يعكس الهجوم الذي شنه الرئيس اللبناني ميشال عون على حزب القوات اللبنانية ورئيسه سمير جعجع إدراك مؤسس حزب التيار الوطني الحرّ للخطر المتزايد الذي يمثله جعجع على تياره، لاسيما وأن التوقعات تشير إلى أن المكون السني يتجه إلى التصويت لصالح حزب القوات اللبنانية في الانتخابات البرلمانية المزمع عقدها في مايو القادم بعد انكفاء سعد الحريري. وارتفعت شعبية حزب القوات اللبنانية داخل بيئته المسيحية على حساب التيار الوطني الحر، فيما فتحت عدم مشاركة تيار المستقبل السني في الانتخابات القادمة الأبواب أمام جعجع لتدعيم قاعدته الشعبية من خارج البيئة المسيحية وهو ما يؤرق عون وتياره المتراجع شعبيا. وقال عون “جعجع يظن أنه سيستطيع وراثة القاعدة السنية، إنما لا أعتقد أن سنّة بيروت سيجارونه بعد الذي فعله مع زعيمهم، ولا سنّة طرابلس سيدعمونه بعد الذي فعله مع زعيمهم أيضا قبل عقود”، في إشارة إلى قضية اغتيال النائب رشيد كرامي. وأوضح عون “تصوّر أنه كان قد التزم مرة بأن يمنح الرئيس سعد الحريري أصوات القوات اللبنانية خلال مشاورات التكليف، فنام الرجل رئيسا مكلفا ثم استفاق منسحبا بعدما خَذله جعجع وتراجع عن تأييده”. ويعني دعم السنة (المكون الأكثري) لجعجع تحقيق مقاعد برلمانية أكبر لحزب القوات اللبنانية على حساب التيار الوطني الحر، الذي سيتراجع ويفقد بذلك تأثيره داخل البرلمان المرتقب وخارطة التحالفات فيه التي ستنعكس بدورها على تزكية رئيس الجمهورية، إذ دأب العرف السياسي على أن يكون رئيس الجمهورية من الأغلبية المسيحية الفائزة في الانتخابات التشريعية. وحول إمكانية أن ينتزع حزب القوات اللبنانية الأكثرية المسيحية من التيار الوطني الحر في الانتخابات النيابية المقبلة، أشار عون إلى أن “هناك حملة تضليل واسعة تحصل حاليا، وستشتد تباعا للعب على عواطف الناس وأخذهم إلى خيارات غير واقعية، ولكنني على ثقة تامة بأن قواعد التيار تعرف الحقيقة وتعرف كيف تختار”. ويترك انكفاء الحريري وتياره عن الحياة السياسية الطائفة السنية في حالة تمزق، فيما يأمل خصوم جماعة حزب الله في إنهاء الأغلبية التي حققتها الجماعة وحلفاء لها، من بينهم حزب التيار الوطني الحرّ الذي تزعمه عون، في عام 2018. ويأمل حزب القوات اللبنانية المسيحي، المنتقد الأبرز لحزب الله وعون بشدة، في تحقيق مكاسب انتخابية. انكفاء سعد الحريري وتيار المستقبل يفتح الأبواب أمام سمير جعجع لتدعيم شعبيته خارج بيئته المسيحية انكفاء سعد الحريري وتيار المستقبل يفتح الأبواب أمام سمير جعجع لتدعيم شعبيته خارج بيئته المسيحية ومؤخرا، غازل جعجع المكون السني الأكثري، في خطوة يقول مراقبون إنها ربما جاءت بتشجيع سعودي. وقال جعجع في تصريحات إعلامية “الأكثرية السنية هم حلفاؤنا بطبيعة الحال على المستوى الشعبي لا القيادي، وكل من لديه نفس طروحاتنا سيكون هناك انسجام معه، والأمور لم تعد تحتمل هدنات”. ويرى محللون أن الفراغ القيادي السني في لبنان سيستمر لفترة طويلة، معتبرين أنه لا يبدو أن هناك مترشحا سنيا جديا قادرا على خلافة الحريري؛ لا شقيقه، الذي عاد مؤخرا إلى لبنان للدفاع عن خط متشدد ضد حزب الله، ولا نجيب ميقاتي، رئيس الوزراء الحالي، ولا حتى رئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة الذي راجت سيناريوهات بقيادته المكون السني من خلف الستار. وتقول دوائر سياسية إنه لا توجد شخصية سنية جديدة تتمتع بالدعم السعودي الضروري لوجودها السياسي، لكنها تشير إلى أن جعجع ربما يلقى تشجيعا سعوديا لملء الفراغ. وستؤثر مقاطعة الحريري وتيار المستقبل الذي يتبعه على العشرين مقعدا التي حصل عليها في انتخابات 2018، والعديد من المقاعد التي فازت بها جماعات أخرى لها تحالفات محلية مع تيار المستقبل. وفي حين أن أي حزب من الأحزاب الرئيسية اللبنانية لم يدع إلى تأجيل الانتخابات، يعتقد الكثير من المراقبين أن التأجيل يمكن أن يكون مناسبا لعدد من اللاعبين الرئيسيين إذا شعروا بأن الانتخابات يمكن أن تطيح بهم. وتريد الدول الغربية إجراء الانتخابات في الموعد المحدد. ومع تأكيد أغلب الكتل النيابية على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، بات التيار الوطني الحرّ متمسكا أكثر من أي وقت مضى بتحالفه الاستراتيجي مع حزب الله، حيث خفف مؤخرا من موجة الانتقادات التي وجهها له سابقا والتي تقول دوائر سياسية إنها كانت موجهة للاستهلاك الإعلامي وللقواعد الانتخابية المتململة من سياسات باسيل وما جناه الحزب بسبب التحالف. ويشكل التوتر الطائفي المتفاقم في لبنان اختبارا لتحالف قائم بين جماعة حزب الله الشيعية والرئيس المسيحي عون، إذ قد يخسر تحالفهما أرضا لصالح منافسيه الذين يُصعّدون معارضتهم لنفوذ الجماعة المدعومة من إيران. وتشير أوساط لبنانية إلى أن صراحة جعجع ومواقفه في الفترة الماضية -خاصة معارضته للنفوذ المتزايد لحزب الله- قد خدمتاه وخدمتَا القوات على حساب التيار الوطني الحر، الذي ينتظر أن يحصل على نتائج مخيبة للآمال وصادمة في الانتخابات البرلمانية المرتقبة. وكان جعجع توقع في تصريحات سابقة أن يكون حزبه أول من يربح، وبالدرجة الثانية سيربح مستقلون لديهم السياسة نفسها، مضيفا “أشك في أن يخسر حزب الله كثيرا في بيئته، ولكن خسارته ستكون في البيئات الأخرى”.
مشاركة :