خبراء يناقشون تحديات الثقافة والهوية العربية في ظل العولمة

  • 1/30/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

عقد مركز «تريندز» للبحوث والاستشارات، بالتعاون مع مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري، أمس، ندوة بعنوان: «الثقافة والهوية في ظل العولمة والثورة المعرفية»، وذلك ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب، بقاعة «ضيف الشرف». وتطرقت الندوة لأحد أهم الملفات التي تواجه الدول العربية نتيجة الثورة الرقمية الحالية من خلال الاستماع إلى لفيف متميز من الخبراء والمفكرين والأكاديميين المصريين والعرب. وبدأت الندوة بكلمة افتتاحية وترحيبية لكل من أسامة الجوهري، مساعد رئيس مجلس الوزراء، رئيس مركز المعلومات، والدكتور محمد عبد الله العلي، الرئيس التنفيذي لمركز «تريندز» للبحوث والاستشارات، وأدارها الإعلامي الكويتي الأستاذ محمد الملا. وعبّر الدكتور محمد عبدالله العلي، عن سعادته بالمشاركة مع مجلس الوزراء ومركز دعم اتخاذ القرار في مصر لتنظيم هذه الندوة، من خلال المحاور التي تناقشها، والتي تسلط الضوء على أفكار هذه الندوة كافة، من علاقات وتأثيرات وكيف نستفيد منها في خدمة الإنسان أينما كان، والتي تعد إضافة نوعية للحراك الثقافي والمعرفي. وأكد ضرورة أن تنهض مراكز الفكر والرأي والدراسات بدورها المهم في الإسهام الرائد لخلق بيئة صحيحة وراعية تشتمل على مدخلات مهمة ودقيقة نحو استدامة التنمية وإرساء نظم التسامح نحو التعايش بين مختلف الثقافات باعتبارها الأساس في تحقيق السلام والازدهار في العالم. وشدد على أنه في ظل دولة المعلومات الواسعة والتقدم التكنولوجي متسارع الخطى، تتضاعف المسؤولية على مؤسسات الفكر والرأي، ويتعاظم المطلوب منها، مشيراً إلى أن هذه التحولات المتسارعة تتطلب أن تكون مؤسسات الفكر والرأي في المقدمة، وتكسبها أهمية خاصة، وتشكل سنداً نوعياً لصناع القرار، لمنحهم المعلومات المطلوبة والمفيدة حول المجتمعات التي يسعون للنهوض بها لتعينهم على رسم وتخطيط السياسات المطلوبة. وأشار العلي إلى أن ثمة دعوة مثيرة للهويات الثقافية تنطلق من تدني الوعي، مشدداً على ضرورة رفض هذه الدعاوى والرد عليها وتحديد مفهوم الهوية والثقافة اللتين تشكلان من عملية التأثير والتأثر، ومن عملية الاستجابة لكثير من العوامل التي تتكون الثورة المعرفية والعولمة منها، مؤكداً أن هناك علاقة مضطربة بين الهوية والثقافة من جهة، والعولمة والثورة المعرفية من جهة أخرى، وأن هذه العلاقة تتخذ طبيعة تبادلية في مستواها الافتراضي، مشدداً على أنه ينبغي أن تنتفع الثقافة والهوية من إمكانات العولمة والثروة المعرفية، ما يسمح بتبادل التأثير والتأثر فيما بينهما. بدوره، قال أسامة الجوهري: إن أهم ما يميز هذه الندوة هو التشارك البناء بين المجلس ومركز تريندز، فضلاً عن مشاركة نخبة متميزة من أهل الفكر، بهدف التطرق إلى أهم التحديات التي تواجهنا. ولفت الجوهري إلى أن الهوية المصرية لا تنفصل دوماً عن الهوية العربية، والتكاتف لا يتحقق إلا بالجهود المخلصة بيننا، مستطرداً: مناقشتنا اليوم لترسيخ هويتنا الثقافية المشتركة. وسلط حمد الكعبي، رئيس تحرير صحيفة الاتحاد، الضوء على موضوع «دور الثقافة والإعلام في تعزيز الهوية الوطنية: كيفية التفعيل»، حيث بدأ حديثه بجملة لجوزيف جوبلز: «أعطِني إعلاماً بلا ضمير أُعطِك شعباً بلا وعي»، مضيفاً: «أعتقد أن الضمير هو الثقافة الخاصة بالمجتمع، والتي هي المكون لكل أشكال المجتمع، من الملبس والمأكل وأدبه ونصوصه وثقافته وكل ما يحتويه المجتمع فهو ثقافة». وأضاف الكعبي: «نحن عندما نتكلم عن دور الثقافة والإعلام في تعزيز