بعد تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة في يناير2021. أعلن جو بايدن، أن أمريكا عادت، ووعد بتحول كبير عن سياسة أمريكا أولا، لسلفه دونالد ترامب، كما وعد بتنشيط علاقات واشنطن الثنائية ومتعددة الأطراف في جميع أنحاء العالم. وخلال عامه الأول في المنصب، واجه العديد من المشاكل المختلفة في الشرق الأوسط، منها محاولة تصحيح الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، في ظل نزاعه مع إيران ووكلائها في وقت يحاول فيه التفاوض معها للعودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015. ومع انتهاء العام الأول من تفاعلات إدارة بايدن في الشرق الأوسط، حاول العديد من المحللين تقييم مدى فعالية وتأثير نهجه، خاصة أنه يواجه الآن انتقادات لعدم إحرازه تقدما على جبهات متعددة. وتدور التعليقات حول التوجه الأمريكي المفترض نحو آسيا، فضلاً عن المحادثات الأوسع نطاقا حول أولويات سياسته الخارجية، والتي أصبحت مرتبكة على الصعيد العالمي. علاوة على تساؤلات عما إذا كانت محاولاته لتأكيد الدبلوماسية والتعددية قد جرى تقويضها؛ بسبب الضرر الذي لحق بسمعة واشنطن، خلال عامه الأول بعد عدة أخطاء فادحة. ووفقًا لـ«جوليان بورغر»، في صحيفة الجارديان، فقد حقق بايدن، بعض النجاحات في عام 2021. بما في ذلك تعزيز الدعم الأمريكي لكييف، وتطوير سياسة متماسكة تجاه موسكو، على عكس سياسته غير المكتملة في الشرق الأوسط. وقد نال الرئيس الأمريكي تعاطف بعض المحللين؛ كونه واجه ظروفا صعبة في المنطقة بتوليه المنصب بعد ترامب. ومن هذا المنطلق، رأى ليوناردو مازوكو، وكريستيان ألكسندر، من مركز تريندز للبحوث والاستشارات، أن لديه إرثا معقدا فيما يتعلق بموقف واشنطن في الشرق الأوسط، يتمثل في نهج سلفه شديد العدوانية في العلاقات الدولية. ورغم انتقاده الكبير لنهج إدارة بايدن في الشرق الأوسط، فقد أقر دانيال برومبرج، من المركز العربي واشنطن دي سي، أن رؤيته للعالم أفضل بكثير من رؤية سلفه، التي تسببت في أربع سنوات من الفوضى على مستوى السياسة الخارجية. ومع ذلك، فإن الانتقادات الموجهة إلى سياسته الخارجية في الشرق الأوسط، تتزايد في ظل تركيز إدارته على الصين، والذي يُنظر إليه على أنه استنزاف للموارد، وتغيير في الأولويات. ولاحظ برومبرج، أن العديد من المحللين مقتنعون، بأن سياسة أمريكا تجاه المنطقة تعكس تحولاً استراتيجيا متعمدًا تجاه آسيا، وأن انخفاض المشاركة الأمريكية شكل مكافأة لمثيري الشغب الإقليميين. وبالمثل، أكد دانييل ستريف، من المعهد الملكي للشؤون الدولية، أن لدى واشنطن توجها استراتيجيا في المنافسة مع الصين، فيما يمثل تحولاً، بعيدًا لها عن الخليج العربي. وكذلك، يرى مازوكو، وألكسندر، أن بايدن، قد أعطى الأولوية للمواجهات مع كل من الصين وروسيا، في حين أن الأزمات الإنسانية والسياسية الإقليمية العاجلة، بما في ذلك تلك المتعلقة باليمن وسوريا، لم تتم معالجتها في الواقع. وارتبط هذا التحول الاستراتيجي، بإحجام شديد من جانب واشنطن، عن التعامل المباشر مع الأزمات السياسية التي تواجه الشرق الأوسط، بسبب خوفها من التورط مرة أخرى في صراعات طويلة؛ حاولت الإدارات المتعاقبة الخروج منها. ووفقًا لـ«دانيا الخطيب»، من مركز التعاون وبناء السلام للدراسات، فإنه مع انسحاب، الولايات المتحدة من منطقة الخليج، يبدو أنها تتبنى سياسة الفوضى، ما يمنح الحرية لأي من الجهات الفاعلة الأخرى أخذ زمام