فقدان السيطرة على الحشد الشعبي نتيجة عرضية لتصفية سليماني

  • 2/2/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تُحيل الهجمات المتزايدة التي تنفذها ميليشيات الحشد الشعبي ضد أهداف أميركية أو حكومية إلى استنتاج مفاده أن إقدام الولايات المتحدة على اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وأبومهدي المهندس رئيس كتائب حزب الله العراقي والرئيس الفعلي للحشد، قد أعطى نتائج عكسية. وتسببت عملية القتل التي أمر بها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في تصاعد التحديات الأمنية التي تواجه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، لكنها أفضت أيضا إلى حدوث انقسامات داخل قوات الحشد الشعبي ما يشكل تهديدا متزايدا لأمن العراقيين الذين يحدوهم الأمل في غلق قوس ما يقارب العقدين من الحرب والإرهاب. لا شك في أن التهديدات الأمنية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط تتزايد في المرحلة الراهنة في ظل الهجمات التي يُنفذها وكلاء إيران في اليمن والعراق وغيرهما، وهو ما يشكل اختبارا صعبا لحكومات المنطقة التي تواجه أصواتا تطالب بتحجيم تلك الميليشيات. ويرى خبراء أن استمرار مراهنة إيران على تلك الجماعات المسلحة مثل ميليشيات الحشد الشعبي في العراق لن يزيد الشعب العراقي سوى انعدام للأمن وتحويل بلادهم إلى ساحة معركة بين واشنطن وطهران. وقال محمد سلامي، وهو باحث حاصل على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية ومتخصص في سياسة الشرق الأوسط، لاسيما سوريا وإيران واليمن ومنطقة الخليج العربي، “ما دامت إيران تواصل ممارسة نفوذها الواسع على العراق وتستخدم الأراضي العراقية في صراعها مع أميركا، لا يمكن تحقيق الأمن”. مخاطر أمنية المنطقة الخضراء لم تعد محصنة المنطقة الخضراء المحصّنة لم تعد كذلك بعد اغتيال سليماني والمهندس بدا أن الحشد الشعبي يسعى بقوة أكبر إلى تحقيق الهدف الاستراتيجي للمرشد الأعلى الإيراني خامنئي: انسحاب جميع القوات الأميركية من العراق. وقد استهدفت ميليشيات الحشد الشعبي مرارا السفارة الأميركية والمنطقة الخضراء في بغداد (التي تضم وكالات حكومية وسفارات أجنبية) والقواعد الأميركية. وردت الولايات المتحدة بالمثل وقصفت مواقع قوات الحشد الشعبي في أجزاء مختلفة من العراق. وهكذا أصبح الوضع الأمني الهش في البلاد رهينة لهجمات من كلا الجانبين. وفي نفس الوقت لام رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الولايات المتحدة على انتهاكها السيادة العراقية من خلال شن عمليات أحادية الجانب داخل البلاد، وواجه في الوقت نفسه مطالب الولايات المتحدة التي أضنت حكومته والتي تريد بذل المزيد من الجهد لوقف هجمات قوات الحشد الشعبي على أهداف أميركية. بعد اغتيال المهندس وسليماني بدا إصرار الحشد الشعبي على تحقيق الهدف الرئيسي للمرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي أقوى بكثير، وهو إخراج القوات الأميركية من العراق وكان البرلمان العراقي قد وافق على انسحاب القوات العسكرية الأجنبية بعد يومين فقط من عملية الاغتيال. وفي أعقاب الحوار الاستراتيجي الأميركي – العراقي الذي بدأ في يونيو 2020، أخلَت الولايات المتحدة بعض قواعدها للمرة الأولى منذ 2003 لتسليمها إلى الجيش العراقي. إلا أن الانسحاب