تواجه الأمة العربية والإسلامية هجمات فكرية شرسة تستهدف عقول شبابها على الأخص، وتلك الهجمات الفكرية تأتي من الخارج عبر الثقافات والأفكار الغربية التي تحاول أن تجد موطئ قدم على أرضنا وبين عقول شبابنا، كما تأتي أيضًا من الداخل عبر التنظيمات الإرهابية التي تسعى إلى إغواء أبناء الأمة وتجنيدهم لخدمة أهدافها الإجرامية الخبيثة. وساعد التطور التقني والتوسع الهائل في وسائل وبرامج التواصل الاجتماعي وتعاظم دور وسائل الإعلام على تزايد شراسة الغزو الفكري الذي يتعرض له الشباب. وعبر آراء العديد من التربويين وأساتذة الجامعة طرحت «المدينة» قضية الغزو الفكري لعقول الشباب، فخرجت بنتائج مهمة من أبرزها دور تفعيل دور الأسرة والعائلة والجامعات ووسائل الإعلام في توعية الشباب واحتضانهم وتحصينهم فكريًا إزاء ذلك الغزو وتلك الهجمات. دور الجامعات «الجامعات تقوم بدور مهم في مواجهة الغزو الثقافي للشباب العربي، من وجهة نظر الدكتورة ماجدة بنت إبراهيم الجارودي، أستاذ الإدارة التربوية المساعد بجامعة الملك سعود، التي تؤكد أهمية دور عضو هيئة التدريس في الحوار مع طلابه لإثارة حديث يتعلق بما تواجهه الأمة من هجمات فكرية لا تتوقف عند حد القراءة بل تتعداه لكل وسائل التواصل وبالأخص الهواتف الذكية التي يحملها كل فرد كبيرًا كان أو صغيرًا في عصرنا الحاضر. وأشارت الدكتورة الجارودي إلى أهمية الحديث عن البرامج العامة كالواتساب وتويتر وفيسبوك وهي الأكثر شيوعًا بين الشباب لافتة إلى أن هذه الوسائل قد أصبحت من لوازم الحياة التقنية في العصر الإلكتروني. وأكدت ان أهم ما يجب التحدث عنه هو الرسائل المغرضة التي يتم بثها عبر هذه البرامج والتي قد تثير بلبلة فكرية أو تدعو للعصيان أو تشكك في ولاة الأمر أو تدعو للعنصرية الدينية والقبلية عبر رسائل تبدو بريئة في ظاهرها ولكنها حين يتم تداولها بالارسال غير الواعي من صديق لصديق ومن مجموعة لأخرى تساهم في بذر الشقاق والتمرد وعدم الرضا بالواقع وبما نعيش. وقالت الاستاذة الجامعية: إن توعية الشباب يأتي لمنع النميمة والغيبة ونشر الشقاق بين الإخوة، بطريقة خبيثة لا نشعر معها بأننا نفعل هذا. فقد قال عليه افضل الصلاة والتسليم (كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع)، وهذا هو تمامًا ما يحدث في الواتس اب وغيره. الحوار الإيجابي وشددت الدكتورة الجارودي على أهمية الحوار الإيجابي مع الطلاب سواء داخل القاعات الدراسية أو خارجها، والاحتكاك الفكري معهم، وتنوع أساليب التعامل حسب نوعية عقلياتهم التي يحبذ أن يتعرف إليها عبر التعامل اليومي معهم، والوقوف على ميولهم واتجاهاتهم وتوجيهها التوجيه الصحيح بما يتناسب مع ثقافة المجتمع من أعراف وقيم ومبادئ وتقاليد، وزرع الوازع الديني بطريق غير مباشر في نفوسهم. وان يكون لدى المعلم العلم والمعرفة والخبرة، لجذب الطالب لإقامة حوار معه، والتأثير في معرفته وعلمه ونظرته الفكرية لما حوله من مظاهر وأحداث، فالمعلم حجر الزاوية في تشكيل شخصية الطالب وسلوكه وفكره إن صلح فكره صلح فكر طلابه والمجتمع بأكمله. الحراك الفكري وتؤكد الدكتورة هالة فوزي ،استاذ مساعد ادارة وتخطيط بجامعة الملك خالد، ضرورة