المبادرة في تشكيل الشأن الإقليمي. وعلق جوناثان فولتون، من المجلس الأطلسي، أن الموقف الأمريكي في الشرق الأوسط، قد خلق سلسلة من نقاط الضعف مع حلفائها في المنطقة، والتي تبدو الصين نفسها راغبة في استغلال نقاط الضعف هذه، وخلق حالة احتكاك بين واشنطن وشركائها الإقليميين. وفي تأييد لهذا، أكد برومبرج، أن مشاكل واشنطن في الشرق الأوسط، تنبع من حقيقة أن السياسة الأمريكية في المنطقة لا تسترشد بفكرة شاملة. ومن وجهة نظره، فإن منطق الارتجال قائم داخل إدارة البيت الأبيض الحالية، ومن ثمّ، فإن نهجها في الخليج وتحدياتها الأمنية، لا يمكن أن يُعزى إلى نوع من العقيدة. وبالمثل، قيمت كيرستن فونتروز، من مجلس الأمن القومي الأمريكي، أن سياسة بايدن الخارجية في الشرق الأوسط، كانت حتى الآن تفاعلية، وقصيرة النظر في بعض الأحيان، ويعكس هذا النقص في الاهتمام، الذي أولته إدارته بالمنطقة. وأكد برومبرج، أن بايدن، حاول مواجهة عدد لا يحصى من اللاعبين الإقليميين والعالميين المتشابكين بشكل متزايد من خلال التقليد الذي تم ممارسته منذ فترة طويلة من قبل مستشاريه والمتمثل في مجرد التخبط. ومع ذلك، فقد دافع آخرون عن السجل الاستراتيجي لإدارة بايدن. وحذر ستيفن كوك، من مجلس العلاقات الخارجية، من أن اتهام الإدارة، بأنها ليس لديها استراتيجية، غالبًا ما يعكس الاختلافات الآيديولوجية لدى المنتقدين مع الإدارة الحالية، بدلاً من الغياب الفعلي للاستراتيجية، وبدلاً من ذلك، أصر على أن واشنطن لديها استراتيجية للشرق الأوسط، حيث يقوم بايدن وفريقه بتحليل المشاكل الإقليمية، وكيف تتقاطع مع مصالح أمريكا، وما الموارد المتاحة لديهم، وما تكاليف اتباع مجموعة متنوعة من السياسات؟. وبالمثل، أوضحت ناتالي توتشي، من معهد الشؤون الدولية، أنه في خضم إعادة التوجيه الاستراتيجي للولايات المتحدة، تجاه الصين، طورت الأولى، استراتيجية تركز على تعزيز العلاقات مع الشركاء في أوروبا وآسيا، والاعتماد بشكل أقل على الأداة العسكرية؛ لتحقيق أهداف سياستها الخارجية. وفي تقرير نشره مركز التقدم الأمريكي، وصف برايان كاتوليس، وبيتر جول، نهج بايدن في الشرق الأوسط، بأنه مشاركة براغماتية، ومحاولة تجنب الوعود الزائدة، وتأكيد الخيار الدبلوماسي. وعلى الرغم من الجدل الدائر حول استراتيجية بايدن الإقليمية، فإن اقتحام إدارته الديمقراطية لهذا النمط الجديد من المشاركة الدولية، قد جعلها تواجه مشاكل كبيرة. وبالنسبة إلى «ستريف»، فإن سجل الرئيس الأمريكي العام في السياسة الخارجية، يقترح نهجًا طويلا يشجع على لغة الخطابة، ويقتصر في اتخاذ تغيير حاسم، بعد أن ربط مقاربته للشؤون الدولية، بتنشيط التعددية والدفاع عن القيم الديمقراطية. وعلى نطاق واسع، تم الاستشهاد بالانسحاب من أفغانستان، باعتبارها كارثة في ملف سياسته الخارجية في عام 2021. والتي تنعكس بشكل مباشر على قيادته، وخاصة في ظل أن الانسحاب المضطرب منها في أغسطس 2020. يمثل أكبر خطأ في سجله حتى الآن. والأهم من ذلك بالنسبة إلى علاقاته مع الشرق الأوسط، قد ترك الشركاء الإقليميين يشعرون بالانزعاج. وفي هذا الصدد، أكدت ليزا كورتيس، من مركز الأمن الأمريكي الجديد، أن عملية الانسحاب المتسرعة، وعمليات الإجلاء الفوضوية، تركت وصمة عار على جبين الولايات المتحدة وصورتها العالمية. ولا شك أن الانسحاب من أفغانستان ألقى بظلاله على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وفي غياب أي نجاحات