بسام الملا صاحب مشروع دراما البيئة الشامية

  • 1/27/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يظهر اسم المخرج بسام الملا كحالة متفردة في تاريخ الإعلام والدراما في سوريا، فقد بدأ عمله موظفا بسيطا في التلفزيون السوري ثم صار مخرجا تلفزيونيا صاحب شأن رفيع في شكل درامي خاص هو ما يسمى البيئة الشامية. وهو يشكل في مسيرة حياته المهنية نموذجا للفنان المكافح الذي يصنع مجدا فنيا كبيرا رغم الإمكانيات البسيطة التي توفرت له. منبته العائلي البسيط في جبل الأكراد بدمشق في حي ركن الدين وعدد أفراد الأسرة الكبير لم يمكن الملا من تحصيل دراسة أكاديمية في الفن، لكن ولعه بالفن والإعلام جعله قريبا من الحالة الفنية، مستفيدا من دعم والده الفنان الممثل أدهم الملا، الذي استطاع تذليل بعض المصاعب التي اعترضت بدايات طريقه الفني. بدأ الملا المشاركة في تقديم بعض البرامج التلفزيونية في الشكل الفني والثقافي والتاريخي وحقق فيها ملامح خصت تجربته ونظرته للفن، لكن هدفه الأهم كان العمل في الدراما التلفزيونية، فتتلمذ لاحقا على يدي المخرج السوري الكبير علاءالدين كوكش، الذي رافقه لمدة تقارب العشر سنوات في سوريا وخارجها، وخبر من خلال هذه التجربة أسرار مهنة الدراما التلفزيونية وكيفية صناعتها. نجاحات وخيبات حكاية الأبواب مع الملا لها نكهتها حكاية الأبواب مع الملا لها نكهتها في رصد حياة الملا، يمكن ملاحظة العديد من المحطات التي تختلف نسب نجاحاتها بين شكل وآخر. ففي مرحلة البرامج التلفزيونية وهي التي سبقت توجهه إلى الدراما، حقق نجاحات هامة بإخراج برامج عديدة مع ثلاثية إعلامية سورية متميزة، هم مروان الصواف في البرامج الفنية الثقافية وتوفيق الحلاق في البرامج الاجتماعية الناقدة وعدنان بوظو في البرامج الرياضية. وكان أهم ظهور له في مجال الإعلام مع الصواف الذي يعد علامة فارقة في تاريخ الإعلام السوري، حيث قدم معه برنامج مجلة التلفزيون الذي يعرفه كل السوريين وكان متنفسهم في برنامج رشيق وثقافي يقدم لهم مادة غنية ومختلفة في زمن الإعلام التلفزيوني المؤدلج والممل الذي كان يطبع معظم برامج التلفزيون السوري حينذاك. كما قدم معه برنامج القنال 7 الذي دار في فلك برنامج مجلة التلفزيون. الملا قدم في "باب الحارة" جهدا متميزا حيث سلط الضوء على عوالم دمشق بالشكل الذي يلبي هاجسه الفني وقدم أيضا مع الحلاق البرنامج الشهير "السالب والموجب" الذي كان يطرح بعض الظواهر والحالات الاجتماعية السلبية في المجتمع السوري وكان من أشهر برامج التلفزيون السوري على امتداد سنوات. أما مع الإعلامي الرياضي الشهير بوظو فقدم برنامج الثلاثاء الرياضي الذي تميز بالخفة والسرعة وتمتع برصيد كبير من المتابعين. وفي ملمح آخر من النجاحات التي حققها الملا، نجده على منصة الإخراج في مسلسل سوري يقدم للأطفال كتبه وأنتجه داوود شيخاني وأسند إخراج أول أجزائه إلى الملا، والعمل أنجز منه لاحقا ثلاثة أجزاء أخرى كانت من إخراج أيمن شيخاني. ثم أخرج “كان يا ما