رشا راغب في مهمة رئاسية لردم الفجوة بين الحكومة والشباب

  • 1/23/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

مع وصول الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى الحكم منذ نحو ثمانية أعوام واجه أزمة ثقة بين الدولة والشباب، فكل منهما لديه فكره ورؤيته وطموحاته وصارت هناك حالة من اللايقين بين الطرفين، فالسلطة لا تستطيع التسويق لنفسها وسياساتها المرتبطة بتمكين الشباب وهم لا يثقون بالقدر الكافي ولا يتفاءلون بأن القادم أفضل. حاول السيسي أن يبرهن على إيمانه بقدرات وإمكانيات الشباب واختيار قيادات منهم قبل أن تصل الدولة إلى مرحلة الشيخوخة وتعجز عن تجديد الدماء بين صفوفها، لكن لم تكن هناك مؤسسات أو جهات لها مصداقية تسوّق لهذه السياسة. كان عام 2017 نقطة تحول في علاقة السيسي بالشباب عندما تم تنظيم المؤتمر الوطني للشباب، ومن بين توصياته إنشاء أكاديمية وطنية لتأهيل وتدريب الشباب، لتصبح هذه خطوة لقياس نوايا السلطة في مسألة التمكين والاستفادة من قدراتهم. صدر قرار بتكليف رشا راغب بإدارة الأكاديمية، ووقتها لم يكن الكثير من المصريين يعرفون عنها شيئا سوى معلومات قليلة كانت متاحة على شبكة الإنترنت. حصلت راغب على دكتوراه في التسويق من الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية عام 2007، وتولت مناصب ومهام عديدة في مؤسسات إقليمية ودولية، وكانت مسؤولة عن تطوير الأعمال بالوحدة التنفيذية للمعونة الإنمائية التابعة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مصر، وعملت مستشارة تنموية بالجامعة العربية. قالت عن نفسها “تمحورت خبراتي العملية وأبحاثي العلمية حول تنمية الإنسان، والدولة التي تسعى لأن تكون قوية وراسخة عليها أولا أن تهتم بالشباب وبناء الإنسان وتطويره عن طريق التعليم والتعلم والتدريب، لأنه ثروة البلاد الحقيقية”. وسبق أن تقلدت منصب نائب رئيس جامعة إسلسكا الأوروبية للتخطيط الاستراتيجي وتطوير الأعمال في أفريقيا والشرق الأوسط، قبل أن تصبح عميدة لجامعة إسلسكا الدولية بأوغندا، وشغلت منصب مديرة العلاقات الإقليمية والدولية ورئيسة مركز المشروعات الصغيرة والمتوسطة بالأكاديمية المصرفية في الأردن، وتقلدت منصب مستشارة تطوير الأعمال مع شركة ماكينزي العالمية، ومستشارة لوضع وتنفيذ برنامج لريادة الأعمال ببعض المؤسسات الماليزية. منبر الفعاليات الرئاسية ◄ راغب تطل على المصريين في المؤتمرات الشبابية، لتبشّر بتأهيل قيادات للمؤسسات الحكومية دون استثناء ◄ راغب تطل على المصريين في المؤتمرات الشبابية، لتبشّر بتأهيل قيادات للمؤسسات الحكومية دون استثناء صارت راغب تطل على المصريين في الفعاليات الرئاسية، مثل المؤتمرات الشبابية، لتتحدث عن تأهيل قيادات الدولة في جميع المؤسسات الحكومية دون استثناء، وأنه لن يتم تصعيد قيادة إلى الدرجة الأعلى أو تكليفها بأي منصب قبل أن تخضع لتدريبات ومعايير صارمة المطلوب تجاوزها بكفاءة. لم تفلح الخطوة في ترميم علاقة الشباب بالسلطة كثيرا لأسباب مرتبطة بأن هذا الكيان، أي الأكاديمية، في النهاية صنيعة النظام، وله شروط بعينها في الشباب الحالم بالتمكين داخل دولاب الدولة