أول إنتاج سينمائي عربي من نتفليكس يثير جدلا عقيما | لمى طيارة

  • 1/26/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تعتبر منصات العرض مدفوعة الأجر منصات حرة لا رقيب عليها، بل أكثر من ذلك فهي منصات لا تمكن محاسبتها ولا حتى إجبارها على تقديم أعمال تلتزم فيها بمسؤوليتها الاجتماعية تجاه المشاهد، ويبقى التعامل معها متعلقا بحرية الجمهور في اختياره لمنصة دون غيرها وعمل دون غيره، إذ له أن يقبل على مشاهدة أعمال أو يتجاهلها. منذ أيام كنت أشاهد على منصة نتفليكس الفيلم الأميركي “لا تنظر إلى الأعلى”، ولا أعرف كيف وربما بطريقة الخطأ ضغطت على تحويل الصوت إلى العربية بدلا من استخدام الترجمة النصية العربية، وما هي إلا دقائق معدودة حتى توقفت عن متابعة الفيلم، وشعرت بغربة بين ما أراه وما أسمعه، تحول العمل إلى كوميديا لدرجة اضطررت لإيقافه وإعادة مشاهدته بلغته الأصلية. اللغة عامل أصيل ومؤثر في نقل أحداث أي عمل سواء كان مسرحيا أو سينمائيا أو حتى دراميا، إنها الكلمات التي ستحمل مشاعر الممثل أثناء تأديته لدوره والتي ستنتقل لنا كمشاهدين بالتبعية لدرجة قد نتأثر وننفعل من تعبير ما قد لا يتناسب مع ثقافتنا بينما نتقبله حين يقال بلغة أخرى. وعامل اللغة ليس وحده الذي يجعلنا كمشاهدين نقبل عملا ما أو نرفضه، فرغم أن الدراما التركية قد نجحت وبجدارة في الوطن العربي حين تكلمت الشخصيات باللهجة السورية، إلا أن منتجي مسلسل “عروس إسطنبول” على سبيل المثال قاموا بتجربة إعادة استنساخه حرفيا، ولكن مع ممثلين عرب لبنانيين وسوريين، فكان مسلسل “عروس بيروت” الذي نجح بدوره نجاحا مبهرا لدرجة تم استنساخ أجزائه الثلاثة دون خوف من فشل أو حتى مقارنة. الفيلم تحول إلى مادة دسمة للصحافة والإعلام والنقاد بسبب جرأته تجربة الاستنساخ منذ أيام بدأت تظهر على صفحات الفيسبوك نقاشات حول الفيلم السينمائي “أصحاب ولا أعز” الذي قامت نتفليكس مؤخرا بعرضه على منصتها، ولكنها لم تلجأ في هذا الفيلم المستنسخ إلى اللغة العربية فقط كحل، بل قامت بإعادة تصويره مع نجوم عرب وهم نادين لبكي وإياد نصار ومنى زكي وجورج خباز ودياموند عبود وعادل كرم وفؤاد يمين، ليظهر وكأنه عمل عربي أصيل إلى درجة تتم مناقشته ومحاكمته أخلاقيا وليس فنيا، سواء من قبل الجمهور العادي أو حتى من النقاد وبعض الفنانين. هذه المناقشات لم تتوقف على الفيسبوك بل تجاوزتها لتصبح مادة دسمة للصحافة والإعلام والنقاد، رغم أن الفيلم مجرد تجربة مستنسخة لا أكثر، ولكن يبدو أن عقولنا لا تحتمل أن ترى مادة فنية من دم ولحم يقدمها ممثلون عرب إلا ونعتبرها جزءا من واقع ملموس، صحيح أن بعض الفنانين لديهم تحفظات على أداء أدوار لا تتناسب والمجتمع خوفا من انتقادات ستطالهم، لكن الكثيرين منهم وعلى مدى سنوات أدركوا الخيط الوهمي الفاصل بين ما يؤمن به الفنان كإنسان وما يؤديه بشخصه كفنان، وإلا لما قدمت الدراما