انسداد الآفاق يُسرع من تآكل الطبقة المتوسطة في لبنان بيروت - تتزايد معاناة الأسر اللبنانية متوسطة الدخل والتي تواجه خيارات أكثر صعوبة ما كانت ترد على الخاطر من قبل جراء تدهور أوضاعها في ظل الأزمة الاقتصادية مع كل يوم تتباطأ فيه الحكومة للملمة الفوضى التي باتت سائدة في البلاد المنهارة. وتختزل أسرة سارة وسام وزوجها التي كانت في السابق من ميسوري الحال قبل أن يؤدي انهيار العملة المحلية إلى تآكل قيمة راتبيهما ويدفعهما نحو الفقر، هذه المتاعب. وقالت سارة المُعلمة، وهي أم لثلاثة أبناء وتعيش في بيروت لرويترز “كنا سابقا ننهي راتبينا سويا، أما الآن فالراتب لا يكفينا للتسوق لمرة واحدة لشراء الحاجيات الضرورية من زيت وسكر وأرز وغير ذلك”. وتصف سارة كيف أصبحت نادرا ما تشتري اللحوم، وكيف تخفّض استهلاك الأسرة من الأجبان وتختار بعناية أقل الكميات منها لأطفالها الصغار. وأضافت “كانت حياتنا عادية وكنا نستطيع شراء أشياء لأولادنا إذا طلبوا، وكنت أشتري أغراضا لبيتي من أثاث وغيره بالتقسيط، الآن الوضع اختلف كليا، صرنا نتحسر على تلك الأيام، الراتب لا يساوي شيئا”. والأمر ذاته بالنسبة إلى أيمن حداد، خريج الجامعة الذي وجد عملا في أحد المتاجر براتب يعادل 125 دولارا شهريا ويريد اللحاق بأصدقائه الذين هاجروا. وقد قدم بالفعل طلبا للهجرة إلى كندا، ويقول “منذ سنين فقدنا الأمل وصار الحل الوحيد هو الإقامة خارج لبنان”. وبدأ الانهيار المالي في 2019 نتيجة إدارة سيئة للإنفاق مما راكم الديون، إضافة إلى الشلل السياسي وسط خلافات بين الفصائل المتناحرة وإحجام المقرضين الأجانب عن إنقاذ البلاد ما لم تنفّذ إصلاحات. ويصنف البنك الدولي الأزمة ضمن أسوأ الأزمات على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، إذ دمرت بلدا كان يُنظر إليه باعتباره واحة ثرية وليبرالية وسط الشرق الأوسط قبل اندلاع الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990. وأصبح نحو 80 في المئة من السكان البالغ عددهم 6.5 مليون نسمة في عداد فقراء، وفي سبتمبر الماضي كان لدى نصف الأسر طفل على الأقل فقد وجبة وفقا لبيانات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) مقارنة بثلث الأسر في أبريل 2021. وفقدت الليرة أكثر من 90 في المئة من قيمتها ومنعت البنوك المودعين من سحب أموالهم. وتشير بعض التقديرات إلى أن الدين العام بلغ 495 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2021، أي أعلى بكثير من المستويات التي شلت اقتصادات بعض الدول الأوروبية قبل عشر سنوات. ومما زاد من إحباط الناس فشل الحكومة حتى الآن في علاج المشكلات، حيث قادت حكومة تصريف أعمال في أغلب أوقات السنوات الثلاث الماضية. ومنذ استقالة حكومة حسان دياب بعد انفجار مدمر في مرفأ بيروت في عام 2020 يتصارع الساسة على من يتعين عليه أن يقود تحقيقا لتحديد المسؤول عن الانفجار. ويرى السكان دلائل على انهيار اجتماعي واقتصادي، فأغلقت شبكة الاتصالات الحكومية خدمة الإنترنت في أجزاء من بيروت بسبب نقص الوقود في الأيام القليلة الماضية، واحتجز رجل رهائن في بنك مطالبا بسحب أمواله المودعة. وكانت شبكة الكهرباء تتداعى قبل الأزمة، فتنقطع لفترات في مختلف أرجاء البلاد. والآن لم تعد الحكومة المفلسة تقوى على تشغيل المحطات التابعة لها بشكل كاف، وعادة لا تحصل المنازل على أكثر من ساعة يوميا من كهرباء الحكومة. وعندما تأتي كهرباء الحكومة تسارع يولا المسنة التي تدير سوبرماركت في بيروت بتشغيل غسالة الملابس، إذ في هذا الوقت فقط يكون التيار كافيا لذلك. وتقول إنها لطالما تستخدم الكهرباء من مولد مشترك للحي لتبقي على إنارة منزلها. أما بالنسبة إلى سارة فأصبح من الصعب عليها وضع ما يكفي من الطعام على الطاولة لأسرتها رغم أنها وزوجها يعملان براتب ثابت. وقبل الأزمة كانت سارة وزوجها يتقاضيان معا 3 ملايين ليرة شهريا وهو ما كان يعني ألفي دولار تقريبا حسب سعر الصرف في ذلك الوقت البالغ 1500 ليرة للدولار. والآن أصبحت قيمة دخليهما معا لا تتجاوز 140 دولارا حتى بعد زيادة متواضعة في راتب سارة. فقد انخفض سعر الليرة إلى 25 ألفا للدولار مما دفع أسعار المنتجات المستوردة والمحلية إلى عنان السماء. وتقول سارة، مكررة انتقادات محلية ودولية لأسلوب إدارة الأزمة، إن الزعماء اللبنانيين يرفهون عن أنفسهم بتوجيه الإهانات لبعضهم البعض وتبادل الاتهامات بالفساد، معبّرة عن اعتقادها بأنهم كلهم لصوص في الواقع. ويقر الساسة، وبعضهم قادة ميليشيات والبعض الآخر من أُسر تمتعت بنفوذ كبير على مدى أجيال على الطوائف المسيحية والمسلمة في البلاد، بأن الفساد موجود لكنهم ينفون مسؤوليتهم عنه ويقولون إنهم يبذلون ما في وسعهم لإنقاذ الاقتصاد. لكن الخلاف الطويل والمستمر بشأن من يرأس التحقيق في انفجار مرفأ بيروت أسهم في تعطيل المحادثات مع صندوق النقد الدولي التي تعتبر حيوية لفتح الطريق أمام وصول الدعم الخارجي خاصة من فرنسا. وتراجع مانحون كان يُعتد بهم ذات يوم عن مساعدة لبنان مثل السعودية التي أعربت عن غضبها من تنامي النفوذ الإيراني في لبنان عن طريق جماعة حزب الله الشيعية المدعومة من طهران والمدججة بالسلاح. وسعى نجيب ميقاتي رئيس الوزراء الملياردير الذي يتولى منصبه وفقا لنظام المحاصصة الطائفية المتبع في البلاد، لإصلاح العلاقات مع دول الخليج. وصعّد حزب الله من جانبه انتقاداته لدول الخليج واستضاف مؤتمرات تضم معارضين محليين لحكامها. ويقول شادي علي محمود بعد عودته إلى منزله من عمله في أحد المطاعم معلقا على أداء الساسة “إذا تبرع كل واحد منهم بشيء بسيط من ثروته لعائلات فقيرة، لن يكون هناك فقر في لبنان. أنظر إلى البراد، إنه فارغ”. ويؤكد معظم التجار من جانبهم أن ارتفاع الأسعار مرتبط بارتفاع سعر صرف الدولار، وقد أثرّ ذلك على حركة البيع فانخفضت بنسبة تتراوح بين 30 و40 في المئة.
مشاركة :