أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط المسلمين بتقوى الله في السر والعلن. وقال فضيلته" إن الاقتداء بالأخيار، والتأسِّي بالأبرار، واقتفاء آثار المتقين، والسير على منهاجهم، وسلوك سبيلهم: فوزٌ عظيم، ومغنمٌ كريم، وسعادة لا نظير لها، ونجاح لا حدود ولا منتهى له، وفيما ذكره الله تعالى في كتابه، من توجيه الأنظار إلى مسلك الصفوة، ونهج عباد الرحمن، وسبيل البَرَرة، ما يحقق هذه الغاية، ويبلِّغ هذا المراد؛ إذ هو المثال الذي يُحتذى، والنهج الذي يقتدى. وأوضح الدكتور خياط أن من صفات عباد الرحمن تقديم الطاعات لله تعالى ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾، صفُّوا أقدامهم، وأجرَوا دموعهم، واتصل نشيجهم، يحذرون الآخرة ويرجون رحمة ربهم، ضارعين إليه: ﴿رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا﴾، أي: لأنَّه كان هلاكًا دائمًا، وخسرانًا ملازمًا ﴿إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾ ، وفي هذا من المدح لهم والثناء عليهم ما لا يَخفى، ذلك أنَّهم مع حسن معاملتهم للخَلق، وشدَّة اجتهادهم في عبادة الخالق وَحده لا شريك له، يخافون أن ينزل بهم عذابه، فيبتهلون إليه أن يصرفه عن ساحتهم، غير آبهين ولا ملتفتين إلى جميع أعمالهم، وعظيم رصيدهم منها ، وأما في إنفاقهم على أنفسهم وأهليهم، فَلَقد سلكوا فيه أعدل السُّبُل، ونهجوا فيه أقوم الطرق، ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا﴾ ، فكان وسطًا عدلًا لا تبذير فيه ولا تقتير؛ فلم يكونوا مبذرين شأن أولئك الذين يولعون بمظاهر البذخ، ولم يكونوا كذلك مقترين شأن أولئك الذين يقبضون أيديهم عن واجب النفقات، ويشحون بالمعروف، ويبخلون بما آتاهم الله من فضله؛ لأنَّ من شأن الإسراف استنفاد المال في غير مواضعه، فينقطع الإنفاق وتذبل زهرته، ولأنَّ من شأن الإقتار إمساك المال فيحرم مستحقه. ولقد كان من صفات عباد الرحمن أيضًا، التخلِّي عن المفاسد، والتجافي عن الشرور، حيث تنزَّهوا عن الشِّرك بالله وقتل النفس التي حرَّم الله قتلها والزِّنا، جاء ذلك في قوله عزَّ من قائل: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا﴾. إنَّه إخلاص الدين لله، وصرف جميع أنواع العبادة له وحده دون سواه؛ فلا يدعون في الشدائد إلا إياه، ولا يسألون العون ولا يرجون الغوث ولا يطلبون المدد إلا من الله، ولا يعتمدون في كل شأن من شؤونهم إلا عليه سبحانه، ولا يخشون أحدًا إلا الله. وأبان فضيلته أن ذلك من التوحيد الخالص، والإيمان الكامل، الذي رفع الله به أقوامًا فجعلهم في الخير قادة، وخفض به أقوامًا نبذوه واتخذوه وراءهم ظهريًّا، فحق عليهم وعيد الله لهم ، والتنزه عن الشرك، والبعد عن الفساد في الأرض، الذي يتجلَّى باستباحة الدماء المحرمة، وقتل الأنفس المعصومة، والعدوان على المجتمع بانتهاك الأعراض، المتمثل في جريمة الزِّنا؛ فإنَّ مَن تلوث بأرجاس الشرك، أو استباح قتل النفس التي حرَّم الله قتلها، أو اقترف فاحشة الزنا: فسوف يلقى جزاء إثمه وما اقترف من الذنب عذابًا مهينًا مضاعفًا في نار جهنم يوم القيامة. وأشار فضيلته إلى أن أهل العلم قسموا الصفات التي وصف الله بها عباد الرحمن وهي قسم منها هو من التحلِّي بالكمالات الدينية، وقسم هو من التخلِّي عن ضلالات أهل الشرك، وقسم هو من الاستقامة على شرائع الإسلام، وقسم من طلب الزيادة في صلاح الحال في هذه الحياة.
مشاركة :