الاقتراب من الفرقة الموسيقية لشرطة رأس الخيمة والتعرف إلى دهاليزها، كان الهدف الرئيسي لرحلتنا إلى أرض جلفار، وبمجرد أن التقينا الفرقة وتعرفنا إلى أعضائها، بدت ملامحها الخاصة التي تعطيها موقعها الخاص تتبدى لنا، إلا أنها لا تختلف عن بقية الفرق الموسيقية على مستوى الحضور الكبير في المحافل والمناسبات الوطنية. فمنذ أن استُحدث فرع الموسيقى بشرطة رأس الخيمة في عام 1974 متكوناً من 3 فرق النحاس، والقِرب، والإيقاع ظلت تقدم الكثير من العروض، حتى أضحت ركناً رئيسياً من أركان المناسبات المختلفة الرسمية والشعبية، تعزف الألحان في أعياد الوطن وتتغنى بخطوات جنوده عند الملحمة. حاولنا في هذه الزيارة الخاطفة لمقر الفرقة الموسيقية لشرطة رأس الخيمة إضاءة بعض الجوانب الخفية عن مراحل التدريب والعمليات الفنية المختلفة التي تضج بها ليل نهار، حتى تخرج للناس في مناسباتهم بالشكل الذي عهدوه. مقطوعات موسيقية عربية وأجنبية ومحلية تحتل مواقعها صباح كل يوم في جدول تمارين وتدريبات الفرقة الموسيقية لشرطة رأس الخيمة، التي أوصلها التراكم والاحتكاك مع التجارب الأخرى في الدولة، بالإضافة للجهود الذاتية الحثيثة التي تبذلها، إلى أعلى مراتب البذل والعطاء. وتروي مسيرة الفرقة الكبيرة منذ عام 1974 وحتى الآن بمحطاتها المختلفة، الكثير عن هذه التجربة المغايرة. ففي البداية كانت الفرقة تعتمد على الطلبة المواطنين وأبناء مجلس التعاون، كما جرى الاستعانة بعدد من العازفين ذوي الخبرة الفنية من الدول العربية للاستفادة من خبرتهم في العزف والتعليم، لتتشكل نواة الفرقة التي سيصبح لها شأن كبير بعد أقل من 3 سنوات، وفقاً لرواية الرائد صالح حميد النعيمي، مدير فرع الموسيقى بالفرقة. يوضح أن عام 1977 يعتبر تاريخاً مفصلياً في مسيرة الفرقة، إذ شهد إعادة هيكلة فرع الموسيقى بفرقه الثلاث، عبر زيادة أعداد العازفين وتزويد الفرقة بآلات ومعدات موسيقية حديثة، لتواكب التطور الذي ينتظم مثيلاتها على مستوى الدولة والعالم، مؤكداً أن الدعم الذي حصلوا عليه من المسؤولين في قيادة الشرطة يعتبر أساس عملية التطوير والتجديد في الفرقة، الأمر الذي انعكس على أداء الفرقة، لتتسع دائرة مشاركاتها داخل الإمارة وخارجها. ويرى النعيمي أن عملية التحديث أجريت على مستويين، الأول بتجديد الأعمال الفنية من خلال الارتقاء بالبرامج الفنية الميدانية والمعزوفات الجديدة والتمارين الجماعية والفردية والاستعدادات النوعية للمشاركة في المناسبات الوطنية المختلفة، والتي تبلغ ذروتها في الفترة من شهر سبتمبر/أيلول وحتى مايو/أيار. أما المستوى الثاني فيتلخص في إعادة التمارين على المعزوفات السابقة، ويجري من خلاله العمل على البرامج الفنية للإعادة والمحاضرات التثقيفية ويسمح للعازفين بنيل عطلاتهم السنوية بعد مراعاة التوازن العددي من العازفين للاستعداد لأي طلب مشاركة من أي جهة. يقول: بداية المشاركة الخارجية للفرقة كانت في عام 1980 في المسابقة السنوية التي تقيمها الجمعية الإلكترونية الإسكتلندية في دبي لفرق القِرب في الدولة ودول مجلس التعاون الخليجي، وحصلت فرقتنا على المركز الأول في العزف المنفرد لعازف القِرب، واستمرت المشاركة في المسابقة لمدة 4 أعوام، لنحصل على شهادات تقديرية لمشاركتنا في يوم الأخوة الكشفية العربية، ومهرجان الفنون الوطني الأول