تشن السلطات العراقية هذه الأيام حملة لمصادرة الدراجات النارية، التي تحولت إلى تحد أمني، بسبب استخدامها مؤخرا من قبل مجهولين في عمليات استهداف لمقار ومكاتب حزبية في العاصمة العراقية بغداد. ويستخدم الآلاف من العراقيين الدراجات النارية للإفلات من الازدحامات المرورية، والاكتظاظ الذي تعاني منه مدن العراق، ولاسيما العاصمة بغداد. وتلقى هذه الوسيلة رواجا كبيرا، لاسيما في صفوف الشباب بالنظر إلى تكلفتها المنخفضة قياسا بأسعار السيارات، فضلا عن أنها لا تتطلب الكثير على مستوى الوثائق. لكن هذه الدراجات تحولت في السنوات الأخيرة إلى معضلة أمنية حقيقية، حيث باتت الوسيلة المفضلة للمتطرفين والخارجين عن القانون وعناصر الميليشيات لتنفيذ جرائمهم، والهروب من رجال الأمن. وشهدت العاصمة بغداد مؤخرا عمليات استهداف لمقرات حزبية ومكاتب لنشطاء سياسيين، استخدم خلالها المنفذون دراجات نارية لتسهيل عملية فرارهم داخل الأزقة، تجنبا للحواجز الأمنية المقامة في تقاطعات الشوارع الرئيسية. وتعرضت مقار تكتلي “تقدّم” بزعامة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، و”العزم” برئاسة رجل الأعمال خميس الخنجر، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، في بغداد إلى هجمات بالقنابل ليلة الخميس – الجمعة الماضية، من دون أن تسفر عن إصابات بشرية، باستثناء أضرار مادية بسيطة. العديد من جرائم الاغتيال والتفجيرات التي ضربت العراق في السنوات الأخيرة، تمت بواسطة الدراجات النارية وكشفت مقاطع فيديو لكاميرات المراقبة المحيطة بمقر تكتل “تقدم” في منطقة الأعظمية ذات الغالبية السنّية في العاصمة بغداد، جانبا من الهجوم الذي استهدف المقر. ويظهر في أحد الفيديوهات شخصان يستقلان دراجة نارية ويقومان بإلقاء قنابل يدوية داخل المقر، قبل أن يفرا إلى جهة مجهولة. كما ظهر في فيديو آخر عنصران يستقلان دراجة نارية وهما يتوقفان قرب مقر تكتل “العزم” في المنطقة ذاتها، ليشعلا فتيل قنبلتين قبل أن يلقياها داخل المقر. وتأتي الهجمات على مقار “تقدم” و”العزم” والحزب الديمقراطي الكردستاني في ذروة أزمة سياسية تعصف بالعراق منذ إعلان نتائج الانتخابات التشريعية. وتوجه أصابع الاتهامات للميليشيات الموالية لإيران في الوقوف خلف استهداف مقار القوى السياسية الثلاث، بعد أن أحرزت الأخيرة تقدما في المباحثات بينها لتشكيل تحالف أغلبي مع التيار الصدري المتصدر لنتائج الاستحقاق. وتخشى الميليشيات الولائية التي تكبدت خسارة قاسية في الانتخابات التشريعية الأخيرة من أن يجري إقصاؤها من المعادلة السياسية في العراق. وتستخدم الورقة الأمنية في محاولة للضغط على القوى المقابلة لأخذ محاذيرها في الاعتبار. ودفعت الهجمات الأخيرة إلى إعلان مجلس الأمن الوطني خلال اجتماع برئاسة مصطفى الكاظمي جملة من الإجراءات، من بينها تقييد تحركات الدراجات النارية، مع رصد مكافآت مالية للمبلغين عن عناصر مشبوهة. وكان استبق الاجتماع صدور بيان من مديرية المرور العامة، يتضمن توجيها صارما بشأن حركة الدراجات النارية في العاصمة بغداد. Thumbnail وقضت المديرية في بيانها بـ“المنع منعا باتا سير الدراجات النارية بأنواعها كافة المسجلة وغير المسجلة، من الساعة السادسة مساء وإلى الساعة السادسة صباحا من كل يوم”. وحذرت المدرية من أنه “سيعاقب المخالف بحجز الدراجة النارية، وفرض غرامة مقدارها 100000 دينار عراقي، استنادا للمادة الخمسة والعشرين من قانون المرور”. وأكدت على “البيان رقم ستة لسنة 2020 القاضي بمنع قيادة الدراجة النارية في حالة استقلالها لأكثر من شخصين، ويعاقب المخالف بالعقوبة ذاتها المشار إليها في الفقرة الأولى أعلاه”. وشنت الأجهزة الأمنية عقب التوجيهات حملة على الدراجات النارية، وتمت مصادرة العشرات منها في بغداد والنجف. ويرى مراقبون أن تشديد القيود على أصحاب الدراجات النارية بات ضروريا، لاسيما وأن معظمهم لا يملكون أوراقا ثبوتية، وهو ما يسهل على المتجاوزين للقانون استخدامها. ويلفت المراقبون إلى أن العديد من جرائم الاغتيال والتفجيرات التي ضربت العراق في السنوات الأخيرة، قد تمت بواسطة الدراجات النارية. وكان تفجير بدراجة نارية جد قرب مستشفى في وسط البصرة في جنوب العراق في ديسمبر الماضي، وأدى إلى مقتل أربعة مدنيين وجرح أربعة آخرين. وذكرت المصادر حينها أن المستهدف ضابط في جهاز المخابرات يحقق في ملف اغتيال نشطاء مدنيين. ولعل أبرز عمليات الاغتيال التي شهدها العراق واستخدمت فيها الدراجات النارية تلك التي استهدفت الأكاديمي والمستشار الحكومي هشام الهاشمي، الذي قتل في العام 2020 على يد عنصرين يستقلان دراجة نارية، كانا بانتظاره بالقرب من منزله في منطقة زيونة شرقي العاصمة بغداد.
مشاركة :