حينما تقف متطلعاً نحو حي الطريف في الدرعية، تفخر أن عظمة بلادنا لم تأتِ من فراغ، بل كانت مسيرة تضحية وكفاح، تخللتها تحديات صعبة وتدخلات قوى خارجية، حتى عادت من جديد لتؤسس أعظم وحدة جمعت أبناء شبه جزيرة العرب. تأسست بلدة "الدرعية" وسط نجد، على يدي الجد الثاني عشر للملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود؛ الأمير مانع بن ربيعة المريدي عام 1446م، ثم في منتصف عام 1139م أسس الإمام محمد بن سعود إمارة الدرعية معلنا بداية الدولة السعودية الأولى حتى عام 1818م، معتمداً على القرآن الكريم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم دستوراً للإمارة، ما ساهم بإرساء الأمن والاستقرار في أغلب أرجاء الجزيرة العربية، بعد قرون موحشة من التشتت والفرقة والخوف، حتى سقوطها على يد الجيوش العثمانية. لكن لم تمضِ سوى سبع سنوات على انتهاء الدولة السعودية الأولى حتى تمكّن الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود عام 1824م من استعادتها وتأسيس الدولة الثانية التي استمرت إلى عام 1891م. والتي بعد انتهائها بعشر سنوات عاد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود عام 1902م إلى الرياض، ليؤسس الدولة السعودية الثالثة ويوحدها باسم المملكة العربية السعودية عام 1932م ثم حمل الراية من بعده أبناؤه الملوك - رحمهم الله - واستمروا في تعزيز وحدة المملكة ومسيرة تنميتها. ونظراً لرمزية تاريخ التأسيس الأول للدولة السعودية وتعزيزاً لعمق الهوية الوطنية أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أمراً ملكياً بتخصيص يوم الـ22 من فبراير من كل عام يوماً لذكرى تأسيس الدولة السعودية، باسم (يوم التأسيس)، والذي اختير نظراً لأن شهر فبراير من العام 1727م يوافق منتصف عام 1139هـ حينما أسس الإمام محمد بن سعود الدولة السعودية الأولى، وهي ممارسة مشابهة للعديد من الأيام التذكارية في العالم، مثل يوم التأسيس الوطني في اليابان، الذي يقع في 11 فبراير من كل عام، ويوثق ذكرى بداية سلالة أباطرة اليابان ست مئة عام قبل الميلاد، والرائع في الأمر أن الأمر الملكي جعل يوم التأسيس يوم إجازة وطنية، مما يفسح المجال للتفاعل الشعبي. والحقيقة أنني بحكم اهتمامي الإعلامي متشوق لمشاهدة الأعمال الفنية التي سوف تبث في هذه المناسبة، خاصة أنها المرة الأولى، وحتماً سوف يتحفنا أبناء الوطن كما هي عادتهم بالرائع والمميز، ما يزيد ألق المناسبة ويؤكد أثرها الاتصالي داخل المملكة وخارجها. بلادنا ليست دولة طارئة على التاريخ، بل مُنطلق أعظم إحدى قصص التوحيد في عصرنا الحاضر، تلكم الدولة التي أسست منذ نحو ثلاثة قرون، وكانت ولا تزال مضرب مثل في التعاضد والتعاون بين الأسرة الحاكمة وأبناء شعبها، الذي ساهم كل مرة في عودتها واستمرارها، وهي اليوم - ولله الحمد - في أوج نجاحها وازدهارها.
مشاركة :