كشفت أحدث دراسة تناولت «مرض السكري من النوع الأول (type 1 diabetes)» عن احتمالية أن يلعب «البنكرياس الصناعي (Artificial Pancreas)» دوراً كبيراً في علاج المرض في المستقبل القريب، خصوصاً لدى الأطفال الذين لا يستجيبون للعلاج التقليدي با لإنسولين أو الذين يعانون من مضاعفات هبوط السكر في الدم نتيجة عدم التحكم في الجرعة المناسبة للعلاج. وكلما كان الطفل صغيراً، كانت الاستفادة أكبر، وكشفت الدراسة أيضاً عن مدى الفاعلية والأمان في استخدامه، وهو الأمر الذي يوفر الحماية من المضاعفات لملايين الأطفال حول العالم. وأجرى الدراسة علماء من جامعة كمبردج بالمملكة المتحدة ونشرت في «مجلة نيو إنغلاند الطبية (New England Journal of Medicine)» في مطلع شهر يناير (كانون الثاني) الحالي. حقن الإنسولين من المعروف أن مريض السكري من النوع الأول يعاني من نقص أو غياب الإنسولين نتيجة لخلل مناعي في خلايا البنكرياس، وبالتالي تكون هناك ضرورة للحصول على الإنسولين من مصدر خارجي عن طريق الحقن. ومع التقدم التكنولوجي جرى التوصل إلى آلية عملية أكثر من الحقن المستمر، يحدث فيها تنظيم للغلوكوز في الدم بشكل آلي عن طريق إفراز الإنسولين من مضخة (infusion pump) تُزرع تحت الجلد في استجابة لتغير مستويات الغلوكوز في الدم، والذي يُعرف من خلال جهاز استشعار ذكي يُزرع تحت الجلد أيضاً ويقوم بقياس الغلوكوز على مدار الساعة. وهذه الطريقة رغم فاعليتها، فإنها كانت في الأغلب تستخدم في علاج البالغين والأطفال الأكبر عمراً. أوضح الباحثون أنه حتى رغم وجود هذه التقنيات الهادفة للسيطرة على مستويات السكر في الدم، فإنها كانت صعبة للغاية لدى الأطفال الأصغر عمراً؛ لأن الآباء في العديد من الأحيان كانوا مضطرين لحساب كمية الإنسولين التي يجب أن توصلها المضخة وإجراء تغييرات متكررة عليها تبعاً لكميات الكربوهيدرات التي جرى تناولها، وذلك بوصفه عاملاً مساعداً بين جهاز الاستشعار والمضخة. ومن هنا ظهرت أهمية البنكرياس الصناعي؛ حيث يقوم بربط جهاز الاستشعار مع مضخة الإنسولين في نظام آلي واحد عن طريق خوارزميات كومبيوترية، ويجري تحليل قراءات الغلوكوز على الشاشة وضبط جرعات الإنسولين في المضخة تلقائياً من دون الحاجة لمراقبة الآباء. أشار الباحثون إلى أهمية التحكم في نسبة السكر في الدم في سن مبكرة؛ لأنه على مر السنين يمكن أن يؤدي ارتفاع سكر الدم المزمن إلى تلف الأوعية الدموية والأعصاب في جميع أعضاء الجسم، مما يؤدي لاحقاً إلى الإصابة بأمراض القلب والكلى والمخ، خصوصاً أن ارتفاع الغلوكوز وهبوطه يؤديان إلى كثير من المشكلات. ومع صغر العمر، لا يستطيع الأطفال الحكم على الأعراض، ولذلك؛ فإن البنكرياس الصناعي يعطي فرصة أفضل لمتابعة السكر ليس فقط للآباء، ولكن للأطباء أيضاً للحكم على مدى نجاح العلاج. بنكرياس صناعي ويستخدم الجهاز في الولايات المتحدة بداية من عمر عامين. ورغم تكلفته العالية، فإن نجاح التجارب الإكلينيكية والنتائج الجيدة تشجع على استخدامه بشكل أكبر، ومن ثم تنخفض تكاليف صناعته مستقبلاً. وقد شملت التجربة الجديدة 74 طفلاً تتراوح أعمارهم بين عامين و7 أعوام، وقضى كل منهم 16 أسبوعاً على الجهاز التقليدي (متابعة الغلوكوز عن طريق الاستشعار ومضخة الإنسولين) و16 أسبوعاً أخرى على نظام البنكرياس الصناعي الذي طوره الباحثون. ووجدت الدراسة أن معظم الأطفال يقضون نحو 72 في المائة من يومهم في المعدل الطبيعي لسكر الدم وذلك عندما كانوا يستخدمون البنكرياس الصناعي، كما قلل النظام أيضاً من حالات ارتفاع نسبة السكر في الدم بشكل كبير، وأيضاً لم يحدث انخفاض حاد في مستويات السكر؛ وهو الأمر الذي يمثل نجاحاً كبيراً في العلاج لتجنب مخاطر هبوط الغلوكوز واحتمالية حدوث غيبوبة. لاحظ الباحثون أن الجهاز خفض أيضاً «الهيموغلوبين السكري (HbA1c)» الذي يستخدم مؤشراً للتحكم في مستوى الغلوكوز في الدم لفترات طويلة في المتوسط 3 أشهر وكلما زاد معدله كان ذلك مؤشراً على احتمالية حدوث مضاعفات. و«الهيموغلوبين السكري» أو «سكر الخلية» هو اتحاد الهيموغلوبين الموجود في كرية الدم الحمراء مع الغلوكوز. وفي المتوسط؛ كانت مستويات «الهيموغلوبين السكرى» في الدراسة نحو 7.3 في المائة؛ وهي نسبة جيدة لمرضى السكري، ونجح البنكرياس الصناعي في خفض هذه النسبة بمقدار 0.7، ويعتبر ذلك إنجازاً جيداً؛ لأنه من الصعب تحسين النسبة إذا كانت منخفضة من الأساس من دون إحداث انخفاض للغلوكوز تحت المستويات الطبيعية، وبالتالي حدوث «غيبوبة نقص السكر في الجسم (hypoglycaemia)». وأوضحت معظم الأسر المشاركة في الدراسة أن مشكلة عدم انتظام النوم ليلاً كانت من أكبر التحديات التي واجهتهم؛ حيث إن التغير في معدلات الغلوكوز وكمية الإنسولين التي يجب ضخها يمكن أن يحدث أثناء نومهم؛ مما يجعلهم دائمي المتابعة للأجهزة التقليدية. وقد وجد الباحثون في دراستهم أن أكثر من 80 في المائة من قراءات أجهزة الاستشعار الخاصة بالنظام الجديد خلال الليل كانت ضمن المعدلات الطبيعية والمطلوبة لمرضى السكري، مما يدل على نجاح الجهاز في حل ما كان يطلق عليها «مشكلة وقت الليل (night - time problem)» بشكل أكثر فاعلية من العلاج التقليدي بالمضخة وأجهزة الاستشعار. ويأمل الباحثون في تعميم العلاج بالنظام الجديد لجميع الأطفال المصابين بالمرض من النوع الأول؛ حيث إنه يوفر حياة طبيعية للطفل وعائلته من دون الحاجة إلى الوخز اليومي والقلق على جرعات الإنسولين قبل اللعب وأثناء النوم، مما ينعكس بالضرورة على الصحة النفسية للطفل. - استشاري طب الأطفال
مشاركة :