والوصول إلى مناصب قيادية دون اكتراث بالنفوذ المالي والعائلي ودائرة العلاقات التي اعتادت أنظمة سابقة منحها أولوية على حساب الكفاءة. بعدها نجحت راغب (49 عاما) في أن تمحو البعض من مخاوف الشباب عندما تم الإعلان عن أول برنامج تدريبي لتأهيل وتدريب الفئات الشبابية من مختلف محافظات الجمهورية للوصول إلى أهم عينة منهم ليكونوا في مناصب قيادية، وتوزيعهم على مؤسسات حكومية، ومكاتب كبار المسؤولين، منهم عدد من الوزراء والمحافظين. الشباب الذين ينتمون إلى عائلات ذات نفوذ سياسي اعتقدوا أنهم ضمنوا مواقعهم في المناصب القيادية، وكانت صدمتهم حين تقدموا للأكاديمية أن عليهم أولا خلع الرداء السياسي هيأت الخطوة شريحة كبيرة من الشباب لخوض التجربة على أمل اختبار مصداقية السلطة وقياس مدى واقعية ما يروج له، لكن أغلبهم تعرضوا لصدمة جراء الشروط والمعايير والاختبارات الصارمة التي أقرتها راغب على المتقدمين للالتحاق بالأكاديمية التي فتحت أبوابها أمام كل الفئات للاختبار، وهذه كانت أزمة بالنسبة إلى الكثيرين. ارتبطت الأزمة بالشباب الذين اعتقدوا أنهم ينتمون إلى عائلات ذات نفوذ سياسي أو من المؤيدين للنظام، واعتقدوا أنهم بذلك ضمنوا مواقعهم في المناصب القيادية، وكانت صدمة هؤلاء أن الشباب الذين تقدموا للأكاديمية كان عليهم أولا خلع الرداء السياسي. وتم فقط استبعاد أصحاب الميول المناوئة للدولة ولم تتم تنحية المعارضين العقلانيين لمبررات وأهداف وطنية، لم تكن هذه النقطة تمثل لهم أزمة في عملية القبول بالأكاديمية، لأن رشا راغب أعلنت أنها ليست بحاجة إلى موالين للسلطة بل إلى رجال دولة. خط ساخن للاتصال بالرئيس ◄ مسألة رفض الوساطات والمحسوبيات تتناغم فيها راغب فكريا وسياسيا مع السيسي ◄ مسألة رفض الوساطات والمحسوبيات تتناغم فيها راغب فكريا وسياسيا مع السيسي يقول أحد الصحافيين المصريين لـ”العرب”، وهو ممن لديهم دائرة علاقات قوية بأجهزة الدولة، إنه استعان بشخصيات كبيرة يفترض أن لها ثقلا ونفوذا في الحكومة للعبور إلى الأكاديمية، لكنه فشل مرتين، حتى تراجع عن الفكرة. ويؤكد الصحافي الذي طلب عدم نشر اسمه أن الشخصيات البارزة التي تحدث معها للتوسط له في الوصول إلى هذا الكيان بإدراج اسمه ضمن المقبولين فوجئت بإصرار رشا راغب على أن يخوض التدريبات والاختبارات المؤهلة للمرحلة الأولى والثانية والثالثة، مستبعدة تماما هوية المتحدثين لتبلغهم بأن الوساطة عندها خط أحمر. ما يعزز مثل هذا الكلام أن أكاديمية تدريب وتأهيل الشباب عندما تُعلن عن قبول دفعة جديدة يتقدم إليها الآلاف، والمفاجأة باختيار بضع عشرات منهم، ونادرا ما يصل من تنطبق عليهم الشروط إلى مئة شاب، مع استبعاد كل الباقين وجميع الاختبارات تكون إلكترونية برقم سري، يحصل عليه الشاب قبل الامتحان مباشرة، لتجنب الواسطة. انعكست هذه السياسة بشكل إيجابي على علاقة الشباب بالحكومة، وتحديدا الطامحين إلى التمكين والقيادة، ففي كل دفعة جديدة يتم الإعلان عنها لا يتطلب أن يكون المتقدم مدعوما من جهة بعينها، بل يخوض الاختبارات المؤهلة بقدراته الشخصية، وعندما ينجح تتولى الأكاديمية أمره، كقيادة مستقبلية مدفونة يجب استثمارها. لدى راغب