أعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد الخميس أن 82 في المئة من مواطني بلاده يفضلون النظام الرئاسي، في أولى النتائج التي كشفت عنها الاستشارة الوطنية الإلكترونية، وهي خطوة يرى مراقبون أنها تعكس إجماعا شعبيا على ضرورة اعتماد النظام الرئاسي، خصوصا بعد فشل تجربة النظام البرلماني في السنوات العشر الماضية. وقدم قيس سعيد النتائج الأولية للاستشارة الإلكترونية الوطنية التي انطلقت رسميا منذ أيام، مبرزا أن 82 في المئة من المشاركين فيها يفضلون النظام الرئاسي وأن 81 في المئة يساندون نظام الاقتراع على الأفراد. وقال الرئيس سعيد في كلمة خلال افتتاح اجتماع مجلس الوزراء نقلتها الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية على موقع فيسبوك إن 92 في المئة يساندون سحب الثقة من النواب وأن 89 في المئة ليست لهم ثقة في القضاء و81 في المئة يفضلون أن تتولى الدولة تنظيم الشؤون الدينية. وشدد قيس سعيد على أن الأرقام التي قدمها ليست مزيفة وعلى أنها تمثل التوجهات الكبرى للمشاركين في الاستشارة، مذكرا بالمرحلة القادمة التي قال إنها تتمثل في تأليف هذه التوجهات وإعداد استفتاء شعبي يوم العشرين من مارس القادم. منذر ثابت: النظام البرلماني فشل لأنه كرس دكتاتورية الأحزاب وفي منتصف يناير الجاري انطلقت الاستشارة الوطنية على منصة إلكترونية بتونس، بهدف تعزيز مشاركة المواطنين في عملية التحول الديمقراطي، وسط دعوات قوى معارضة إلى مقاطعتها. وحدد دستور 2014 النظام القائم بأنه برلماني معدل يمنح المؤسسة التشريعية صلاحيات كبيرة، لكن فئات واسعة من الشعب والقوى الوطنية حمّلت النظام السياسي مسؤولية الأزمة وتشتت القرارات، ما أدى إلى ضعف الدولة وعدم قدرة حكوماتها المتعاقبة على اتخاذ قرارات حاسمة. وفي تونس هناك نظام يتقاسم فيه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة الصلاحيات و"الحكومة مسؤولة أمام مجلس نواب الشعب (البرلمان)"، وفق المادة 95 من دستور 2014 الجاري به العمل الآن. وأفاد المحلل السياسي منذر ثابت بأن "الجدل قائم في تونس منذ 2014 حول جدوى النظام البرلماني في علاقة بالحرية والنظام، وحركة النهضة كانت متشبثة إلى آخر لحظة بالنظام البرلماني لأنها هي من هندست هذا النظام". وأضاف لـ"العرب"، "الاستفتاء هو من سيحسم هذا الأمر، وشخصيا أنادي بنظام رئاسي وبرلمان بغرفتين حتى تتم المعادلة بين مطلب التعددية والاستقرار في المؤسسات والجهاز التنفيذي، فالنظام الرئاسي هو الأقرب إلى مزاج الشعب وثقافته وتراثه". وتابع ثابت "هناك فشل ذريع للنظام البرلماني في تونس لأنه كرس دكتاتورية الأحزاب وتحولت إلى مركز قوى يتجاوز كل الصلاحيات وتم تهميش الفصل بين السلطات". وقالت الناشطة الحقوقية نجاة الزموري "هذه النتائج متوقعة نظرا للمردود السياسي الضعيف والفاشل في عشر سنوات ماضية، وأغلبية المواطنين يريدون نظاما رئاسيا، ويرون أن النظام البرلماني لا يتماشى مع خصوصيات المجتمع التونسي". وأكّدت في تصريح لـ"العرب"، "لم نر شيئا من النظام البرلماني، وآليات التشريع وصياغة القوانين لم تنجح، بل إن بعض القوانين كانت ضدّ السيادة الوطنية وخيارات التونسيين"، مضيفة "البرلمانيون لم يقوموا بدورهم، بل انشغلوا بالخلافات الحزبية التي وقع ترحيلها إلى مجلس النواب والحزام السياسي للحكومة في كل مرة، كما هيمنت الأهداف الحزبية الضيقة على النشاط، وتعفّن الجو العام في البرلمان وتم ترذيل عمل النواب". وأردفت الزموري “المشهد البرلماني المأزوم انعكس على الجانب النفسي للتونسيين، وأصبحت هناك حالة إحباط سياسي". واستطردت "اختيار النظام الرئاسي هو رد فعل طبيعي من المواطنين". وفي أكتوبر الماضي أطلق الرئيس سعيّد “الاستشارة الشعبية الإلكترونية” لجمع آراء المواطنين عبر منصة إلكترونية حول مواضيع مختلفة، كالشأن السّياسي والاجتماعي والاقتصادي، وسط دعوات قوى المعارضة إلى مقاطعتها. وانتقد قيس سعيّد آنذاك معارضي الاستشارة الإلكترونية قائلا “يريدون استشارة في ما بينهم، وتصوراتهم للحكم والمسؤولية غير تصوراتنا، هم خرجوا من التاريخ، بل لفظهم التاريخ، أما نحن فنعمل على تحقيق تاريخ جديد للشعب التونسي”. نجاة الزموري: لم نر شيئا من النظام البرلماني، وآليات التشريع لم تنجح وسعت القوى المعارضة، وعلى رأسها حركة النهضة الإسلامية، للتشكيك في مصداقية الاستشارة الإلكترونية قائلة “إنها لا تخضع لمقاييس محددة وتغيب عنها الشفافية، كما إن الأسئلة موجهة”. والخميس شدّد السفير الأميركي لدى تونس دونالد بلوم على أهمية احترام الحقوق والحريات الأساسية لجميع المواطنين التونسيين، خلال لقائه وزير الداخلية توفيق شرف الدين. وقالت وزارة الداخلية إن “الطرفين تطرقا إلى سبل المزيد من تكريس التعاون التونسي – الأميركي في المجال الأمني، من خلال تفعيل استراتيجية المساعدة الأمنية المشتركة بين البلدين، مع المزيد من تطويرها في مجالات برامج التكوين وتبادل الخبرات ومواكبة التطور التقني والمعلوماتي في المجال الأمني، لما يخدم عملية التصدي لظاهرة الإرهاب التي تهدد كل الدول”. واتخذ الرئيس التونسي في الخامس والعشرين من يوليو الماضي إجراءات استثنائية، منها تجميد اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقالة رئيس الحكومة. وفي الثاني والعشرين من سبتمبر الماضي أصدر الرئيس التونسي المرسوم 117 الذي يتيح له تجميع الصلاحيات في مرحلة انتقالية، ويهدف إلى إخراج البلاد من أزمة خانقة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. وأثار المرسوم انتقادات قوى معارضة للإجراءات الاستثنائية، وحتى مؤيدة لها على غرار حزب التيار الديمقراطي. وفي ديسمبر الماضي أعلن الرئيس التونسي عن خارطة طريق لوضع سقف زمني للإجراءات الاستثنائية، حيث قرّر بموجبها إجراء استفتاء على إصلاحات دستورية في يوليو المقبل، تليه انتخابات تشريعية في نهاية 2022.
مشاركة :