الذي نظمته دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة. ويضيف أن مشاركاتهم اتسعت لتشمل المسابقات التي تنظمها القيادة العامة لشرطة الشارقة في العام 1998، ومسابقة الفرق العسكرية العربية، الذي حصلت فيه الفرقة على المركز العام وتحصلت على المرتبة الأولى في القرب والإيقاع، لتنطلق عملية إعادة هيكلتها وتطويرها، مبيناً أن مجموع مشاركاتهم في المناسبات المختلفة كانت 120 مشاركة في 2009 لتصل إلى 168 مشاركة في عام 2014. ويتابع النعيمي: لدينا أكثر من مشاركة داخلية وخارجية في الإمارة والمناطق النائية والإمارات الأخرى، وتمتد حتى كلباء وخورفكان، في المناسبات الأهلية والقومية والدولية، مثل (نصف المارثون) والمدارس السنية والابتدائية والثانوية، ونشارك في الاحتفالات والأعراس الجماعية، وعمل التمارين والتخريجات لمستجدي الشرطة في مركز تدريب الشرطة برأس الخيمة، واحتفالات اليوم الوطني، في الفجيرة وعجمان وأم القيوين، في اليوم الوطني نشارك بأكثر من 100 فعالية، وهي المشاركة الأبرز طوال العام، إذ نتلقى الطلبات في هذه الفترة من دوائر حكومية، ومدارس وجمعيات، وهنالك احتفالات عامة، ونجهز لها منذ بداية سبتمبر/أيلول، لأنها تبدأ منذ الثاني من نوفمبر وحتى بداية ديسمبر/كانون الأول، ونستعد بالأناشيد الوطنية والشعبية والتراثية، نبدأ باختيار بعض المقطوعات للأناشيد الوطنية، ونوزعها على الآلات العسكرية، حتى تتماشى هذه المعزوفات معها، فالآلات العسكرية تحتاج لتعديل، وفي بعض المرات تكون هنالك صعوبة في التوزيع. الفرقة تتكون من 3 فرق الإيقاع والنحاس والقرب، والمعزوفات تكون مشتركة أو منفردة، ويجري الإعداد لتكوين تشكيلات حسب المناسبة، وعادة ما تكون برقم الاحتفال باليوم الوطني، كما أن هناك بروفات ميدانية وموسيقية. الخطوات التي يمر بها العازف تبدأ منذ مرحلة الاختيار، لأن لكل قسم طبيعته المختلفة، لذلك تحرص فرقة رأس الخيمة على وجود لجنة لاختبار العازف لمعرفة مقدرته في العزف، عبر إخضاعه لاختبار في النوتة والأوزان، وبعد اختياره يأخذ وقتاً لا يقل عن 6 أشهر في التمارين، لأن هنالك معزوفات جديدة ومختلفة، ويريد العازف الجديد مدة طويلة حتى يتمرن ليصل لمستوى زملائه القدامى في الفرقة، ونفس الأمر بالنسبة للقِرب، إلا أن النوتة تختلف من آلة لأخرى، فبعضهم يعزف على النوتة وآخرون يعزفون بالطريقة السماعية، أما بالنسبة للإيقاع وهو عمود العمل الموسيقى، فتستمر مدة إعداد العازف لأيام أطول حتى يصل للمستوى المطلوب، وتتباين مستويات العازفين الجدد فمنهم من يتخذ مكانه في الفرقة بشكل سريع ومنهم من يأخذ وقتاً يصل لعام كامل، وفق ما يقوله النعيمي. نياز علي، مسؤول التدريب بالفرقة، يوضح أن تدريباتهم تبدأ منذ الصباح، كما أن هناك برامج مخصصة للعازفين الجدد، مشيراً إلى أنهم يتدربون بشكل يومي، وفقاً لبرنامج أسبوعي، يتضمن برنامجاً ميدانياً يتم بشكل جماعي أو فردي، لكل فرقة على حدة. ويضيف: هنالك معزوفات مشتركة وأخرى منفردة لذلك تفترق الأقسام الثلاثة للفرقة في بعض التمارين، لكن لا نتوقف عن التمارين نهائياً، فالاستمرارية في العزف تمنحك قوة وترتقي بالأداء، وتجعل العزف مرغوباً وجيداً فنياً، كما نؤدي تمارين ميدانية منفردة للفرق لتقوية اللياقة البدينة، لمدة ساعة يومياً في الميدان. ويشير عثمان