تفعيل الحراك الفكري الذي تتبناه الجامعات، كونها الاقدر على إحداث التغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. وفالجامعة تمثل المؤسسة الثقافية المنوط بها الانارة العلمية والفكرية للمجتمعات، وهي محرك أساسي للانطلاقات والتغيرات الفكرية، فدورها لابد أن يكون إثراء الحراك بشتى أنواعه من خلال منهجية واضحة، وكذلك تنظيمه، وهي مؤسسة لصياغة الوعي. التربية الأسرية ويوضح الدكتور غرم الله العلياني،عميد شؤون الطلاب والمتحدث الرسمي ومدير الاستثمار بجامعة بيشة، أهمية فاعليات التربية الأسرية التي تشمل جميع أفراد الأسرة الصغيرة المتمثلة في المقيمين بالمنزل والكبيرة التي تشمل المحيط الأسري العائلي لمواجهة الغزو الفكري. وحذر الدكتور العلياني من جماعات التطرف التي تحاول إغواء الشباب من خلال قيادة مفتعلة تجذبه لوضع اجتماعي يبغاه وهو مهمش في اسرته فتختطفه تلك الجماعات وهي مدربة وتستخدم اساليب علمية نفسية كغسيل المخ وتنمية الرغبة في تحقيق الذات والفرد وهي تعلم خصائص المراهقة وتلعب على الوتر الحساس فيها. وشدد على اهمية دور المؤسسات التربوية في تقديم برامج ارشادية تبصر الآباء بمثل هذه الأشياء قبل فوات الأوان، فالشاب مهمش في اسرته يخشى عليه ولكن لابد من ان نعرضه لتجارب وخبرات تحت متابعة واشراف، كي لا يكون أداة لتحقيق أغراض الآخرين. دور وسائل الإعلام وتنتقد الدكتورة شيخة البريكي وكيلة كلية التربية ببيشة استاذ مساعد أصول التربية الاسلامية، الدور المفقود لوسائل الاعلام في التوجيه الفكري للشباب من حيث التأثير الإيجابي، باعتبارها من أكثر المؤسسات التربوية تأثيرًا على الشباب في هذا العصر؛ فتستهلك معظم أوقاتهم، ويحرصون على متابعتها بشغف، وتمثل عامل قوي في تشكيل كثير من أفكارهم واتجاهاتهم، وخاصة فيما يتعلق بمحاكاتهم للمجتمعات الغربية، والتي يظنون أنهم أكثر تقدمًا ويتأثرون بفكرهم، دون انتباه لخطورة ما يبث لهم عن قصد أو استهداف لغزو ثقافتهم والتأثير فيها ومحاولة طمسها، في غياب دور الاعلام في تنقية تلك الثقافات قبل بثها وتوعية وتوجيه الشباب من خلال البرامج الارشادية والتوعوية الهادفة. ووفقا للدكتورة البريكي فإن وسائل الإعلام العربية، سلاح ذو حدين في تمكين الغزو الفكري لعقول الشباب، فهي تبث تلك الثقافات وتروج لها أحيانًا، من خلال القنوات الخاصة وبالذات التي تهدف لمقاصد غير سليمة أو متطرفة الفكر أو لتحقيق أغراض خاصة تخدم مصالحها سواء السياسية أو الدينية او الخلقية أو الاجتماعية، وتفرض أفكارها واتجاهاتها بطرق متعددة تستطيع من خلالها النفاذ لعقول الشباب والتأثير فيها. ومن جهة اخرى تتخلى في كثير من الحيان عن دورها في التصويب والتوجيه الفكري لمواجهة هذا الغزو، او لا تقوم به بالصورة المثلى فنادرًا ما نجد البرامج التي تخاطب الشباب بصورة توجيهية وتوعوية مؤثرة. وتنبه الاستاذة الجامعية في نهاية حديثها الى دور البرامج الدينية باعتباره مؤسسة تربوية في تشجيع النزعة الدينية الصحيحة للشباب ومساعدتهم على إقامة الشعائر التي تنمي لديهم خشية الله وتنير قلوبهم للإيمان وتبعدهم عن أي رذيلة أو فكر غير معتدل أو مغالاة دون وسطية.
مشاركة :