خليفة بن عبيد المشايخي khalifaalmashayiki@gmail.com كثيرٌ من النَّاس قد رزقهم الله سبحانه وتعالى بأولاد بين بنين وبنات، ويحبون أولئك البنين حبًا جمًا ليس فيه مساومة ولا تشكيك، ولا يمكن أن يصدر من أولئك الآباء أي أذى أو تقصير تجاه أبنائهم؛ لأنهم في الحقيقة عقلاء وسليمو الفكر والفهم والنهج والمسار والسلوك والصفات، ولأن الأبناء فلذات الكبد، فلا يتوقع أن يوجد أب صحيح العقل لا يحب أبناءه ولا يفكر فيهم ولا يهتم بهم. لكن للأسف ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فإن كان هناك رجل والنعم فيه، قد لا تكون شريكته مثله، وإن كانت هناك امرأة والنعم فيها، قد لا يكون شريكها مثلها إلا ما ندر، ومن المئة ربما تجد بعضاً من البيوت متكافئة وليس فيها مشاكل ولا منغصات، ويسود أفرادها وساكنوها احترامًا وتقديرًا قلَّ نظيره ومثيله، نتيجة من في البيت هي من ذوات "اظفر بذات الدين تربت يداك" والعكس صحيح. ورغم ذلك، فالحياة ماضية، والبيوت أسرار، والناس مخابر لا مناظر ومظاهر، وكل يظهر بمخبره، وكل إناء بما فيه ينضح، ورغم ما يحدث في هذه البسيطة التي هي حياتنا الدنيا من بلاوي ومشاكل وقضايا ومصائب، إلا أنها لم تعد كافية لأخذ العبر والعظات والتعلم منها. فكل يوم نجد المحاكم تضج بالمتقاضين في القضايا المختلفة، وقضايا النفقة على الأولاد باتت تؤرق الكثير من الآباء، وتصنف على أنها أضحت حربا لتصفية الحسابات ولانتقام أحدهم من الآخر، ويكون الضحية في هذه المسألة، هم الأبناء الذين هم ضحية الطلاق والتفكك الأسري. إننا في هذا الوقت يكاد لا نجد مركز شرطة يخلو من سجين نفقة شرعية تعسّر عليه الإنفاق على أولاده، أو غير قادر على تكملة باقي النفقة، فأحيانًا يكون راتب الأب ضعيفاً جدًا، ومع ذلك يجبر على أن يدفع نفقة كبيرة فوق طاقته، وإلا يُسجن، ومعه زوجة وأولاد آخرين، ومصاريف والتزامات كثيرة، كإيجار بيت وفواتير كهرباء ومياه وغيرها، ونجد في حالات كثيرة، أن الأم تستفيد من النفقة في أمور كثيرة، ليس لها علاقة بالأولاد، ولا تدخل في معيشتهم، ولا في مجالات وجوانب تخص الأبناء. ومنهن من تنظر إلى النفقة على أنها فرصة للانتقام من أبي أبنائها، فكلما تأخر عن النفقة أو تكملة جزء منها، تذهب للمحكمة وتستصدر تنفيذ حكم ومن ثم يصدر تعميم ومذكرة إلقاء القبض على الأب، فيُقبض عليه في أماكن عمله أو كسب معيشته، ويؤتى به من مسافات وأماكن بعيدة، مقيدًا ومن دورية إلى دورية، والأولاد والبنات يعلمون بذلك، ضاربة تلك الأم بسنوات العشرة بينهم عرض الحائط. وحينما يُودع الأب في السجن يظل مهمومًا حزينًا يفكر طوال اليوم فيما هو فيه، ويحدث نفسه متسائلًا: كيف يرضى أبنائي لي السجن والإهانة؟ فيبقى جلَّ وقته متحسفًا غاضبًا ساخطا عليهم؛ لأنهم لم يمنعوا أمهم من القيام بما قامت به، كأن يقولون لها هذا والدنا ولا نرضى ولا نسمح أن تسجنيه أو تذليه بسبب المال. حزن الأب على أبنائه يكون أثره سيئًا عليهم، وبسبب تغير قلب الأب عليهم، يحدث ما لا يُحمد عقباه لهم، فيتعثروا في حياتهم، وتصيبهم العلل والأمراض والعاهات والأسقام والمخاطر بسبب الدعوات والكره الذي حاق بقلب الأب، وتغيره عليهم، وبسبب العقوق الذي بدر منهم، وعدم برهم له وإهماله وتهميشه والانتقاص منه. فالأب بذل وأعطى وقدَّم وربّى وتعب وسهر الليالي شأنه شأن الأم، ويستحق الاحترام والتقدير والمراعاة. هنا أقول لطالما النفقة للأبناء فلماذا لا تُسلم لأكبر البنات أو لأكبر الأبناء، ويتم إبلاغهم أن تُصرف كل شهر في أمور معينة، ويقدموا ما يثبت ذلك، ففي هذه الحالة تعويدهم على تحمل المسؤولية، ومن جانب آخر، سيكونون رحماء بأبيهم، وهذا الإجراء سيديم بالحب والمودة والوصال والوئام بين الأب وأبنائه. أو أن تُلزَم الأم بتقديم كشفٍ بمصروفات النفقة أين ذهبت وأين صرفت، للتأكد هل فعلًا ذهبت للأبناء أم لغيرهم ويوضع الأبناء على علم بذلك. حقيقةً.. أقول يجب مراعاة الآباء في مسألة النفقة، خاصة أولئك الذين لم يقوموا بتطليق زوجاتهم، بل هن اللواتي طلبن الطلاق، نتيجة تمرد وجهل وكبر وممارسات خاطئة. ختامًا.. أسأل الله العظيم رب العرش أن يفهمنا ويعلمنا ويرشدنا إلى طريق الصواب، والأبناء نعمة وأمانة، فلا يجب أن يتم التضحية بهم، أو التهور في التفريط بهم، نتيجة شهوات ورغبات وحاجات دنيوية زائلة زائفة، ولنتذكر قول الله تعالى الذي ذكره في القرآن الكريم" استعينوا بالصبر والصلاة " فكل شيء وكل أمر نريده، مطالبين أن نستعين فيه وبه وعليه بالصبر أولاً وتاليها بالصلاة حتى يتحقق، وأن تحل المشاكل بين الزوجين بالعقل والمنطق والحكمة والهدوء والرزانة، وإن لم نفعل ذلك سيضيع منا الكثير، وسنخسر أيضاً الكثير.
مشاركة :