كان” وهو عمل تربوي يتوجه إلى عالم الأطفال من خلال قصص خيالية، ويجمع فيه تقنيات تلفزيونية حديثة منها فن الغرافيك. وحقق العمل في حينه نجاحا كبيرا وعرض العشرات من المرات على الكثير من القنوات العربية وكان أول عمل عربي ينفذ بصيغة فنية يتداخل فيها رسم الغرافيك مع الصورة التلفزيونية العادية. والمسلسل واحد من أهم الأعمال التي توجهت للطفل بطريقة تربوية مقنعة وشارك في العمل مجموعة كبيرة من الفنانين السوريين. شيخ كار البيئة الشامية بسام الملا عنوان الدراما الشامية بسام الملا عنوان الدراما الشامية لم يبتدع الملا مسلسل البيئة الشامية، فعندما قدم مسلسله “أيام شامية” مع الكاتب أكرم شريم عام 1993، كان نهاد قلعي قد قدم البيئة الشامية في "صح النوم" في أوائل السبعينات، وكانت هنالك أعمال لمحمد الماغوط وغسان جبري في "حكايا الليل" منذ أواخر الستينات، لكن مسلسل “أيام شامية” هو نقطة العلام ونقطة الانعطاف التي سببت لاحقا ولادة شكل درامي عربي كامل سمي بدراما البيئة الشامية. ويكمن السبب الأساسي في ذلك في بساطة العمل أولا الذي خاطب السوريين من خلال حالة الحنين لماضيهم فظهرت دمشق في المسلسل بخيالات المحب الذي يستذكر فيها قصص الجدات والأمهات وحكايا الليل والبرد والهناء. ونجح العمل بشكل لم يتوقعه أحد وصار معلما في تاريخ الدراما السورية. والسبب الثاني الذي أوجد للمسلسل مكانته المتميزة كان في ظهور البث الفضائي العربي، بحيث اشتهر العمل على أرجاء الوطن العربي كله، فتعلق العرب به من المحيط إلى الخليج، وصارت الدراما الشامية بسببه بما تحمله من حنين ونوستالجيا شكلا فنيا مطلوبا رغم مضي ما يزيد عن الثلاثين عاما على وجودها، وتطلبها القنوات العربية لتعلق الجمهور بها وبما توفره من متابعة لبرامجها، مما فعل حركة إنتاجها بقوة حتى صارت جزءا سنويا أساسيا من حركة الدراما السورية. مسلسل "أيام شامية" هو نقطة الانعطاف التي سببت لاحقا ولادة شكل درامي عربي كامل سمي بدراما البيئة الشامية ومن الأعمال المؤثرة في البيئة الشامية التي قدمها الملا مسلسل “الخوالي”، الذي عرض فيه بشكل موسع موكب الحج الشامي لمكة، كما ظهرت فيه شخصية لاقت صدى كبيرا لدى الناس وصارت شخصية راسخة وهي نصار التي أداها الفنان بسام كوسا بشكل متميز. كذلك قدم مسلسل “ليالي الصالحية” الذي كتبته سلمى اللحام وكان عملا رقيقا تحدث عن شخصية صارت محبوبة لدى الناس هي المعلم عمر التي لعبها الفنان عباس النوري. وكان آخر أعماله “سوق الحرير” الذي حرص فيه على تقديم حال مدينة دمشق في زمن الأربعينات بما كانت عليه من حراك ثقافي وحضاري فعّال. في عام 2006 أنتج مسلسل باب الحارة، وكان من تأليف مروان قاووق وأخرجه الملا بتعاون فني مع المخرج علاءالدين كوكش، وأصاب نجاحا هائلا على المستوى العربي بحيث دفع بجهات إنتاجية عربية وإعلامية كبرى إلى تبني العمل في سلسلة إنتاجات وصلت إلى اثني عشر جزءا رغم الكثير من التغيرات التي شابت العمل. وقدم الملا في مسلسل “باب الحارة” جهدا