كبرى قد تحققت من ورائه، يبدو أن الثقة في إدارة بايدن تتضاءل. وعلى سبيل المثال، أبرز كل من مازوكو وألكسندر، كيف أنه بعد عام واحد من تنصيبه، لم تتحقق تلك الوعود والتوقعات بحدوث تحول في سياسة واشنطن حيال الشرق الأوسط. وعلق كلاهما أن المخاوف الداخلية، مثل جائحة فيروس كورونا، والاقتصاد المنهك، قد هيمنت على أجندة أعماله الرئاسية، تاركةً رأس مال دبلوماسي وموارد محدودة تقود أجندة سياسته الخارجية. وبالتالي، تابعت دول الخليج بـحذر، ما قد تقرره واشنطن إزاء دورها الذي ستلعبه في المنطقة في ضوء تلك المخاوف. ويتوقف النجاح النهائي لعمليات صنع القرار المتعلقة بإدارة ملف السياسة الخارجية لبايدن الآن على نتيجة ما وصفه علي حرب، في مجلة فورين بوليسي، بـ«مبادراته الرئيسية»، والمتعلقة بالمحادثات النووية الجارية مع إيران في فيينا، وجهوده لجلب الصراع باليمن إلى نهايته. ومع ذلك، فإن حالة عدم اليقين، بشأن الجهود الأمريكية حيال تلك المبادرات تعني أن إدارة بايدن، قد تواجه المزيد من الأزمات، من وراء إيران ووكلائها، والتي كافحت الولايات المتحدة حتى تاريخه لاحتوائها. وعلى سبيل المثال، وفي إشارة إلى التعليق -سالف الذكر- حول التوجه الأمريكي نحو التركيز على محور آسيا، قال ستيفن والت، من جامعة هارفارد، إن المخاوف المستمرة بشأن المحادثات النووية، تعني أنه حتى لو بايدن، أراد التركيز على منطقة آسيا ومكافحة ظاهرة تغير المناخ وتداعياتها، ربما سيكرس وقتًا واهتمامًا أقل للشرق الأوسط، ولكن لن يكون قادرًا على تجاهله تمامًا. ومع بداية عام 2022. أوضح كل من كاتوليس، وجول، أن نهج بايدن يحتاج إلى الابتعاد عن دائرة النقاشات السياسية، التي يهيمن عليها حالة التردد والاختيار، إما بين البقاء في المنطقة، أو الانسحاب والتركيز، بدلاً من ذلك على المشاركة الثابتة بالمنطقة، نظرًا إلى وجود العديد من التحديات، والفرص في الشرق الأوسط التي يصعب تجاهلها. وعند النظر إلى مستقبل السياسة الأمريكية في المنطقة، اقترح كل من مازوكو، وألكسندر، أن إدارته يمكن أن تتعلم دروسًا قيمة من إخفاقات إدارة أوباما في هذا الصدد، ولا سيما عندما يتعلق بشعور اللاعبين الإقليميين بأنهم مستبعدون من عملية التفاوض بشأن الاتفاق النووي، وأوصى كلاهما بأن على واشنطن أن تقدم لحلفائها في المنطقة تطمينات موثوقة، بشأن التزاماتهم تجاه الأمن الإقليمي. على العموم، فإنه على الرغم من أن بايدن، قد ورث وضعًا صعبًا عالميا قد خلفه سلفه، فإن سياسة إدارته الخارجية في الشرق الأوسط، تفتقر بوضوح إلى التركيز، وتعد في نظر العديد من المحللين عالقة، في مرحلة انتقالية بين العديد من النُهج المتباينة للعلاقات الدولية. ولا شك أن الإشارات المتعلقة بالتحول نحو الاهتمام بآسيا والانسحاب من أفغانستان، قد أضرّت بعلاقات واشنطن مع حلفائها الإقليميين، لدرجة تساؤل البعض عما إذا كان لدى الرئيس وإدارته استراتيجية من الأساس للتعامل مع دول المنطقة. ومع ذلك، سعى العديد من المحللين إلى لفت الانتباه إلى تركيزه على مبادئ التعددية، والحلول الدبلوماسية، كوسيلة لتعزيز التعاون الدولي. ويبقى أنه في عام 2022. لم يعد بإمكان بايدن وإدارته الاعتماد على أعذار تحول السياسة الأمريكية في الوقت الراهن لتبرير قراراتهم، ولا سيما أن المحادثات النووية لم تصل إلى اتفاق، وستستمر الانتقادات لسياسته الخارجية في الشرق الأوسط، طالما لم يتم تحقيق إنجازات ملموسة».
مشاركة :