الهوية الوطنية، ندرك أهمية الإعلام في حياة الشعوب، وكذلك الثقافة، ولكن من واقع تجربتنا كإماراتيين لدينا الكثير من التجارب التي عززت لدينا الهوية الوطنية، على الرغم من التعدد الثقافي في دولة الإمارات من مختلف الأطياف، حيث يعيش في الإمارات أكثر من 200 جنسية، على اختلاف أديانهم وثقافاتهم وأعراقهم، ولغاتهم وآدابهم، وبالرغم من ذلك نجد أن الهوية الوطنية في الإمارات تزداد ترسخاً». وسرد الكعبي بعض الخطوات العملية في مجال الإعلام في تعزيز الهوية الوطنية، مشيراً إلى أنه في العام 2017 أطلقت القيادات الرشيدة في دولة الإمارات عاماً كاملاً خُصص لعام الخير، منوهاً بأن هذا العام كان فرصة لترسيخ قيمة العطاء الإنساني، وهي أحد مكونات وسمات الهوية الإماراتية. ونوه بأنه في العام نفسه 2017 تم إطلاق عام الشيخ زايد، مؤكداً أن شخصية الشيخ زايد جزء رئيسي من هوية وتكوين دولة الإمارات في كل مراحلها، وفرصة للاحتفاظ بالمؤسسين في هذا العام، مضيفاً «كان فرصة كبيرة أيضاً للإعلام الإماراتي لتقديم إنجازات هذا القائد المؤسس للأجيال الجديدة، وتعزيز الهوية ضمن حجم ما أنجز من خطوات تاريخية في التأسيس والتنمية والتمكين». وأشار الكعبي إلى أن الإعلام الإماراتي يركز دائماً على قصص النجاح في مجالات كثيرة، وعلى سبيل المثال حينما تم إطلاق مسبار الأمل لاكتشاف كوكب المريخ 2021، فكان يصادف ذلك تشكيل هوية إماراتية عربية من خلال هذا الحدث العالمي المهم والكبير، مشيراً إلى نماذج أخرى في الإعلام تم تقديمها للعالم، ففي عام 2019 قدم الإعلام الإماراتي محتوى معرفياً كثيفاً حول أهمية التسامح والتواصل الإيجابي بين أتباع الديانات، بما يرسخ جذور الانفتاح والتسامح كمكون جوهري في الثقافة الإماراتية. ولفت الكعبي إلى أن «وثيقة الأخوة الإنسانية» التي وقعها شيخ الأزهر الشريف وبابا الكنيسة الكاثوليكية في 4 فبراير 2019 في أبوظبي، أصبحت رافداً مهماً يرسخ مكون التسامح والحوار والانفتاح على الهوية الإماراتية، مشيراً إلى أنه في أكتوبر 2021 انطلقت فعاليات «إكسبو 2020 دبي» في ظل استمرار جائحة «كورونا»، كمنصة عالمية للتواصل مع الآخر من أجل مستقبل أفضل للبشرية، وكان شعاره «تواصل العقول من أجل المستقبل»، مؤكداً أن مشاركة 194 دولة في «إكسبو» ترسخ في الهوية الإماراتية قيمة العمل الإيجابي والتفكير في مواجهة التحديات التي تواجه العالم. وأكد أن جائحة «كورونا» مثال آخر على تعزيز الهوية حيث ركز الإعلام الإماراتي بشكل كبير على الوحدة بين جميع المؤسسات لمواجهة هذه الجائحة، مؤكداً أن الإعلام والثقافة هما رافدان يصنعان الهوية بالتأكيد على المنجزات، والتذكير بما قدمه مؤسسو الدولة، مختتماً مشاركته بالتأكيد على أن الهوية الوطنية تزداد قوة كلما كانت مقدمة لجمهور لا يعرف المستحيل، «وهذا ما دأبت عليه الإمارات طوال 50 عاماً الماضية، وستواصل عليه في الخمسين عاماً القادمة». محور عالمي تحدث الدكتور سلطان فيصل الرميثي، الأمين العام لمجلس حكماء المسلمين، عن موضوع «الثورة المعرفية: حدود التأثير على الثقافة والهوية الوطنية»، حيث أكد أننا مطالبون بأن يكون لنا موقف من العولمة. وأشار الرميثي إلى أن العولمة اليوم قدمت نفسها كحركة اقتصادية تجارية عابرة للحدود، وكان هدفها إزالة الحدود بين المنتج والمستهلك، ثم تطور الوضع بعد ذلك، منوهاً بأن صناع القرار في النظم الرأسمالية أيقنوا أنه لا يمكن مواصلة النشاط الاقتصادي أو التجاري من دون ثقافة، ومن دون بيئة تتقبل هذا المنتج، مضيفاً: «العولمة خلقت نوعاً من القبول المجتمعي، ونمطاً من التفكير المنهجي، وخلقت قيماً وأخلاقاً تسمى قيم الأخلاق العالمية»، مؤكداً