متميزا في الأجزاء التي نفذها منه قبل أن ينتقل المسلسل إلى جهة أخرى، حيث سلط الضوء على عوالم دمشق بالشكل الذي يلبي هاجسه الفني المبتعد عن مشاكل الأعمال التاريخية وصعوباتها ومتاعب الأعمال الاجتماعية وحساسياتها، كما قدم حكايات متخيلة عن الشام دون مراعاة الوثيقة التاريخية بحذافيرها، فلم تظهر شخصيات محددة أو أحداث بعينها سياسية أو اجتماعية. وعلى الجانب الآخر واجه مسلسل “باب الحارة” الكثير من النقد في ما يخص مكانة المرأة وشكل ظهورها الذي أطرها برد الفعل على تصرفات الرجل، الأمر الذي دفع بالملا وصناع العمل إلى تحقيق ما يسمى بالدراما التفاعلية التي تنتج على أجزاء طويلة وتكتب حسب ما يريده الجمهور ويحقق نجاحا عنده بحسب ما تفيد بذلك استبيانات الرأي أو آراء النقاد والصحافة. وظهرت في الأجزاء اللاحقة من المسلسل مكونات درامية مختلفة عن البداية خاصة في ظهور دور المرأة في المجتمع الشامي وتجلى ذلك بشخصية أم جوزيف المرأة المسيحية الثائرة ضد الاحتلال الفرنسي والتي أدتها الفنانة الكبيرة منى واصف بقوتها المعتادة. باب الحارة علامة فارقة البيئة الشامية وجمالها كما يراها الملا البيئة الشامية وجمالها كما يراها الملا مسلسل “باب الحارة” وبحسب صحيفة الفاينانشال تايمز الأميركية في تقرير نشر عام 2009 تبين أنه أحد أكثر الأعمال الدرامية المشاهدة في العالم، وهو بأجزائه الإثني عشر شكل حالة متفردة في الدراما العربية وصار أطول مسلسل عربي. بعد نجاحات في برامج التلفزيون قدم الملا مسلسل "الخشخاش"، وهو دراما اجتماعية من تأليف فؤاد شربتجي، تكتشف من خلالها نماذج من الحياة اليومية لبعض الناس في الأرياف، وحقق المسلسل نجاحا ملحوظا جعل الملا في قائمة الأسماء الفنية الكبيرة في جانب الإخراج التلفزيوني، لكن طموحات الملا الفنية لم يجدها في هذا العمل فلم يقدم غيره من الأعمال الاجتماعية. الملا لم يستسغ تجربة الأعمال التاريخية التي تلزم المخرج بضوابط معرفية كما تستلزم جهدا في تحريك مجاميع الممثلين وبعد سنوات قدم مسلسل "العبابيد" وهو من تأليف رياض سفلو. وكان ينتمي للأعمال التاريخية الضخمة، أنتجه التلفزيون السوري في حينه وتحت إشراف وزارة الإعلام وقامت ببطولته الفنانة السورية رغدة التي قدمت شخصية الملكة زنوبيا الشهيرة ملكة تدمر مع العديد من فناني الصف الأول في سوريا. وأقيمت للعمل ديكورات ضخمة وتحضيرات خاصة وشاركت فيه أعداد كومبارس كبيرة وفرق من الجيش، لكن المسلسل لم ينجح على الشكل المطلوب وظهرت فيه بعض مظاهر الاستعراض. ولم يستسغ الملا تجربة الأعمال التاريخية التي تلزم المخرج بضوابط معرفية تقيد خيالات العمل كما تستلزم جهدا كبيرا في تحريك مجاميع الممثلين. وبعد هذين العملين الوحيدين، "الخشخاش" الاجتماعي و"العبابيد" التاريخي، لم يعمل الملا كمخرج فيهما وعاد لهاجسه الذي عمل عليه باقتدار وهو البيئة الشامية والذي لم يخرج منه حتى آخر أعماله "سوق الحرير" الذي قدمه العام الماضي بمشاركة شقيقه مؤمن الملا.

مشاركة :