دفع هاجس تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء السلطات السورية إلى مطاردة الجدوى من توسيع مشاريع الزراعة العضوية، رغم التحديات التي تواجهها في طريق تجسيد أهدافها واقعيا. وبرزت خلال الآونة الأخيرة محاولات لاعتماد هذا الأسلوب في زرع المحاصيل لمواجهة آثار التغير المناخي المدمر وتداعيات عشر سنوات من الحرب على القطاع، والذي أبقى البلد من بين أكثر دول المنطقة العربية استيرادا للغذاء. وشهدت البلاد، شحيحة الموارد، خلال الأعوام الماضية ارتفاعات غير مسبوقة في درجات الحرارة صيفا بسبب موجة الجفاف التي ضربت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما أدى إلى اختلال واضح في الدورات الزراعية وتغير في مواقيتها السنوية. وتقول وزارة الزراعة إنها تعمل على اتخاذ مجموعة من الخطوات لدعم الزراعة العضوية ونشر مفاهيمها والتوسع بها، نظرا لميزاتها الإنتاجية والتسويقية والحاجة الملحة لها في الوقت الراهن. وزارة الزراعة تريد نشر هذا المجال في المجتمعات المحلية عبر الدعم والتدريب وتعتمد هذه النوعية من الزراعات على استخدام الأسمدة البيولوجية المستمدة من النفايات الحيوانية والنباتية، وهي ضرورية للتخفيف من الضرر البيئي الناجم عن استخدام المبيدات الكيمياوية والأسمدة الصناعية في الزراعة التقليدية. كما أنها تعتمد على كمية أقل من المبيدات وتقلل من تآكل التربة ومن ترشيح النترات إلى المياه الجوفية والسطحية وتعمل على إعادة تدوير النفايات الحيوانية مرة أخرى. ونسبت وكالة الأنباء السورية الرسمية إلى مازن المدني مدير مكتب الإنتاج العضوي، الذي تم تأسيسه في 2012 إن “وزارة الزراعة تعمل بشكل مستمر على تنظيم هذه الزراعة والتعاون مع مختلف الجهات المعنية للوصول إلى منظومة عمل متكاملة”. وأوضح أنه تم التوجه إلى برامج المكافحة الحيوية للعديد من الآفات الزراعية لتسهيل التحول إلى الزراعة العضوية، إلى جانب تأهيل كوادر متخصصة لنشرها في المجتمع المحلي عبر دورات تدريبية للعاملين والفنيين في الوحدات الإرشادية والداعمة. وأسس المكتب دوائر فرعية للإنتاج العضوي بمختلف المحافظات، ورفدها بالكوادر والتجهيزات اللازمة للعمل وتدريب والمزارعين عمليا على هذه الزراعة ضمن مدارس مخصصة لها يبلغ عددها نحو 94 مدرسة. وكانت وزارة الزراعة قد منحت في 2018 ترخيصا لإحدى جهات منح الشهادات العضوية الإيطالية “سي.سي.بي.بي” لاستقطاب الراغبين في التحول للزراعة العضوية. وتبدو الشكوك مسيطرة على هذه الخطة لأن دمشق سبق وأن أعلنت عن حوافز لقطاعات أخرى مثل الصناعة، ولكنها لم تفلح بسبب قيود الاستيراد وأيضا التراجع القياسي في سعر صرف العملة المحلية أمام الدولار. وتواجه سوريا واحدة من أعقد الأزمات في العالم بعد مرور أكثر من عشر سنوات على الانتفاضة الشعبية ضد نظام بشار الأسد، ما قلص الفرص الاقتصادية ودمر سبل عيش السكان بما في ذلك البنية التحتية والخدمات الزراعية. ويشكل قوت السوريين إحدى الدعائم المتداعية، وتريد دمشق إحياء قطاع الزراعة الذي كان يحتل مكانة مركزية في الاقتصاد، فقد مثل قبل اندلاع الأزمة 19 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وكان يسهم في تشغيل 26 في المئة من مجموع السكان العاملين.
مشاركة :