تزداد معاناة اليمنيين يوما بعد آخر وتضيق عليهم مساحات الحياة بسبب الكثير من الأزمات والظروف القاهرة التي أفرزتها الحرب الدائرة في بلادهم منذ نحو ثماني سنوات، بين القوات الحكومية المدعومة من تحالف عربي والمتمردين الحوثيين الموالين لإيران. ويلاحق القتل والتدمير والنزوح وغلاء المعيشة وتردي الخدمات وتدهور الاقتصاد اليمنيين، أضف إلى ذلك تفشي الفساد وسعي البعض إلى استغلال الوضع على غرار أصحاب العقارات الذين يتهافتون على التعامل بالعملة الصعبة (الريال السعودي، والدولار الأميركي)، الأمر الذي دفع الغالبية من السكان إلى اتخاذ الأكواخ الخشبية وصفائح بقايا الحديد ملاجئ. ويحاول فؤاد سالم خميس (نازح) منذ 14 شهرا، الحصول على شقة في محافظة عدن (جنوب)، بعد أن دفعته المعارك إلى مغادرة منزله في محافظة الحديدة غربي البلاد، لكنه في كل مرة يصطدم بأسعار خيالية لا طاقة له بتحمّلها لدخله المحدود كموظف حكومي، توقف صرف مرتبه منذ سنوات. يقول سالم وهو يروي مأساته “فور وصولي وأسرتي إلى عدن، اتجهت إلى بيت أحد أقارب زوجتي في مدينة دار سعد، للبقاء عندهم مؤقتا، إلى حين العثور على شقة صغيرة تحتويني وأفراد أسرتي المكونة من زوجة وأربعة أطفال”. ويضيف “كنت متفائلا في بادئ الأمر بالحصول على شقة بمبلغ زهيد، لكن أحلامي ذهبت أدراج الرياح، بعد أن وجدت الجميع هنا يتعامل بالريال السعودي أو الدولار الأميركي”. راتب الموظف الحكومي لا يتجاوز 80 ألف ريال ما يعادل أحيانا 50 دولارا، فيما الإيجارات تصل إلى أكثر من 300 ألف ريال ويتابع سالم “شقة تتكون من غرفتين وحمام ومطبخ تصل قيمتها في بعض الأماكن إلى 800 ريال سعودي ما يعادل 300 ألف ريال يمني، أي أكثر من 4 أضعاف راتبي الشهري الذي لا يتجاوز 70 ألفا”. وبحسرة يواصل حديثه “أشعر بعد مرور أكثر من عام أن هموم الدنيا كلها قد اجتمعت في رأسي، إذ لا مأوى يحتضنني وأسرتي ولا رواتب منتظمة، يصاحب ذلك غلاء معيشة وأوضاع مزرية”. وأضاف “لم يبد أقارب زوجتي تذمرا من مكوثنا معهم إذ يظهرون دائما حبهم وسعادتهم بوجودنا، لكن نظرات الإشفاق والرثاء ترمقني كلما ولجت باب المنزل، وتشعرني بالعجز وقلة الحيلة”. لم تقتصر معاناة فؤاد عند صعوبة الحصول على شقة متواضعة، لكنه يخوض يوميا صراعا آخر بحثا عن عمل، يسد به جوع أطفاله. يقول “أخرج في الصباح بحثا عن عمل يعينني وأسرتي على مواجهة ظروف الحياة القاسية، لكنني أعود بخفي حنين، فأبقى هائما غريبا في وطني”. ومنذ أكثر من سنتين شدّد ملاك العقارات في عدن من شروطهم وطلباتهم وإجراءاتهم في عقود تأجير العقارات والمساكن، إذ يرفض جميعهم التعامل بالعملة المحلية، واستبدالها بالريال السعودي أو الدولار الأميركي، الأمر الذي دفع الكثير إلى ترك مساكنهم. يقول الصحافي فضل علي مبارك “يعود السبب في لجوء أصحاب العقارات لاعتماد العملات الأجنبية، إلى حالة عدم الاستقرار التي تشهدها العملة اليمنية وانهيارها المتلاحق أمام العملات الأخرى”. ويضيف “المؤجر ليس بمنأى عن