العربية أعمالا عن الإجرام والاغتصاب وغيرها من المواضيع التي تتلبس المجتمعات وتعكسها الدراما بدورها. منذ سنوات كان السينمائي السوري – الأميركي مصطفى العقاد رائدا في تجربة الاستنساخ التي اعتبرت حينها نوعا من المغامرة، حين قدم فيلميه السينمائيين التاريخيين “الرسالة” و”عمر المختار” في نسختين إحداهما عربية والثانية إنجليزية. كان العقاد حينها يفكر بطريقة وعقل المنتج والموزع وليس فقط المخرج، حين فكر في إعادة تصوير مشاهد الفيلمين في ذات الوقت وفي نفس المكان وربما مع نفس الكومبارس، الأمر الذي وفر على الإنتاج مبالغ كبيرة وعليه شخصيا جهدا وفيرا، ليس هذا فحسب بل إنه أيضا، أي العقاد، كان مؤمنا بأن تلك التجربة ستؤمن توزيع ليس فقط الفيلم بنسختيه وإنما أيضا ستساعده كصاحب فكر وليس فقط كمخرج على نشر الرسالة والمعلومات التاريخية التي أراد لها أن تصل إلى كل بقاع الأرض وإلى الغرب قبل العرب، عبر ممثلين من نفس طينتهم ولغتهم ولكل طريقته ولغته السينمائية، دون أن يمس بالدراما فنيا أو يغير في مشاهدها في أي من النسخ المعروضة. الفيلم نجح بلغته الأصلية بسبب الفكرة التي طرحها في فيلم “أصحاب ولا أعز” تجربة مماثلة تماما لتلك التجربة مع الفارق بطبيعة الحال من حيث المضمون والهدف، وكان الفيلم قد سبق وأن عرض منذ سنوات في نسخته الإيطالية الأصلية perfect strangers في عدة مهرجانات سينمائية من ضمنها مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، لكن حينها لم يسمع به أحد سوى من شاهده في إطار المهرجان من جمهور ونقاد ومحكمين، ولا أذكر أنه أثار زوبعة إعلامية. ولكن نجاح الفيلم المدوي عالميا بسبب الفكرة التي طرحها والتي تدور حول المصائب والمشاكل المدمرة التي تسببها التكنولوجيا وعلى رأسها الهاتف الجوال، على اعتبارها مشاكل لا تقتصر على بلد أو مجتمع بعينه، جعل من فكرة استنساخه مقبولة بل وموضوع تنافس ما بين النسخ. فتجاوزت عدد النسخ المقدمة منه 19 نسخة، التزم القائمون عليها بنقل تصميم البوستر والديكور وحتى طريقة الإخراج والسيناريو مع تعديل بسيط في كليهما ليتناسب مع البيئة الاجتماعية لشخصيات العمل ومكان وجودهما. وكانت النسخة العربية أحدث النسخ التي اختارتها منصة نتفليكس لتكون بداية لإنتاجها السينمائي في الوطن العربي، والأمر ليس محض صدفة، فنتفليكس أرادت أن تستثمر في عمل أثبت نجاحه في معظم النسخ التي عرضتها، لكنها لم تتوقع أبدا أن يكون في موقع الصدارة إعلاميا وحديثا للشارع العربي والمصري، ليس بسبب قصته ومضمونه أو حتى أداء ممثليه بطبيعة الحال، بل بسبب قطعة ملابس داخلية صغيرة ستخلعها الفنانة المصرية منى زكي لدرجة ستقيم الدنيا عليها ولن تقعدها، وكأن هذا المشهد قد أثار حمية الشارع العربي تحديدا المصري كما لم تثره قضايا الجوع والفقر والقهر والملايين من القصص عن أطفال الشوارع والمشردين. عامل اللغة لمن لا يعرف قصة الفيلم، فهي