ليست هي المرة الأولى التي تلتهب فيها الحدود الأردنية مع الشقيقة سوريا بفعل الجماعات الإرهابية التي تستثمر في التحرش بالأمن الأردني عبر تهريب المخدرات، وهي المحاولات التي يتصدى لها حرس الحدود الأردني بكل بسالة واقتدار. القوات المسلحة الأردنية أعلنت عن بعض تفاصيل معركتها المعركة مع المهربين عندما قتلت منهم 27 فردا، وهذه اكبر حصيلة لعملية عسكرية على الحدود الشمالية مقارنة مع ردة الفعل الأردنية بعد استهداف نقطة الحدود الأردنية في رمضان 2017 بسيارة مفخخة خرجت من مخيم الركبان داخل العمق السوري. ومن الواضح أن العملية العسكرية الأردنية الواسعة جدا التي شاركت فيها قوات وآليات كثيرة بمساندة الطائرات المروحية وداخل العمق السوري قد تمت ضمن احتمالين: الأول استعمال القنوات الأمنية لتوجيه اللوم المباشر للحكومة السورية على الاختراقات والطلب منها ضبط حدودها، والثاني قيام تفاهم أردني سوري سمح للجيش الأردني بملاحقة أوكار الذين باتوا يستهدفون القوات الأردنية مباشرة وأطلق يده في عمليات مستقبلية. أرجح الاحتمال الثاني لان الحكومة السورية تفتقر لإمكانية ضبط حدودها، وحتى وإن رغبت في ذلك فليس لديها "ترف" تخصيص أعداد كبيرة من قواتها العسكرية لإرسالها للحدود الأردنية التي تعتبرها "آمنه"، مقارنة بمعاركها الساخنة في الشمال السوري وفي الحدود مع تركيا والعراق. ويعتبر الجيش الأردني اليوم أن أي تحرك للأفراد او الآليات على الجانب السوري بدون التنسيق المسبق، أهدافا معادية يجب تدميرها فورا وبكل الطرق العسكرية المناسبة. وقد لاحظنا أن العملية العسكرية الأردنية لم يتبعها إعلان رسمي سوري سواء بالموافقة عليها او بالإدانة، ولا يمكن لدمشق الذهاب في اتجاه الحالة الثانية لأنها تصبح متهمة بتجاوزات على حدود دولة جارة ذات سيادة او أن تكون طرفا فيها. ويجب أن لا نستبعد أن تكون عمليات التهريب بحد ذاتها هدفا لمليشيات مسلحة لا تقل خطورة عن المهربين بهدف خلق المشاكل ومحاولة استنزاف القوات الأردنية وتوتير العلاقات بين البلدين ومنع عودتها الى طبيعتها. لقد تحققت المصالح الأردنية بعد انتهاء الأزمة السورية بصمود سوريا ومنع تفكيك الدولة واندحار الجماعات الإرهابية وقالها الملك عبد الله الثاني منذ بداية الأزمة "لا مصلحة لنا بان تغرق سوريا في الفوضى". وثبت للعيان أن المعركة أكبر من كونها في سوريا او عليها، بل إنها معركة جاءت ضمن حسابات قوى خارجية لها مصالح بتغيير الخرائط وإعادة توزيع الأقليات في الإقليم. الروس لم يخسروا في الأزمة السورية او في تدخلهم اللاحق، بل وجدوها فرصة لاستنزاف هيبة أمريكا وإيجاد موطئ قدم لأسطولها البحري في المياه الدافئة وضمان مصالحهم في الشرق الأوسط. وحده الأردن كان من أكثر الخاسرين فيها، وخاصة بعد إغلاق الحدود وتدفق اللاجئين وما جره ذلك من مشاكل أمنية واقتصادية كبيرة. ولذلك نرى أن على الجانب السوري أن لا يبقى أسيرا للماضي وان يعترف بأن الحدود الأردنية كانت الأكثر آمانا من حدوده الأخرى رغم كل الضغوطات العربية والدولية التي مورست على الأردن. وهنا يجب العودة الى التفاهمات الأردنية الروسية التي لعبت دورا مهما في إبقاء الحدود الأردنية هادئة وإبعاد المليشيات الإيرانية عنها. ولا اكشف سرا إن قلت أن العلاقات الأردنية مع موسكو كانت أفضل بكثير من العلاقة مع دمشق خلال سنوات الأزمة وكانت قناة موسكو منفذا مهما للأردن لمنع المليشيات الإيرانية من الاقتراب من الحدود الأردنية. الأردن اليوم لديه حدود مفتوحة مع سوريا وسفارة لم تغلق في أسوأ الظروف. لكن العلاقات مع الجانب السوري ما زالت باردة رغم الاتصال الهاتفي بين الملك عبد الله والرئيس السوري في أواخر تشرين أول الماضي، كما ان التعاملات التجارية بين البلدين ما زالت ضعيفة جدا رغم أن العاهل الأردني في زيارته الأخيرة لواشنطن حصل على استثناء كبير لقائمة من السلع يمكن تبادلها بين البلدين رغم وجود قانون قيصر للعقوبات الأمريكية، والجهود الأردنية لا تنكر في محاولاتها المتواصلة لرفع العقوبات عن دمشق او تخفيفها وكذلك العمل على عودة سوريا الى مقعدها في الجامعة العربية. المصالح المشتركة بين البلدين كثيرة وقد خطت العلاقات قبل أيام باتجاه مهم عبر توقيع اتفاقية استجرار الغاز المصري الى لبنان وكذلك تمرير الكهرباء الأردنية عبر الشبكة السورية الى لبنان، وهناك مصلحة أردنية وسورية بعودة الربط الكهربائي بين البلدين. سوريا بحاجة الى علاقات طبيعية مع الأردن لان عودتها تعتبر احد مظاهر الاستقرار وانتهاء الأزمة السورية. والأردن كذلك بحاجة الى عودة الدفء مع سوريا من اجل بدء البحث في عودة اللاجئين السوريين الى ديارهم وكذلك العودة الى تنفيذ الاتفاق بإعادة ترسيم الحدود الموقع بين البلدين في 2009 وكذلك بحث مسائل المياه العالقة بين البلدين وخاصة في نهر اليرموك والمشاكل التي يواجهها سد الوحدة الأردني المقام على حدود البلدين والذي كان من المفترض أن تستفيد الأردن من مياهه المخزنة وسوريا من كهربائه المولدة. الطرفان يعرفان أن لا مصلحة لهما إلا بعلاقات طبيعية تطلبها سوريا "كاملة" لكنها تعرف ان العقوبات الأمريكية سيف مسلط على عمان قبل دمشق رغم أن الشعبين والحكومتين يحاولان اختراق ذلك، لذا لا بد من عودة العلاقات الدافئة بين البلدين وأولها عودة السفراء عسى أن يكون ذلك أول الخيط.
مشاركة :