لمواجهة ما يعاني منه كوكبنا من تغيّر مناخي، يسعى العلماء من مختلف التخصصات إلى إيجاد حلول عملية تساعد في تجنب نقطة اللا عودة. كحلول الاستدامة وإعادة التدوير وتخفيف الانبعاثات الكربونية.. إلا أن دراسة جديدة كشفت عن حل جديد يعتمد على تدريب ذهني بسيط يساعد الإنسان على اتباع سلوكيات بيئية أفضل. هناك واحد من تدريبات التأمل يُدعى اليقظة الذهنية، والذي يعتمد على التركيز «هنا والآن» دون الانشغال بأي فكرة أخرى. وقد وجد الباحثون أن هذا يريح الذهن من عناء العمل المستمر، لذلك وجدوا علاقة واضحة بين ممارسة تأمل اليقظة الذهنية، واتباع سلوك اجتماعي إيجابي، وتقليل مستويات الإجهاد والتوتر والقلق، وتخفيف الألم، وتحسين الأداء الذهني والتفكير الإبداعي! في دراسة تركية بعنوان «اليقظة والاستهلاك المستدام: أدلة من الطلاب في إسطنبول»، وجد الباحثان «فديم كوكابينارباتماز» من جامعة «ميديبول» و«أهو إرغن» من جامعة «بهجة شهير» أن هناك علاقة واضحة بين الاثنين.. اليقظة وحماية البيئة! في هذه الدراسة المنشورة في المجلة الأكاديمية للدراسات متعددة التخصصات، قام الباحثون بتدريب الطلاب على ممارسة اليقظة الذهنية.. ثلاث مرات أسبوعياً لمدة ثلاثة أسابيع، بحيث تستغرق كل جلسة من 20 - 40 دقيقة.. بحيث يركز الشخص على تنفسه، ويتأمل ما حوله دون إصدار أحكام أو تدفق للأفكار.. فقط تأمل العالم الخارجي - والداخلي - كما هو، مع تجاهل المشتتات والأفكار العابرة. ما التأثير؟ وجد الباحثان أن هذا التدريب جعل الناس أكثر تعاطفاً مع الطبيعة.. كما غيّر من عاداتهم الاستهلاكية إلى ما يُسمى «الاستهلاك الإيجابي».. على سبيل المثال، أصبح المشاركون أقل مادية وإدماناً على الشراء.. فلا يتسوقون لشراء أشياء لا يحتاجونها، بل أصبحوا أكثر تمهلاً، بأن يقرؤوا عن المنتج أو السلعة مرتفعة الثمن قبل شرائها، كي يتأكدوا من احتياجهم لها بدلاً من أن تتحوّل في المستقبل القريب إلى نفايات. بينما الأشخاص الذين لم يمارسوا تدريب اليقظة الذهنية، فقد كانت عقليتهم مادية أكثر.. لا يعيرون اهتماماً للوعي البيئي أو الاستدامة.. كما كانوا أكثر تسرعاً عند الشراء.. لا يبحثون عن معلومات حول المنتج أو يقارنون الإسعاد أو يفكرون قبل الشراء، بل كانت عملية الشراء لديهم فورية، تتأثر بالمحفزات الخارجية مثل الإعلانات أو الخصومات أو ظهور منتجات الجديدة، وليس محفزات داخلية كإشباع رغبة أو هدف ذاتي.. وبالتالي، تزيد لديهم المنتجات التي لا يحتاجونها، وبالتالي يزيد إنتاجهم للنفايات. لكن.. ما العلاقة؟ حسب الدراسة، فإن ممارسة اليقظة الذهنية تؤدي لسلوكيات متنوعة تحمي البيئة عن طريق عدة مسارات.. المسار الأول: التأمل يزيد السعادة.. الأشخاص السعداء - حسب دراسات عديدة - أكثر وعياً بالمشاكل البيئية من الأشخاص الذين يعانون في حياتهم غير مكترثين بهذه الأمور.. المسار الثاني: هذا النوع من السعادة غير المرتبطة بالماديات واستهلاك السلع.. وبالتالي يكون أكثر انتباهاً لمشاكل البيئة دون أن تكون الماديات هي أولويته القصوى.. والمسار الثاني: تأمل الحياة دون إصدار أحكام مسبقة، يزيد من تعاطف الإنسان مع الطبيعة، ومع الأشخاص الآخرين.. وبالتالي يصبح أكثر مراعاة لهم. يقول أحد المشاركين في هذه الدراسة: «خلال فترة التأمل، شعرت بالاسترخاء والسلام حتى لو كانت عندي امتحانات أو واجبات دراسية. إنه مثل تناسي مشاكلة لفترة وجيزة. شعرت وكأنني على شاطئ البحر أتأمل الأمواج، أو أتنزه في حديقة. لقد تغيرت وجهة نظري تجاه الآخرين أيضاً.. أصبحت أحاول التعرف عليهم كما هم دون أحكام مسبقة!» خلاصة القول.. حسب هذه الدراسة، فإن ممارسة اليقظة الذهنية تساعدنا في إراحة أذهاننا، وتأمل الحياة بعين التعاطف مع الطبيعة، ومع الآخرين، والتماس مع قيمنا الذاتية ومشاعرنا وأحاسيسنا.. كلها أمور تجعلنا أكثر ميلاً لاتخاذ قرارات أكثر رفقاً بوطننا الوحيد.
مشاركة :