قاسم، مسؤول الفرقة الإيقاعية، إلى أن العازفين الجدد يبدؤون تدريباتهم بالنوتة، وتستمر طوال اليوم بتعليمهم على الإسكيلات، والتدرب على العزف أثناء المشي، موضحاً أن السرعة في المشي أو المسيرة لا تخل بالإيقاع في العزف، لأنه يختلف من مسيرة لأخرى، ففي مسيرة الصغار لا بد من تقليل الزمن، أما بالنسبة للكبار نمنحهم فرصة زيادة للمشي، لافتاً إلى أن المعزوفات تختلف حسب سرعة الإيقاع، وهو أمر من ضمن التدريبات اليومية في الميدان للعزف والمشي كجزء من التأهيل المسبق. وتعتبر الأغاني الشعبية هي المسيطرة بالنسبة للفرقة، فهي التي يطلبها جمهورها بشكل متواصل في مختلف المناسبات الوطنية، وتختلف طريقة تقديم هذه الأهازيج الشعبية من مكان لآخر، فعندما تشارك الفرقة في احتفال أو مناسبة معينة تحدد طبيعة هذه المناسبة المعزوفة التي يجب تقديمها، إلا أن أكثر المعزوفات رواجاً الأغاني الشعبية والأناشيد الوطنية، وفقاً لما يؤكده محمد سعيد، المسؤول عن الفرقة النحاسية. ويشير سعيد إلى أن تدريباتهم تختلف عن بقية أقسام الفرقة، إذ يبدؤون بالتعرف إلى أنواع السلامات، ثم سلام الدولة وسلام القائد، موضحاً أن هناك تدريبات في الميدان تستمر لمدة 3 أيام، كما تضطلع الفرقة بجهود مختلفة في التأليف الموسيقي الخاص. ويؤكد أن الفرقة تتوخى الإيقاع السريع والمسموع وتبتعد عن الإيقاعات التي لا تتواءم وطبيعة الفرق العسكرية، كما أنهم يقومون بعزف مجموعة من الإيقاعات المحلية مثل الرزفة، والعيالة لكونها قصيرة وتؤدى بشكل جماعي وسريع ومعروف وهي تطلب كثيراً من الفرقة. عضو الفرقة فيصل رحيم جابر، 6 أشهر تحت التدريب، يقول إن لديه خلفية موسيقية ويسهم في عملية التأليف والتلحين، ويبين أنهم مستمرون في البروفات وفي تدريبات الميدان، مشيراً إلى أن الإيقاع يكتسب مكانته الخاصة في الفرقة لذلك اتجه إليه. وعن الصعوبات التي واجهته في البداية، يؤكد أن أجواء العمل الجماعي في الفرقة سرعان ما أنسته إياها وجعلته يندمج بسرعة، وهو ذات الأمر الذي يشاركه فيه زميله جاسم أحمد مراد، عازف آلة الترومبيت، مبيناً أن انضمامه للفرقة يمثل جزءاً من تواصل الأجيال، مشيراً إلى أن آلته آلة حادة ومهمة، وتشعره بأن له بصمته الخاصة وسط بقية الآلات، وفي أتم الجاهزية لعزف جميع المعزوفات أجنبية وعربية ومحلية. ويقول سلطان محمد إبراهيم، عازف تحت التدريب على ذات الآلة، إنهم من خلال التدريبات المتواصلة يشعرون بتطور كبير في مستوياتهم كعازفين جدد، مبيناً أن الفرقة تعتبر بالنسبة له بمثابة المدرسة التي يتعلم من خلالها أصول الموسيقى عبر التدريب المستمر الذي يتلقاه على أيدي العازفين المهرة والمتخصصين. أحمد حجي.. الدارميجر الخبير أحمد حجي، دارميجر الفرقة، ويتلقى الأوامر من قائد الفرقة في حالة المشي أو المسيرة وعليه مهمة تشكيل العروض والمعزوفات وحركاته تتواءم مع العزف، ولديه حركات خاصة في تلويح العصا حتى يجذب انتباه المتابعين. يتحكم في الفرقة وقت الوقوف، ويقوم بدوره في مدة المشي، يبدل من النحاس إلى القِرب، مبيناً أن هذا الأمر يتطلب تركيزاً كبيراً لكونه يتعلق بالإيقاع العام للفرقة. ويشير حجي إلى أنه يعمل في الفرقة منذ 20 عاماً، ويروي قصته قائلاً: تدرجت حتى وصلت إلى وكيل أول، وقضيت بين زملائي هنا أجمل أيام العمر، فهم يعملون بروح القيادة.
مشاركة :