ضوء أخضر من السيسي لتفعل ما تشاء، المهم أن تخرج قيادات دولة بالمعنى الحرفي، فكريا وثقافيا وسياسيا واقتصاديا، وحتى لغويا. فالشباب يخوضون اختبارات في كل شيء، لا مجرد إجابات عن أسئلة عامة، حتى أن الموظفين الكبار بالدولة الذين ترغب المؤسسات العاملين فيها أن تستعين بهم كقيادات لا يصلون إلى هذه المكانة قبل الخضوع للتأهيل والتدريب. تتناغم راغب فكريا وسياسيا مع السيسي في مسألة رفض الوساطات والمحسوبيات، لأنه يرى أنه عندما يقبل بذلك ويأتي مسؤول فاشل في منصب حيوي، سيوجه إليه الناس سهام الاتهام، لأن الغضب يتجه لرأس السلطة نفسه، باعتباره من سمح بوصول هؤلاء إلى قمة الهرم الوظيفي. الرئيس المباشر لراغب هو اللواء عباس كامل رئيس جهاز المخابرات العامة، وهي بطبيعتها امرأة حديدية وصارمة في قراراتها، لا تقبل الخطأ، ولا تتنازل عن تطبيق رؤيتها ذكر اللواء أحمد العزازي رئيس الشعبة الهندسية بالمنطقة الشمالية العسكرية في الإسكندرية أنه عندما كلفه الرئيس بهدم الكبائن (غرف فندقية) المخالفة بحي المنتزه على شاطئ الإسكندرية وجد أن أصحابها من الشخصيات النافذة بالدولة، وخشي أن يصطدم بهم، حتى رفع الأمر إلى السيسي لأخذ رأيه، وقال “فوجئت بالرئيس يقول لي، لو وجدت مبنى منهم عليه اسم عبدالفتاح السيسي اهدمه”، وبالفعل تم هدم المنطقة بالكامل، رغم ثقل نفوذ أصحابها. تعد راغب من الشخصيات القليلة في الدولة التي لديها صلاحية الاتصال بالسيسي مباشرة، فتتحدث وتتشاور معه وتبلغه بما تفعل تفصيليا، أيّ أنها تملك خطا ساخنا للاتصال بالرئيس، ومدعومة منه ولا سلطان لأي جهة أخرى مهما بلغ نفوذها. رئيسها المباشر اللواء عباس كامل رئيس جهاز المخابرات العامة، وهي بطبيعتها امرأة حديدية وصارمة في قراراتها، لا تقبل الخطأ، ولا تتنازل عن تطبيق رؤيتها، تفعل ما تشاء، وفق الصلاحيات الممنوحة لها، وبحكم طبيعة إدارتها لملف الشباب بحوزتها صلاحيات غير محدودة للاستفادة من طاقاتهم وتصعيد الكفاءات منهم. الأكثر من ذلك أن السيسي أسند إلى هذه المرأة الحديدية سلطة مباشرة على تدريب وتأهيل كل من يُنتظر تصعيدهم لمناصب قيادية حتى في بعض المؤسسات السيادية من خلال الأكاديمية التي صارت أكبر من مجرد كيان لاكتشاف الشباب القياديين، بل لتحديد مستحقي القيادة بالحكومة نفسها. لا تفضل الظهور الإعلامي كثيرا، حتى لا يفهم البعض أنها تقوم بتلميع صورتها سياسيا، أو تضع نفسها في خانة المدافعين عن النظام، فهي تفضل العمل في صمت دون ضجيج، ويظهر نفوذها في استقبالها مسؤولين كبارا بمكتبها، كالمحافظين أو الشخصيات التي تشغل مناصب مرموقة، باعتبارها المسؤولة عن ملف مستقبل قيادات الدولة المصرية. تخرج في الأكاديمية التي تترأسها شباب تولوا مناصب قيادية كنواب ومساعدين للوزراء والمحافظين وهم في مرحلة الثلاثينات من العمر، بحيث يكتسبون خبرة العمل على الأرض، ويتم تصعيدهم لاحقا إلى الدرجة الأولى في الحكومة، وهذه سياسة لم يعرفها المصريون، حيث وصل دولاب الدولة إلى مرحلة غير مسبوقة من الشيخوخة. وبحكم أن راغب نجحت إلى حد كبير في المهمة الموكلة إليها، وصار الناس يشاهدون شابا في منصب نائب محافظ، أو مساعد وزير، تغيّرت الصورة الذهنية السلبية عن كون الأكاديمية أنشئت كنوع من الدعاية السياسية.