في الوقت الذي يحشد فيه حلف شمال الأطلسي (ناتو) موقفا جماعياً أمام روسيا وسط توقعات الحلف بإقدام الاتحاد الروسي على غزو أوكرانيا، برزت رسائل مختلطة عن ألمانيا أثارت بدورها تساؤلات حول ما إذا كانت برلين ملتزمة بهذا النهج الجماعي. وقال الباحثان ليانا فيكس، الزميلة المقيمة في صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة، وستيفن كيل زميل سياسة الأمن والدفاع في صندوق مارشال، في تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنتريست"، إن الحكومة الألمانية الجديدة تتعرض لانتقادات بسبب سياستها تجاه روسيا خلال واحدة من أسوأ الأزمات في أوروبا منذ حروب البلقان. وقد خلقت الإشارات الأخيرة الصادرة عن برلين بشأن العقوبات وتسليم الأسلحة الدفاعية، حالة من الارتباك عبر المحيط الأطلسي، مما يهدد بقلب الرد الموحد على التوغل الروسي في أوكرانيا. ويقول الباحثان إنه من السابق لأوانه ومن غير المجدي استبعاد برلين والقفز إلى استنتاج يشير إلى أن ألمانيا تبدو شرقية وليست غربية، فموقف ألمانيا في أوروبا وحلف شمال الأطلسي بالغ الأهمية. وينبغي بذل كل جهد ممكن الآن لتعزيز جبهة موحدة والضغط على برلين لبذل ما هو أكثر من الحد الأدنى. ويضيفان أن الأسئلة حول دور ألمانيا تتطلب إجابات سريعة وقوية من قادة ألمانيا الجدد، وإلا فإن هذه الأسئلة سوف تتحول إلى مخاوف، الأمر الذي يضفي الشرعية على الانطباعات بأن ألمانيا حليف ضعيف ويغذي المبالغات في أنها تتخلى عن التحالف الأطلسي تماما. وذهب كل من الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرج ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى برلين للتدقيق في موقف ألمانيا ودعم هذه الدولة الحليفة، وذلك لأن الوضع الراهن مربك. وجاءت مجموعة من الرسائل من المسؤولين الألمان الذين يشكلون حكومتها متعددة الأحزاب، مما جعل من الصعب التمييز بين الأصوات التي تمثل الموقف الرسمي لألمانيا والتي تشكل ضحية مربكة لحكم الائتلاف، وللمرة الأولى في تاريخ البلاد، يحكم ألمانيا ائتلاف من ثلاثة أحزاب. وهناك نزاع سياسي داخل الأحزاب الحاكمة وفيما بينها على حد سواء، فعلى سبيل المثال، أصبح الجناح اليساري في الحزب الديموقراطي الاشتراكي، الذي كان تقليديا أكثر ليونة بشأن روسيا، أقوى في السنوات القلائل الماضية، في حين أن الخضر ابتعدوا كثيرا عن جذورهم السلمية إلى مواقفهم الأكثر براجماتية اليوم. ولم يفض اتفاق الائتلاف الذي يحدد سياسات الحكومة إلا إلى نقاط خلاف، مما أدى إلى الكثير من الارتباك بشأن الديناميكيات الداخلية لدى الحكومة الجديدة. ومع ذلك، أكد المستشار أولاف شولتس، المنتمي للحزب الديموقراطي الاشتراكي، وكذلك وزيرة خارجيته، أنالينا بيربوك، المنتمية لحزب الخضر صراحة أن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة كرد فعل على التصعيد الروسي، ويشمل ذلك إنهاء خط أنابيب الغاز الطبيعي نورد ستريم 2 المثير للجدل مع روسيا، وظل المستشار الألماني صامتا لفترة طويلة للغاية في حين أحدث بعض أعضاء حزبه حالة من الارتباك داخل الائتلاف، الأمر الذي قوض الثقة في وقت كان فيه الأمر بالغ الأهمية. ونتيجة لهذا فإن هذا التشكك لا يزال قائما. ويقول الباحثان إن إيجاد الإجابة الصحيحة على عمليات نقل الأسلحة أكثر صعوبة، حيث ترى برلين أن هذه الأنواع من عمليات النقل تساهم في التصعيد وليس في الردع، حتى أن ألمانيا منعت حليفا آخر، وهي إستونيا، من إرسال دعم الأسلحة إلى أوكرانيا إذا كانت الأسلحة التي يرسلونها مصنوعة في ألمانيا. وعلى الرغم من كل هذه الانتقادات، ليس هناك ما يشير إلى أن ألمانيا تريد أن تكون مسؤولة عن كسر النهج الذي تقوده الولايات المتحدة. وترى ألمانيا أن إعادة روسيا إلى طاولة المفاوضات والابتعاد عن التصعيد العسكري ضرورة دبلوماسية، ليس لأن هذا الشكل أو الاتفاقات المماثلة كانت ناجحة بشكل خاص في الماضي، ولكن لأن كل جهد يمنع أو يؤخر روسيا من التدخل في أوكرانيا يستحق الدفع به. إن التدخل الروسي الأول في عام 2014 أظهر كيف يمكن لسلوك الرئيس فلاديمير بوتن أن يحفز تحولا كبيرا في السياسة الألمانية وتصور روسيا، فقد انفصلت ألمانيا تحت قيادة أنجيلا ميركل عن نموذجها القديم "سياسة الاتجاه شرقا" ووجهت أوروبا نحو سياسة عقوبات مشتركة تجاه روسيا. ويخلص الباحثان إلى أن ألمانيا أمامها طريق طويل لتضطلع بالدور القيادي في أوروبا الذي تولته بنجاح قبل سبع سنوات. وإن التقييم الأولي الصادق لاستجابة ألمانيا لأهم أزمة أمنية أوروبية منذ عقود أمر واقعي.
مشاركة :