تدور حول مجموعة من الأصدقاء قرروا قضاء سهرتهم سويا في يوم كسوف القمر كما هو واضح من نشرة الأخبار التي نسمعها في إحدى قنوات التلفاز اللبنانية، وفي تلك السهرة سيلعبون لعبة بهواتفهم الجوالة بحيث سيكتشفون خلالها أنهم لا يعرفون حقيقة بعضهم البعض، الأمر الذي سيدمر حياتهم جميعا، لكن الكاتب وقبل أن ينهي الفيلم، جعل من تلك اللعبة مجرد كابوس افترضته أو تخيلته صاحبة الدعوة، ولكن استبعده زوجها تماما في النسخة العربية، فخرج الجميع كما دخلوا بأقنعتهم وخداعهم ونفاقهم، وكأن شيئا لم يحصل. ◙ الفكرة التي طرحها الفيلم تدور حول المصائب والمشاكل المدمرة التي تسببها التكنولوجيا وعلى رأسها الهاتف الجوال عرض الفيلم على منصة نتفليكس المدفوعة الأجر، وتم وضع إشارة إلى أنه غير مخصص للصغار، مما يعني أن الفيلم ليس متاحا للجمهور بشكل عام، بل إن مشاهدته ستكون محض إرادة وتصميم، مع ذلك فإن من لهث وراء مشاهدته سواء عبر نتفليكس نفسها أو عبر منصات قامت بسرقته، قد استشعر جرأة كبيرة في الفيلم تجدر محاسبة منتجيه عليها، وخاصة أن الفيلم طرح شخصية المثلي على أنه إنسان سوي وربما أفضل خلقا من غيره وخصوصا أصدقائه (على اعتباره إنسانا مريضا وليس سيء الخلق كما يعتقد البعض). وقد أثار العمل غضب الجماهير العامة والبعض من النقاد والإعلاميين، بل أكثر من ذلك وصل الأمر لمنع عرض الفيلم وإقامة محاكمة للمثليين وكأن المجتمع العربي يخلو منهم حقيقة أو أن فكرة إلغائهم في أعمالنا الدرامية ستلغي فكرة وجودهم، ورغم أنها قرارات لا قيمة لها على اعتبار أن منصة نتفليكس لا تحتكم لجهة ولا يمكن محاسبتها، وأننا ندفع مالا مقابل أن نشاهدها، إلا أن هذه الزوبعة كانت نتيجتها إيجابية حيث زادت من نسبة مشاهدة الفيلم وزادت من شهرته وهو أمر بات متكررا مؤخرا كما حصل مع فيلمي “ريش” و”أميرة”. ويبقى السؤال الملح هل فعلا عامل اللغة أو لنقل اللهجة في هذا الفيلم المستنسخ قد وضعه موضوع محاكمة، فظهر كفيلم لبناني مصري أصيل، تأثرنا به وصدقناه، فقمنا بمحاكمته وبمحاسبة المشاركين فيه، أمثال الفنان اللبناني فؤاد يمين الذي قام بأداء شخصية المثلي، والفنان اللبناني جورج خباز لأنه قبل بدور الأب الذي يتخلى عن شرقيته فيسمح لابنته بإقامة علاقة خارج إطار مؤسسة الزواج، أم أن وجود النجمة المصرية منى زكي لوحده كان كافيا لإثارة تلك الزوبعة وخصوصا في مصر، على اعتبارها فنانة مصرية يمكن أن تلوث سمعة النساء المصريات حين تحتسي الخمر وتقيم علاقة حتى ولو وهمية مع شخص عبر الفيسبوك، رغم أنها شخصية واقعية تعكس صورة الألوف من السيدات العربيات وليس فقط المصريات؟ والأهم من كل ذلك لماذا اقتصر نقد الفيلم على مضمونه دون الخوض في أداء الممثلين، رغم أنه بات واضحا للكبير والصغير أنه مجرد فيلم مستنسخ والفارق في نسخه المتكررة ليس في السيناريو ولا حتى الإخراج وإنما فقط في أداء الممثلين؟

مشاركة :