النهائي بحلول الحادي والثلاثين من ديسمبر من العام الماضي والذي تم الاتفاق عليه في يوليو توقف، وبقي الجنود الأميركيون البالغ عددهم 2500 جندي في العراق وما عادوا يضطلعون بدور قتالي بل بقوا “لتقديم النصح والمساعدة والتمكين” للجيش العراقي. وقوبل “شبه الخروج” هذا برد فعل شديد اللهجة من الحشد الشعبي، الذي هدد بمعاملة القوات الأميركية كمعتدية إذا لم تنسحب تماما من العراق. وقال نائب الأمين العام لحركة النجباء نصر الشمري إن “استهداف الاحتلال الأميركي في العراق شرف عظيم، ونحن ندعم الفصائل التي تستهدفه”. وتؤكد هذه التهديدات خطر وقوع المزيد من المواجهات بين الميليشيات والولايات المتحدة واحتمال المزيد من انعدام الأمن للعراقيين العاديين. كما يؤكد الهجوم الذي وقع يوم الجمعة على مطار بغداد وسقط فيه ما لا يقل عن ستة صواريخ على المدرج والمناطق القريبة من الجانب غير العسكري، مع صور تظهر الأضرار التي لحقت بطائرات الركاب المتوقفة، مدى هشاشة الوضع الأمني. وفي أحدث تصعيد ضد الولايات المتحدة وحلفائها، وكذلك المؤسسات الحكومية العراقية، ضربت ستة صواريخ مطار بغداد الأسبوع الماضي مما ألحق أضرارا بطائرتين تجاريتين تابعتين للخطوط الجوية العراقية، شركة الطيران الوطنية الرئيسية. خلافات الكاظمي والحشد ملهم الأجيال الضالة ومفتت الأوطان ملهم الأجيال الضالة ومفتّت الأوطان يرى سلامي في تقرير نشرته مؤسسة “عرب دايجست” أن الخلافات بين قوات الحشد الشعبي والحكومة برئاسة الكاظمي سبب آخر أسهم في تزايد انعدام الأمن في فترة ما بعد الاغتيال؛ حيث كانت الميليشيات الموالية لإيران تتمتع بعلاقة تنافسية مع رئيس الوزراء، واشتدت هذه المنافسة بعد الاغتيال. وبالفعل تعتبر مجموعات الحشد الشعبي الكاظمي مواليا للولايات المتحدة، وترى أنه يسعى للحد من نفوذ الجماعات الشيعية المتشددة في العراق. وكانت بداية الخلافات فعليا بين الطرفين في مارس 2020، عندما رفضت الفصائل الشيعية الرئيسية ترشيحه لرئاسة الحكومة، متهمة إياه بأنه مقرب بشكل مفرط من الولايات المتحدة. ثم وافق ائتلاف الفتح -المؤلف من مجموعات شيعية مهمة قريبة من إيران- لاحقا على ترشيح الكاظمي. محمد سلامي: قوات الحشد الشعبي المدججة بالسلاح لا تزال تشكل تهديدا أمنيا كبيرا للعراق ومع ذلك لا تزال التوترات قائمة حيث يسعى الكاظمي لتحقيق توازن بين إيران من جهة والولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى. وتصاعد الخلاف بين الحشد الشعبي ورئيس الوزراء العراقي في مايو من العام الماضي عندما ألقت الشرطة القبض على قاسم مصلح الخفاجي، قائد الحشد الشعبي في محافظة الأنبار، وذلك على خلفية اغتيال ناشط عراقي بارز. وردا على ذلك اقتحمت قوات الحشد الشعبي المنطقة الخضراء وسيطرت عليها. ولم يجد الكاظمي، الذي لا يريد تصعيد النزاع، دليلا ضد مصلح وأفرج عنه بعد 14 يوما. وفي نوفمبر 2021 استُهدف الكاظمي بمحاولة اغتيال إثر اشتباكات بين مختلف الأطراف العراقية احتجاجا على نتائج الانتخابات النيابية. وكانت المحاولة الفاشلة -التي تمت في مقر إقامته في بغداد عن طريق هجوم بطائرة مسيّرة مفخخة- تطورا مزعجا للعراق اليوم. ونُسب الهجوم إلى ميليشيا الحشد الشعبي. وفي ما يتعلق بقوات الحشد الشعبي يعتقد رئيس الوزراء أن عليها الخروج من المسرح السياسي. كما يعتقد أنه يجب