حمل قرار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أخيرا بإلغاء الحكم الصادر ضد الباحث أحمد عبده ماهر بالسجن خمس سنوات في قضية تتعلق بازدراء الأديان، رسالة سياسية مهمة بشأن دعم عملية الاجتهاد والوقوف بجوار حرية التفكير والابداع. وبهذه الخطوة يسقط مباشرة الحكم السابق على الباحث المصري، وستتم إعادة محاكمته في السابع من فبراير الجاري أمام دائرة جديدة، ما يمثل تجاوبا مع النداءات التي حثت السيسي على استخدام سلطاته القانونية لوقف تنفيذ الحكم. وبقدر ما تعد الخطوة إيجابية وداعمة للحريات، بقدر ما يمكن فهمها في سياق سلبي يؤكد تدخل رئيس الجمهورية في أحكام القضاء، ما يمنح بعض الجهات التي طالبته بالإفراج عن عدد كبير من المعتقلين في السجون المصرية فرصة لزيادة الضغوط السياسية، إذ يبدو وقف تنفيذ حكم خاص بازدراء الأديان دليلا على عدم حصانة القضاء، كما تروّج وسائل الإعلام في مصر. وأكد خبراء قانون أن تدخل السيسي له ضوابط محددة وفي حالات معينة، خوّلها له الدستور ويستخدمها عندما تكون هناك ضرورة وبما يتسق مع القانون. أحمد عبده ماهر: العار ليس في الحكم وإنما فيما ارتكنت إليه تلك الأحكام وقال الخبراء إن إلغاء الحكم من قبل السيسي جاء مستندا لوجود خطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع عن المتهم، واستجاب مكتب التصديق التابع لرئاسة الجمهورية لمذكرة قدمتها هيئة الدفاع على إثرها تقرر إلغاء الحكم بالحبس. ومن هنا يعتبر القرار جاء بمثابة تصحيح لخطأ قانوني ويتفق مع الاستراتيجية الشاملة لحقوق الإنسان التي أطلقها السيسي وتراعي الحالات الإنسانية وحرية الاجتهاد. وصدر الحكم بالحبس مع الشغل والنفاذ في نوفمبر الماضي بعد أن تقدم المحامي سمير صبرى ببلاغ إلى النائب العام ونيابة أمن الدولة العليا ضد الباحث لازدراء الدين في دراسة بعنوان “ضلال الأمة بفقه الأئمة.. نحو تنوير فقهنا الإسلامي” والتي أثارت انقساما بين مؤيدين لتجديد الفكر الديني ومعارضين له. وأدان ماهر الحكم ضده على الفور في تغريدة على موقع تويتر قائلا “أحكام الحبس ليست عارا، لكن العار قد يكمن فيما ارتكنت إليه تلك الأحكام”. وظلت القضية تتفاعل سياسيا وإعلاميا في أروقة مختلفة، بعضها كان صوته مرتفعا والبعض بدا همسا من خلف الجدران، إلا أن نزع السيسي لفتيل أزمة قبل أيام كان يمكن أن يجعل القضية تكبر وتسيء إلى حكمه في ظل مطالباته المستمرة بتجديد الخطاب الديني. وأشاد الإعلامي إبراهيم عيسى في برنامجه “حديث القاهرة” على قناة “القاهرة والناس” مساء الأربعاء برفض الرئيس السيسي التصديق على الحكم، باعتباره على حد قوله “حكم لا يُصدَّق أنه صدر في مصر لكي يُصدَّق عليه”. وينطوي عدم التصديق على الحكم على العديد من الدلالات السياسية بشأن توفير مساحة للاجتهاد الديني ضد مؤيدي الانغلاق والتمسك بعدم المساس بالتراث في مؤسسة الأزهر، ويحمل موقف السيسي رسالة مهمة لجهات قضائية ودينية وإعلامية، مفادها أن رئيس البلاد يدعم الانفتاح وسيكون نصيرا للمجتهدين. وقال إبراهيم عيسى “عندما يرفض رئيس الجمهورية التصديق على حكم حبس كاتب وباحث لاتهامه بازدراء الأديان فهذا لا يعني تغوّلًا من السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، فالتصديق كان واجبًا”. موقف السيسي يحمل رسالة مهمة لجهات قضائية ودينية وإعلامية مفادها أن رئيس البلاد يدعم الانفتاح وسيكون نصيرا للمجتهدين وألمحت بعض الدوائر السياسية إلى أن إبطال السيسي لأحكام بعض القضاة من خلال الإفراجات أو الإعفاءات من تنفيذ العقوبات يعد تدخلا سافرا في أحكامه. وطالب البعض من المثقفين والسياسيين على إثر الحكم بحبس المحامي والباحث عبده ماهر بتهمة ازدراء الأديان بتدخل السيسي شخصيا لمنع تنفيذ حكم المحكمة بحبسه خمس سنوات، ووجه ماهر نفسه نداء إلى الرئيس بهذا المعني فور صدور الحكم وقال إنه “نفّذ كلام السيسي حين حاول تطهير الفقه وليس العقيدة أو الشريعة”. وأدانت الكثير من منظمات حقوق الإنسان والنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي الحكم لأنه جاء عقب تأكيد السيسي أن مصر تتبنى حرية الفكر والإبداع والتعبير. ويشير قانون العقوبات المصري إلى مسألة ازدراء الأديان ويرفضها تماما، وهو ما يقف عائقا ضد حرية الفكر ويتناقض مع الاجتهاد، حيث يوضع سيف على رقبة كل من يتصور أنه يقدم طرحا جديدا في قضية تتسم بحساسية عالية في المجتمع المصري. وقد وضع المشرع جريمة ازدراء الأديان في الباب الثاني من الكتاب الثاني من قانون العقوبات تحت عنوان “الجرائم المضرة بأمن الدولة من جهة الداخل” إذ نصت المادة 98 على أنه “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تتجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تتجاوز ألف جنيه لكل من استغلّ الدين في الترويج بالقول أو الكتابة أو بأيّ وسيلة أخرى لأفكار متطرفة، بقصد إثارة الفتنة أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية”.
مشاركة :