) في إحدى زوايا السوق القديم وسط مدينة النبطية بجنوب لبنان عاود الإسكافي الستيني علي الخياط عمله من جديد يمضي الساعات الطوال خلف ماكينه خياطته القديمة منهمكا في إعادة تصليح مختلف أنواع الأحذية العتيقة المكدسة بكثرة من حوله وفوق رفوف محله. الخياط الذي كان قد هجر حرفته منذ أكثر من 11 عاما أشار لوكالة أنباء ((شينخوا)) إلى أن الظروف الأقتصادية الصعبة التي يمر بها البلد وحاجة الناس للتوفير عبر إصلاح كل ما هو قديم دفعه لأحياء حرفته من جديد في محاولة لتأمين دخل شهري يقيه وعائلته شر العوز والحاجة. وأضاف " اكتوت الناس بسبب أسعار الأحذية التي ارتفعت حوالي 5 أضعاف خلال عام واحد بحيث باتوا مضطرين لتصليح أحذيتهم وحقائبهم للحد من مصروفهم بعدما تدنى إنتاجهم بشكل مخيف". وأشار إلى تكدس مختلف أنواع الحقائب والأحذية الرجالية والنسائية والخاصة بالأطفال في محله، بحيث عجزعن تحديد مواعيد إنجاز إصلاحها للزبائن بعدما فاق الضغط إمكانياته، وقال "كلفة الإصلاح ارتفعت بدورها حوالي الضعفين لكنها تبقى أدنى بكثير من نسبة ارتفاع أسعار الأحذية". وكان تردي الوضع الأقتصادي في لبنان خلال العامين الماضيين كفيل بقلب الوضع رأساً على عقب وذلك بعد سنوات من تراكم الأزمات السياسية والاقتصادية التي انعكست على نمط الحياة اليومية للبنانيين بالكامل، إذ بات المواطن يعمل من أجل تأمين لقمة عيشه فقط متخليا عن الحاجات الثانوية والكماليات. وفي محله الصغير عند الطرف الغربي لمدينة النبطية يعمل الخياط حسن الشريف منذ فترة في تصليح الملابس من تضييق وتوسيع وترقيع وقال لـ ((شينخوا)) إنه زاد من ساعات العمل ليتمكن من تلبية طلبات الزبائن التي تضاعفت عدة مرات في العام الجاري . وأضاف "عاد عملنا ليزدهر من جديد وإن كانت أدوات العمل من خيطان وقماش قد ارتفعت تكلفتها مع انهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار، لكنني وضعت تعرفة مقبولة تتماشى مع الظروف الاقتصادية الصعبة للناس". وفي بلدة جب جنين بشرق لبنان عاد المنجد جلال حيدر( 40عاما) ليضرب بقضيبه الخشبي أكوام الصوف الخام ليصبح ناعم الملمس تمهيدا لإصلاح الوسائد. وقال لـ ((شينخوا)) إن جنون أسعار مختلف أنواع المرتبات ولجوء الشركات لتسعيرها بالدولار انعكس إيجابا على حرفتنا على أمل أن تعود لفترة افتقدناها، حيث كان الطلب كثيفا في أيام الزمن الجميل. وأضاف "عملنا في تحسن ملموس وعاد إلينا الكثير من الزبائن والذين وجدوا في إنتاجنا توفيرا ومتانة"، مشيرا إلى أن الحرفة في طريقها إلى النمو مجددا وأن الكثير من ربات المنازل يتوجهن لإعادة تجديد ما هو قديم . وقالت ربة المنزل سلوى عامر إنها لجأت إلى المنجد لإعادة ترميم مراتب النوم الخاصة بأولادها لأن في ذلك توفيرا يتجاوز 80 % بعدما ارتفعت أسعار المرتبة المستوردة حوالي 4 أضعاف. من جهته عاد المبيض أمجد حايك ليجوب القرى ليمضي ساعات في كل منها في تبييض عشرات الأدوات المطبخية النحاسية وسط تجمعات لمواطنين من مختلف الأعمار تدهشههم حرفة كادت تندثر . وقال حايك لـ ((شينخوا)) والبسمة بادية على وجهه لقد انعكس ارتفاع أسعار الأدوات المنزلية بشكل كبير إيجابا على ترميم مختلف الأدوات النحاسية المطبخية. ويعاني لبنان منذ نحو عامين من أسوأ أزمة في تاريخه، بحيث يغرق البلد في أزمات سياسية واقتصادية ومعيشية وصحية متشابكة أدت لانهيار عملته الوطنية وتجاوز معدل الفقر نسبة 82 % مع تفاقم البطالة والتضخم وتآكل المداخيل والمدخرات وسط ارتفاع غير مسبوق في الأسعار مع نقص في الوقود والأدوية وحليب الأطفال.
مشاركة :