دخل النزاع الصيني الأمريكي في عدة ملفات منعطفا جديدا بعد إعلان الإدارة الأمريكية عن عدم إرسال وفد سياسي دبلوماسي للمشاركة في الألعاب الأولمبية الشتوية التي تقام في بكين في فبراير من هذا العام 2022، ما يشكل ضربة دبلوماسية أمريكية للصين بحجة مسلمي الأويغور في مقاطعة «شينجيانغ» وتوجيه ضربة جديدة في الحرب الباردة بين البلدين في ملف تايوان التي تدعمها الحكومة الأمريكية بالمعدات والسلاح. ثمة قراءة للمركز الدولي للدراسات الإستراتيجية ملخصها: تتواصل الطلعات الجوية الصينية يوميا على الأجواء التايوانية في رسالة واضحة بأن الصين لن تتخلى عن الفكرة المسيطرة على قيادات الحزب الشيوعي الصيني بأن ضم تايوان للصين مسألة وقت، شكلت الولايات المتحدة حلفا مع أستراليا لامداد الأخيرة بغواصات نووية في ظل معارضة صينية لأي تواجد أمريكي بالقرب من حدودها أو المياه الإقليمية الصينية. جميع الملفات السابقة تزيد من حدة التوترات بين الولايات المتحدة والصين، في حين تستخدم أمريكا الورقة التي تلوح بها في وجه كل دولة تعارض سياستها العالمية وهي ورقة «حقوق الإنسان» لذا اتخذت القرار بعدم المشاركة الدبلوماسية «في بكين» حتى لا تمنح الدورة المقامة على الأراضي الصينية الشرعية الضمنية بمشاركة وفد دبلوماسي أمريكي في الفعاليات، بل زيادة على ذلك حث حلفاء الولايات المتحدة على عدم المشاركة الدبلوماسية لوضع الحكومة الصينية في موقف حرج أمام المجتمع الدولي وتكوين جبهة معارضة لبكين. ولكن الرد الصيني ينذر بآفاق جديدة للصراع بعد تهديد الصين بأن «الألعاب الأولمبية ليست مسرحا للمواقف السياسية والتلاعب»، متوعدة بتصعيد الموقف مع «الدول التي تتدخل في الشأن الصيني الداخلي» على حد وصف المتحدث باسم الخارجية الصينية. الإعلان الأمريكي تبعته عدة تصريحات من لجان أولمبية حليفة للولايات المتحدة تتبع بريطانيا وأستراليا وكندا تؤيد الولايات المتحدة وتعلن عدم مشاركتها الرسمية في المنافسات الخاصة بالأولمبياد الشتوية. في حين أعلنت فرنسا عدم الانضمام للدول المقاطعة وتأكيد مشاركتها في الأولمبياد الشتوية، داعية إلى الفصل بين الرياضة والتوترات السياسية كما يدعو الميثاق الأولمبي. مقابل ذلك، أعرب المنسق المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الصين سيدهارث تشاترجي عن توقعه بأن تكون دورة الألعاب الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين 2022 فرصة ذات مغزى لتسخير قوة الرياضة للنهوض بالعالم من خلال تعزيز جو من السلام والتنمية والمرونة والتسامح والتفاهم. مع بدء الحكومة الأمريكية بـ«المقاطعة الدبلوماسية» لأولمبياد بكين الشتوية، فإن أغلب الشركات الأمريكية على حد قول صحيفة «الشعب» الصينية، تحجم عن السباحة في المياه الموحلة لـ«تسييس الأولمبياد». وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أنه على مدار عامين، كان النشطاء يدفعون الشركات الأمريكية والغربية لإلغاء رعايتها وبثها لأولمبياد بكين الشتوية، لكنهم وجدوا أن خطر الإساءة للصين دفع الشركات إلى التمسك بالاتفاقيات التجارية. ويرى العديد من الرعاة الصين كواحدة من أكبر أسواقهم. ولن تحذو شبكة إن بي سي التي ألغت بث أولمبياد موسكو 1980 حذو الحكومة الأمريكية في مقاطعة الألعاب الأولمبية الشتوية هذا العام، وذكرت في تقريرها أن مبيعات الإعلانات لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين كانت قوية، و«كادت أن تنفد» في الخريف الماضي. وذكرت مجلة «فورتش» الأمريكية على موقعها الإلكتروني أنه مع زيادة الحالات اليومية في الولايات المتحدة إلى مليون حالة وانتشار سلالة «أوميكرون» المتحولة التي تجتاح العالم، فإن بكين تولي أهمية كبيرة للحالات الجديدة المكونة من رقم واحد. وستكون دورة الألعاب الأولمبية الشتوية فرصة لعرض إستراتيجية الصين لمكافحة الوباء. تذهب بعض التحليلات إلى جاءت المقاطعة الأمريكية لأولمبياد بكين 2022 بعد أسابيع من الاجتماع الافتراضي الذي تم بين الرئيسين الأمريكي والصيني والذي فشل في التوصل إلى اتفاق حول بعض القضايا الخلافية بينهما لاسيما قضية تايوان. هل تشكل «المقاطعة الدبلوماسية» فشلا لأولمبياد بكين 2022؟ هذا السؤال تطرحه الباحثة في الشأن الصيني الأكاديمية تمارا برو التي ترى أن السبب الحقيقي وراء مقاطعة أولمبياد بكين دبلوماسيا ليس بسبب انتهاك الصين لحقوق الإنسان، وإن كانت هناك ضغوطات كبيرة على الإدارة الأمريكية منذ مدة بمقاطعة الأولمبياد بحجة حقوق الإنسان، بل لأسباب سياسية بحته نتيجة التوترات التي شهدتها العلاقات الأمريكية الصينية خلال السنوات الأخيرة، إذ تسعى الولايات المتحدة إلى محاصرة الصين وكبح صعودها، وتضغط واشنطن على حلفائها كي تسير على خطاها، فضلا عن عدم حضور الرئيس الصيني قمة قادة مجموعة العشرين وقمة المناخ الأمر الذي أثار حفيظة الرئيس بايدن. لن تؤثر المقاطعة الدبلوماسية على أولمبياد بكين ما لم يستتبع ذلك مقاطعة الرياضيين للمشاركة، وستجري المباريات على قدم وساق، ولكن من الناحية المعنوية فإن هذا الإجراء ليس بالأمر السهل على الصين، الدولة العظمى، إذ سيذكر التاريخ مقاطعة بعض الدول دبلوماسيا لأولمبيادها بحجة انتهاكات حقوق الإنسان. ويقع على الصين أن تتعامل بهدوء مع أي استفزازات يمكن أن تحصل في المباريات يكون فيها إشارة أو تلميحات إلى انتهاك لحقوق الإنسان أو استقلال تايوان. وإذا كانت الصين قد حذرت باتخاذ إجراءات مضادة ضد المقاطعة الدبلوماسية فمن المحتمل أن تقوم بفرض عقوبات رمزية على بعض مسؤولي الدول التي تقاطع دبلوماسيا الأولمبياد، وزيادة الضغط اقتصاديا عليها، وإذا أستمر تدهور العلاقات بين واشنطن وبكين حتى انعقاد أولمبياد لوس أنجلوس 2028، فمما لاشك فيه أن الصين ستقاطع دبلوماسيا حضور الأولمبياد. ويمكن الصين أن تنتقم من الولايات المتحدة الأمريكية عبر فوزها بالمركز الأول في أولمبياد بكين وحصولها على أكبر عدد من الميداليات الذهبية، فالصين أصبحت قوة أولمبية عظمى وتجلى ذلك بوضوح في أولمبياد طوكيو 2020 حيث شهدت الأولمبياد تنافسا حادا بين الصين والولايات المتحدة التي احتلت في المركز الأول تلتها الصين في المركز الثاني بفارق ميدالية ذهبية واحدة. بالمحصلة، إن المقاطعة الدبلوماسية لن تؤدي إلى فشل الأولمبياد، ولكن كان هناك فرصة كبيرة لدعوة بايدن إلى حضور الأولمبياد والاجتماع وجها لوجه مع الرئيس الصيني شي جين بينغ والتباحث حول النقاط الخلافية بينهما، وربما كنا سنشهد اجتماعا ثلاثيا يضم كلا من الرئيس الأمريكي جوبايدن والرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أعلن أنه سيحضر الأولمبياد، هذا الاجتماع الذي كان سيساهم في تخفيف التوتر بين الصين وأمريكا من جهة وأمريكا وروسيا من جهة أخرى. في أخبار أخرى، كما كتب سيرغي ستروكان، في صحيفة «كومير سانت» الروسية،أمريكا تفشل في حشد مقاطعة لأولمبياد بكين. وجاء في المقال: تستعد مجموعة من المسؤولين الأمريكيين للسفر لحضور أولمبياد بكين. فقد أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، تشاو ليجيان، أن السلطات الأمريكية تقدمت بطلب للحصول على تأشيرات لـ18 شخصا. وهناك المزيد من الأدلة على أن الإدارة الأمريكية قد فشلت في تنظيم مقاطعة كاملة للأولمبياد. فليس هناك وحدة موقف كاملة في صفوف حلفاء واشنطن. ومن الأمثلة على ذلك موقف اليابان المراوغ، في محاولة تحقيق التوازن بين واشنطن وبكين. فبالتوازي مع الامتناع عن إرسال وفد حكومي إلى بكين، أعطى الجانب الياباني الضوء الأخضر لمسؤولي البلاد الرياضيين للسفر إلى الصين. كما أن الحلفاء الأوروبيين للولايات المتحدة غير موحدين حيال مقاطعة الأولمبياد.
مشاركة :