أن العولمة اليوم بصورتها الحالية تستهدف إدارة الهويات القومية والمجتمعية. ولفت الرميثي إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة تقدم نفسها للعالم على أنها دولة التسامح والتعايش، مشيراً إلى أن البعض يعتقد أن هذه الشعارات «التسامح والتعايش» من الكماليات والرفاهيات، ولكن لو نظرنا إليها في إطار العولمة، نجد أهمية التسامح والتعايش التي تؤمن بها دولة الإمارات والتي تؤكد أنها تستطيع التعامل مع العولمة. وأضاف: «التسامح والتعايش يؤكدان قبول الخصوصيات، بينما العولمة تحاول توحيد العالم بلون واحد ولكن التسامح والتعايش يبدأ بقبول التوعية الثقافية للمجتمعات والأديان والأعراف، والحفاظ على التنوع الثقافي واستثماره، وكذلك تشجيع ثقافة العمل المشترك، والحوار ما بين المتنوعين وليس المختلفين فقط، لتعميم الفهم بين الهويات الثقافية المتنوعة لفهم الآخر»، مشدداً على أن هذا كله يؤكد ضرورة التعايش والتسامح في الدول للتعامل مع المتغيرات الدولية. نموذج ملهم أكد المهندس جمعة مبارك الجنيبي، سفير الدولة السابق لدى مصر، عضو مبادرة خبراء «تريندز» العالمية، خلال مشاركة في جلسة بعنوان «المواطنة العالمية وقضية الهوية الوطنية»، أن دولة الإمارات تمثل نموذجاً ملهماً للدول التي تؤمن بأن المواطنة الصالحة والإيجابية التي تجسد معاني الهوية الوطنية الحقة داخل المجتمعات، تتكامل وتعزز الأهداف التي تعمل من أجل تحقيقها المواطنة العالمية، ولاسيما في مجال تعزيز التنمية والاستقرار والرخاء العالمي. وأضاف الجنيبي: «تعمل دولة الإمارات في المسارين بسياسات بناءة ومبادرات خلاقة تستهدف تعزيز الهوية الوطنية في الداخل، وفي الوقت نفسه دعم الجهود والمبادرات العالمية التي تستهدف خلق المواطن العالمي الإيجابي الحريص على تحقيق أمن ورخاء الإنسانية كلها ودعم قيم التسامح والحوار بين الثقافات والأديان والحضارات، في إطار من التعددية الفكرية والثقافية التي تؤمن بها الإمارات». وأشار الجنيبي إلى أن الإمارات تمثل في الداخل نموذجاً خلاقاً في التلاحم الوطني الفريد الذي يجسده التفاف الشعب حول قيادته وولاؤه لها وانتماؤه لوطنه، واهتمام القيادة الرشيدة بتحقيق طموحات الشعب في الرخاء والتنمية والازدهار، حتى أصبح الشعب الإماراتي من أكثر شعوب الأرض سعادة. ورصد الجنيبي العديد من المبادرات الخلاقة التي أطلقتها الدولة والتي تستهدف تحقيق الأهداف التي تنشدها المواطنة العالمية الإيجابية وأبرزها: إعلان أبوظبي حول الأخوة الإنسانية الصادر خلال زيارة قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية وفضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، لدولة الإمارات في فبراير 2019، والذي شكل نقلة نوعية في مفهوم التسامح وتجسيد مفهوم المواطنة في بعدها العالمي. وقال الجنيبي: إن الاختلاف بين الكيانات والثقافات البشرية المتواجدة في عالم اليوم، واقع حقيقي يصعب غَضُّ الطرف عنه، وهذه الحقيقية تفرض على البشرية جمعاء ضرورة الاصطفاف خلف ثقافة متسامحة تؤمن بالتعددية الثقافية كأساس للتعايش بين البشر والعمل معاً من أجل مواجهة التحديات المشتركة التي تواجه البشرية في مناخ من التسامح والقبول بالآخر. وأضاف: «إن ما نسعى إليه ونؤمن به هو مواطنة عالمية واحدة ذات هويات متعددة أكثر تسامحاً وتعايشاً واحتراماً للآخر وانفتاحاً عليه، ساعين من خلف ذلك الاندماج في المجتمع العالمي دون إفراط في التفاؤل، أو تفريط في خصوصيتنا الثقافية وانتماءاتنا الوطنية»، مؤكداً أن المشتركات بيننا كثيرة ونستطيع العمل من خلالها من أجل مجتمع أكثر أمناً، وبيئة أكثر استدامة، وإنسان أكثر انفتاحاً ووعياً.

مشاركة :