قام الروائي والمترجم السعودي عبدالله الوصالي بترجمة كتاب أصيل في جدته النوعية، جدير بالقراءة والدراسة والوقوف على مناطق اشتغاله التي تمثل دراسة بينية بامتياز في عبورها بين الأدب والإبداع والطب الفلسفة وعلم النفس في مزيج فريد كان يمثل تحديًا للترجمة على مستويي الموضوع والحجم غير أن المترجم بوعي منفلت عن السائد أدرك قيمة الكتاب في سياق الواقع العربي الذي لاحظ انكباب القارئ على الفلسفة وتاريخها في محاولة لإرواء ظمأ شديد للفلسفة التي حرم منها طويلاً، لهذا عكف على ترجمة كتاب «بول ب أرمسترونج»: كيف يؤثر الأدب بالدماغ، الذي صدر مؤخرًا عن مركز الأدب العربي للنشر والتوزيع. يختبر بول ب أرمسترونج المتوازيات التي هي بين ملامح معينة من الخبرة الأدبية ووظائف الدماغ، طرحه المركزي هو أن الأدب يؤثر في الدماغ من خلال خبرات الانسجام والتنافر التي تضع قيد العمل التعارضات الأساسية لعمل البيولوجيا العصبية الذهنية، هذه التعارضات تحاور توترات أساسية في عملية الدماغ بين قيادة نمط متحقق، وتكوين آخر، وبين الثبات والحاجة للمرونة والتكيّف والانفتاح للتغيّر. كيف يؤثر الأدب بالدماغ هو الكتاب الأول الذي يستخدم فيه كاتبه مصادر علم الأعصاب والظاهراتية من أجل تحليل الخبرة الجمالية، بالنسبة لمجتمع علم الأعصاب، تقترح الدراسة أن مناطق مختلفة للبحث- بيولوجيا الإبصار العصبية والقراءة، وتداخلات الجسد- الدماغ الأساسية للمشاعر- قد تكون لها صلة بظواهر أدبية وجمالية متنوعة، بالنسبة للنقاد وطلاب الآداب، فالدراسة تشتبك مع الأسئلة الأساسية في الإنسانيات: ما هي الخبرة الجمالية؟ ماذا يحدث عندما نقرأ عملاً أدبيًا؟ كيف يمت التأويل بصلة إلى الطرق الأخرى للمعرفة؟ كتاب أرمسترونج بيان لقيمة الفنون والإنسانيات حيث إن مساعيهم ونتاجاتهم تخلق الأفكار التي هي حرفيّاً المادة الفيزيائية (البيولوجوعصبية) التي صنعنا منها. كما يستكشف أرمسترونج السبل التي ينير بها كلٌّ من علم الأعصاب والنظرية الأدبية، بشكل متبادل، استجابة عمليات القراءة والجماليات الأدبية، لقد أوضح بعض أهم الروابط التي لطالما بحثت بين أهداف النقد الأدبي وعلم الأعصاب الإدراكي، هناك روئ مدهشة في كتاب كيف يؤثر الأدب بالدماغ، ويبدو بوضوح أنه عمل ناقد فذ ذو خبرة علمية في كلا جانبي: العلم والإنسانيات. تتشكل مادة الكتاب موزعة في خمسة فصول مسبوقة بمقدمة المترجم ومقدمة المؤلف: الفصل الأول: الدماغ والخبرة الجمالية، الفصل الثاني: كيف يتعلم الدماغ القراءة، ولعبة الانسجام والتنافر، الفصل الثالث: علم أعصاب دائرة الهرمنيوطيقا، الفصل الرابع: الطابع الزمني للقراءة ولا مركزية الدماغ، الفصل الخامس: العقل الاجتماعي ومفارقة الأنا الأخرى. الكتاب هو العمل الأول للمترجم عبدالله الوصالي الذي درس علم الأعصاب والتشريح ضمن برنامج كلية الطب والعلوم الطبية بجامعة الملك فيصل جامعًا بين الطب والأدب، بعد مشروع سردي تبلور في ثلاث روايات هي: بمقدار سمك قدم 2009، وأقدار البلدة الطيبة 2014، وعشرة أسابيع بجوار النهر 2020، وثلاث مجموعات قصصية: وميض الأزمنة المتربة 2003، وأمشاج 2010، ويوريميا 2019.
مشاركة :