تحرير قوات الحشد الشعبي من الانتماء الحزبي وأن تسيطر عليها الحكومة بالكامل. وهذا يعني أن ميزانيتها ستأتي من الحكومة وليس من مصادر خاصة أو دول أخرى. وفي هذا الصدد يسعى الكاظمي لتعزيز سيطرة الحكومة على المعابر الحدودية لمكافحة الفساد والتهريب. وتستخدم الميليشيات المعابر، بما في ذلك تلك التي تفيد التقارير بأنها نشطة عند معبر ديالى الحدودي مع إيران. وإذا كانت الحكومة تسيطر بشكل فعال على هذه القنوات الحيوية، فإن التدفقات المالية من التهريب التي تستفيد منها الميليشيات ستنخفض على المدى الطويل بينما ستستفيد الخزائن الفيدرالية بشكل مباشر. انقسامات الحشد الداخلية الولاء لإيران قبل الوطن الولاء لإيران قبل الوطن يبدو أن اغتيال المهندس أفضى ليس فقط إلى إصرار أكبر من ميليشيات الحشد الشعبي على التسبب في مشكلات للقوات الأميركية، وإنما أيضا أحدث انقسامات داخل الميليشيات نفسها؛ حيث كان شخصية كاريزمية قادرة على التوسط بشكل أكثر فاعلية من أي شخص آخر بين مختلف الجماعات العراقية، من رجال الدين الشيعة في النجف إلى ساسة الحكومة العراقية والمسؤولين الإيرانيين. وحاولت القيادة السياسية لقوات الحشد الشعبي، بمن في ذلك رئيسها فالح الفياض، أن تظهر نفسها على أنها ملتزمة بالقانون وتقبل بسلطة رئيس الوزراء. في المقابل اتخذ فصيلان قويّان في الحشد الشعبي، هما كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، موقفا متشددا، مؤكدين على المقاومة المسلحة ضد القوات الأميركية. ولم تسفر جهود طهران للتوسط بين قادة الفصيلين والحكومة العراقية عن نتائج تذكر. الخلافات الداخلية حول السيطرة الإيرانية تسببت في انشقاق أربعة ألوية من الحشد الشعبي وتشكيل هيكل يسمى حشد العتبات، وكانت نيتهم نبذ النفوذ الإيراني مع دعم الدولة العراقية وسيادة القانون وفي غضون ذلك تسببت الخلافات الداخلية حول درجة السيطرة الإيرانية في انشقاق أربعة ألوية من الحشد الشعبي وتشكيل هيكل جديد يسمى حشد العتبات. وكانت نيتهم ​​المعلنة نبذ النفوذ الإيراني مع دعم الدولة العراقية وسيادة القانون. وانفتح شق آخر في الحشد الشعبي على مجموعات مثل كتائب حزب الله من جهة، وبدر وعصائب أهل الحق وسرايا السلام من جهة أخرى، بسبب سوء إدارة كتائب حزب الله للعلاقات في هيئة الحشد الشعبي بعد موت المهندس. وفي حين أنه من غير المفاجئ أن تسيطر كتائب حزب الله على عدد من الوظائف الهامة في قوات الحشد الشعبي (مثل الشؤون الداخلية والاستخبارات) بالنظر إلى أن المهندس أسس المجموعة قبل تولي قيادة الحشد الشعبي، إلا أنها تمكنت من ممارسة السيطرة بطريقة أبقت الفصائل الأخرى ضمن المجموعة. لكن فرض كتائب حزب الله في فبراير 2020 لقائد آخر (أبوفدك المحمداوي) كي يخلف المهندس في هيئة الحشد الشعبي أدى إلى نفور مجموعات رئيسية مثل بدر وعصائب. ورأى سلامي أنه “من الواضح أن قوات الحشد الشعبي المنقسمة بشدة والمدججة بالسلاح لا تزال تشكل تهديدا أمنيا كبيرا في البلاد”. وأعلن دونالد ترامب عن اغتيال سليماني والمهندس في الثالث من يناير 2020، وقال “إننا نشعر بالارتياح لأن عهد (سليماني) الإرهابي قد انتهى”. لكن بعد مرور عامين على مقتل قائد الحرس الثوري الإيراني ورئيس قوات الحشد الشعبي لا يشعر العراقيون بهذا الارتياح حيث تتزايد المخاطر الأمنية أكثر فأكثر.

مشاركة :