150 ألف معلم في غضون خمس سنوات بتكلفة إجمالية تبلغ ملياري جنيه في العام، لتلبية احتياجات قطاع التعليم الذي تحول إلى جبهة معارضة للحكومة بسبب التخبط في سياساته. جهاد عودة: السيسي كان متهما بالبعد عن أوجاع الناس والاهتمام بالتنمية وجرى ضم تخصصات طب الأسنان والعلاج الطبيعي والتمريض إلى القرار السابق، ما يعني أن قطاع الصحة سيشهد تعيينات جديدة في ظل النقص الحاد في الأطباء، وعجز المستشفيات عن الوفاء بالتزاماتها، مع رفع مكافأة الأطباء التي تصرف لهم خلال فترة التدريب في سنة الامتياز لوقف هروبهم إلى الخارج أو عملهم بالقطاع الخاص. ويتزامن هذا التوجه مع ارتفاع نبرة الغضب في الشارع ضد الحكومة لإخفاقها في الحد من تبعات موجة التضخم وارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق، وشعور شريحة كبيرة أنه رغم مرور عشر سنوات على ثورة الخامس والعشرين من يناير، فإن مطلبها الأساسي لم يتحقق، وهو توفير رغيف الخبز والعدالة الاجتماعية، حيث اتسعت الهوة بين الطبقات. ولدى الشارع حالة من الإحباط نتيجة استسهال الحكومة فرض أعباء جديدة على الناس، في صورة ضرائب أو رفع أسعار الخدمات من مياه وكهرباء ومشتقات بترول، أو التجرّؤ على تحريك أسعار السلع التموينية المدعمة من الدولة، وتقليص الدعم المقدم من الحكومة على السلع الأساسية. واستقبلت قرارات السيسي بحالة من الرضا، لكنّ هناك معارضين وصفوها بأنها لن تحقق الحياة الكريمة للفئات المستهدفة نتيجة الغلاء وصعوبات المعيشة في ظل زيادة الأعباء على الناس، وأن الدولة لم تخسر شيئا، فالأموال التي وفرتها من فاتورة دعم السلع خصصتها لزيادة الرواتب، أي أنها أخذتها باليمين ومنحتها باليسار. وترى دوائر سياسية أن القرارات في مجملها تستهدف إصلاح البرنامج السياسي الذي ينتهجه السيسي الذي اعتاد منذ وصوله إلى السلطة أن يركز إنفاق الحكومة على المسارات التنموية بإقامة مشروعات ضخمة، بينما كانت، ولا تزال، النغمة الدارجة في الشارع أن تحسين ظروف الناس أهم بكثير، ولا يجب التركيز على التنمية وتجاهل الاحتياجات الأساسية للمواطنين. وقال جهاد عودة أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان في القاهرة إن هذه الخطوات تستهدف تعزيز شرعية برنامج السيسي ودعم سياسات الحكومة، لأنه كان متهما بالبعد عن أوجاع الناس والاهتمام بالتنمية على حساب الظروف الصعبة للمواطنين، فكان لا بد أن يتدخل لغلق الثغرة التي ينفذ منها معارضوه. وأضاف لـ “العرب” أن السيسي لا يريد ترك أيّ ملف تستثمره التيارات المناوئة دون أن يخترقه ويتخذ فيه قرارات حتى لو كانت تمثل عبئا على الحكومة، لكن انعكاساتها السياسية ستكون إيجابية على النظام، فقطاع الموظفين يصعب توقع ردة فعله إذا ضاقت بأصحابه السبل، وكان من المنطقي أن يرضيهم بزيادات في الرواتب، لأن هؤلاء غضبهم سيكون بالغ الصعوبة أمنيا وسياسيا. وأدرك النظام أن المصريين وإن كان صبرهم طال على ظروفهم المعيشية الصعبة، فقد وصلوا إلى مرحلة عدم القدرة على الاستمرار دون تدخل من الدولة لضبط البوصلة والتوازن بين الإنفاق على التنمية والإنفاق على تحسين الأحوال الاقتصادية. ويرى مراقبون أن الحكومة على قناعة بأن استمرار مقارنة الشارع حجم إنفاقها على التنمية بحالة البخل والتقشف في منح المواطن جزءا من هذه المخصصات المالية، في صورة زيادة في الرواتب أو غيره، لن يصل إلى الحد الأدنى من الرضا المجتمعي عنها، وستظل كل تحركاتها مطاردة بالسخط والتذمر منها. ويعتقد هؤلاء المراقبون أن الحكومة اقتنعت أخيرا بأنها إذا استمرت في ترويجها لمكاسب التنمية دون أن ينعكس ذلك على المستوى المعيشي للناس وتلبية الحد الأدنى من مطالبهم بأن يعيشوا حياة كريمة نسبيا ستكون في نظر الشارع غير صادقة ومشكوكا في كلامها، فطالما هناك مكاسب تنموية من الإجراءات الاقتصادية القاسية التي أقرتها من الطبيعي أن تكافئ الناس، على الأقل في الملفات التي تمس صميم حياتهم. وأشار جهاد عودة لـ”العرب” إلى أن الرسالة الأهم التي أراد السيسي إبلاغها إلى الشارع أن الإجراءات التي تم اتخاذها اقتصاديا قادت اليوم إلى رد الجميل للناس، بحيث يشعرون بالأمل في إمكانية تحسن الظروف مستقبلا إذا تحملوا المزيد من الصعاب. لكن تبدو شريحة كبيرة من المواطنين غير مرتاحة لهذا التوجه، لأن الشواهد السابقة تؤكد لدى المواطن البسيط أن الحكومة طالما منحت فهي سوف تأخذ بأيّ طريقة كانت، خاصة أن هذه القرارات تزامن معها توجيه محمد معيط وزير المالية إلى زيادة العوائد الضريبية ومكافحة كل أشكال التهرب الضريبي. وتعكس ريبة البعض في نوايا الحكومة، وإن اتخذت خطوة إيجابية، أن حالة الثقة بين الطرفين وصلت إلى مرحلة متدنية، ما يتطلب المزيد من القرارات السياسية والبرامج والخطط التي ترمم العلاقة قبل وصول منسوب التشكيك والغضب إلى مرحلة يصعب علاجها، وهو ما ينعكس سلبا على الاستقرار الذي يسعى نظام السيسي لتكريسه في البلاد.

مشاركة :