وأصبحت هذه السيدة مسؤولة عن تنظيم كل الفعاليات الرئاسية التي لها علاقة بالشباب، مثل المؤتمرات الدورية للشباب ومنتدى شباب العالم في نسخته الرابعة التي عقدت مؤخرا في شرم الشيخ. حلقة وصل مهمة ◄ محاولة ترميم علاقة الشباب بالسلطة لم تفلح كثيرا، لأسباب مرتبطة بأن هذا الكيان، أي الأكاديمية، في النهاية صنيعة النظام، وله شروط بعينها في الشباب الحالمين بالتمكين داخل دولاب الدولة ◄ محاولة ترميم علاقة الشباب بالسلطة لم تفلح كثيرا، لأسباب مرتبطة بأن هذا الكيان، أي الأكاديمية، في النهاية صنيعة النظام، وله شروط بعينها في الشباب الحالمين بالتمكين داخل دولاب الدولة بمرور الوقت صارت راغب حلقة الوصل المهمة وخط الاتصال بين النظام والشباب في مصر وبلدان أخرى باعتبار أن السيسي يريد تكوين رأي عام دولي إيجابي عن مصر، ويسعى لتمكين الشباب والاستماع إليهم والاقتراب من أفكارهم وطموحاتهم، إلى درجة أنه كلفها بتدريب الشباب في دول أفريقية ليكونوا قادة في بلدانهم. لم يكن طريق راغب مفروشا بالورود كما يعتقد البعض، فقد اتهمتها قوى سياسية معارضة بأنها تنتقي الشباب المؤيدين للسلطة للمشاركة في المؤتمرات الرئاسية وتستبعد المناوئين للحكومة، وفي كل مرة يُقام منتدى شبابي تكون هناك حالة من الريبة في توجهات الحاضرين، لكن لم يسبق لها التعليق على ذلك أو الظهور للدفاع عن نفسها وتبرير موقفها، لأن المنتمين إلى الأكاديمية والذين تخرجوا فيها من الطبيعي أن يكونوا متناغمين مع الحكومة فهم جزء منها وينفذون برامجها. لا يزال الكثير من الشباب يعتقدون أن تقريب السلطة للمسافات بينها وبينهم أبعد من مجرد إنشاء كيان مثل الأكاديمية لأنهم بحاجة إلى تغيير سياسة الحكومة عموما في التعامل معهم، وفسح المجال لهم كي يعبروا عن أفكارهم وطموحاتهم بحرية دون تضييق أو مطاردات أمنية، واحترام أحلامهم والتعاطي معها بواقعية والكف عن تضييق الخناق على الأحزاب وتصدير المؤيدين للسلطة، لأن المعارض مصري وله كامل الحقوق. ولأن مطالب الشباب دائما تكون بلا سقف أو غير محدودة من الصعب أن تواجه رشا راغب تعقيدات بالغة في مهمة تقريب وجهات النظر بين الحكومة والفئات الشبابية، لأن هناك أدوارا أخرى يجب على باقي المؤسسات القيام بها، ففي ما يتعلق بالخطاب الرسمي الموجه إلى الشباب هناك مسؤولون يفتقدون الحد الأدنى من الحنكة، وآخرون ليسوا مؤهلين للاضطلاع بمهمة امتصاص غضب هذه الشريحة الثائرة بطبيعتها على كل ما يخالف أفكارها ورؤيتها، وهي إشكالية دائما تنغص علاقة السيسي بالشباب. وإذا كانت راغب نجحت إلى حد بعيد في تغيير الصورة النمطية عن السلطة في نظر شريحة من الشباب، وإظهار النوايا الطيبة للنظام بأنه يسعى للتمكين والاعتماد على الكفاءات منهم ليكونوا قادة المستقبل وأصحاب القرار داخل أكبر مؤسسات الدولة، فالطريق أمام الحكومة نفسها لا يزال طويلا لتكريس الصورة الإيجابية، طالما أنه يتم التعويل على كيان واحد، مثل أكاديمية الشباب، لوصول علاقة السلطة معهم إلى مرحلة الرضا الكامل، لأن طموحات وآمال هذه الفئة أبعد من التمكين الوظيفي.

مشاركة :