المعاناة فهو يبحث عن تلبية احتياجاته وأسرته، كما أن عملية البناء وتشييد العقارات وقيمة الأراضي أصبحت باهظة جدا وتعتمد العملة الأجنبية في تعاملاتها”. وأصبح ارتفاع الإيجارات السكنية يشكل أزمة اجتماعية كبيرة، نتيجة لتراجع أسعار سعر صرف العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، ما دفع الكثير من الأسر إلى اتخاذ بدائل مؤلمة. تقول نادرة العزعزي، (نازحة من تعز)، إنها اضطرت لاتخاذ منزل من الأخشاب وصفائح الحديد لعدم قدرتها وزوجها المقعد بسبب مرض القلب على الاستئجار ولو بـ50 ألف ريال يمني، ما يعادل 30 دولارا، “فكيف بمئات الآلاف؟”. تضيف وهي تحمل طفلتها الرضيعة في أحد شوارع خورمكسر، “لا نجد ما نسد به جوعنا، لذلك أضطر للخروج إلى الشارع بحثا عما يجود به المتصدقون من المارة”. Thumbnail ويتعرض الكثير من المستأجرين إلى ابتزاز آخر يضاعف من معاناتهم، يتمثل في ابتزاز الدلالين (السماسرة)، حيث يتم ابتزازهم لدفع مبالغ مالية طائلة كـ”بدل مواصلات، وأتعاب”، بغض النظر إن أتمّ توفير المنزل للمستأجر أم لم يتم. وتوضّح منى صالح الشرفي “معاناة المستأجرين لها وجه آخر، يتمثل في تلبية طلبات الدلالين، إذ لا يكتفون بما تم أخذه خلال فترة المتابعة، بل يطالبون عند نجاح المهمة بما يوازي قيمة إيجار شهر كامل”. وتمضي قائلة “تعرفت خلال فترة بحثي الممتدة لستة أشهر على أكثر من ثلاثين دلالا، وأُرهقت ماديا ونفسيا بسببهم”. وكانت الحكومة اليمنية قررت في أكتوبر الماضي، إلغاء جميع التعاملات والعقود التجارية الداخلية بالعملة الأجنبية واقتصارها على العملة الوطنية، الريال، لكن القرار لم يجد الآلية لتنفيذه على الأقل حتى اللحظة. يقول د. مبروك الحسني خبير في مجال التخطيط، “للقضاء على هذه المشكلة التي تؤرق حياة غالبية الأسر اليمنية لا بد من العمل بشكل سريع مع قرار الحكومة ومحافظ عدن، القاضي بعدم التعامل بالعملة الأجنبية في كافة التعاملات بما فيها الإيجارات”. ويصف مبروك، التعامل في الإيجارات بالعملة الخارجية بـ”أم الكوارث”، لأن ذلك تترتب عليه أشياء كثيرة منها صعوبة توفير المبلغ، فضلا عن عدم قدرة الموظف الحكومي على دفع المبلغ، ما يؤدي إلى دخول المستأجر في صراع مع المؤجر، ربما ينتهي إلى القضاء. ويشير الخبير “راتب الموظف الحكومي لا يتجاوز 80 ألف ريال يمني ما يعادل أحيانا 50 دولارا، والإيجارات تصل إلى أكثر من 300 ألف ريال، هذا الأمر دفع بعض المواطنين إلى التقشف في المأكل والمشرب والصحة وغير ذلك”. ولا تقتصر أزمة الإسكان على العاصمة المؤقتة عدن فقط، إنما تشمل معظم المدن اليمنية، الأمر الذي يجعل إصدار القوانين والتشريعات لتأمين حقوق المواطنين وحفظ كرامتهم واجبا وضرورة مُلحّة. في حين يظل إيقاف الحرب، ومعالجة تدهور الاقتصاد اليمني، واستئناف صرف مرتبات الموظفين، وتفعيل مؤسسات الدولة، وإنعاش الاستثمار في مجال العقارات، ووضع خطط تنموية تراعي النمو السكاني، حلولا جذرية لا بد منها لتجاوز الأزمة.
مشاركة :