ليست لدى الولايات المتحدة نية في المساعدة لإنهاء مشكلات المنطقة. ذلك ما يُمكن أن يُقال بشكل صارم بعد اعادة اعفاء إيران من عدد من العقوبات. وهنا ينبغي التفريق ما بين الكلام العمومي الذي يركز على الظلم الذي تنطوي عليه العقوبات في حق الشعوب وبين الكلام الخاص الذي يركز على وضع النظام الإيراني الاستثنائي حيث يتم استعمال المال في دعم وتمويل الارهاب في مختلف صوره. ولكن هل الدول المنطقة عاجزة عن حل مشكلاتها بحيث يُطلب من الولايات المتحدة القيام بدور، هي ليست راغبة في القيام به ليس لأنها عاجزة عن اداء ذلك الدور، بل لأنها تريد للأوضاع أن تستمر كما هي أو تزداد تدهورا؟ حين وقعت الولايات المتحدة الاتفاق النووي مع إيران أيام أوباما عام 2015 كان واضحا بالنسبة للمملكة العربية السعودية وهي كبرى الدول في المنطقة أن ذلك التوقيع ينطوي على استهانة بوجود وسيادة ومصالح الدول العربية المجاورة لإيران وأن هناك تداعيات سيئة كثيرة ستقع من جراء حصول إيران بسبب الاتفاق على أموال ستنفقها على ميليشياتها وهو ما حدث فعلا. يومها حدث جفاء بين السعودية والولايات المتحدة، كانت السعودية حريصة على عدم اخفائه. وهنا ينبغي العودة إلى السؤال. فالولايات المتحدة مسؤولة عن معظم ما جرى في المنطقة من مشكلات. ذلك لا يعفي دول المنطقة من المسؤولية. ولكنها مسؤولية جرت تحت الحماية الأميركية. كل ما عاشه العراق ويعيشه الآن وسيعيشه في المستقبل تقع مسؤوليته على الولايات المتحدة التي غزت ذلك البلد المحطم لتضعه تحت احتلالها وتمحو دولته وسيادتها وتمزق مجتمعه وتلغي كرامة قراره المستقل. تقاسمت الولايات المتحدة بعد ذلك النفوذ مع إيران وإن بطريقة غير معلنة. من خلال العراق صارت إيران جارة لدول الخليج أكثر مما ينبغي. اما حين قام الحوثيون بانقلابهم واحتلوا العاصمة اليمنية صنعاء وشنوا حربا على الشرعية فإن الولايات المتحدة لم تقف مع الشرعية ولم تدع المجتمع الدولي إلى الوقوف ضد الانقلابيين انتصارا للشرعية، بل أنها فعلت الأسوأ حين رفعت الجماعة الحوثية من قائمة الارهاب الدولي. وهكذا اتسعت حدود إيران مع دول المنطقة التي لم تعد مواقف الادارة الأميركية تصدمها. وحين نتساءل عن موقف الولايات المتحدة من النفوذ الإيراني فيي لبنان والمساهمة الإيرانية المعلنة في الحرب السورية ليس من الصعب أن نهتدي إلى جواب واحد. الصمت وهو علامة الرضا. هل ننتظر مثلا أن تعلن القوة العظمى عن دعمها لحزب الله مثلا وهي التي تشن حربا عالمية من نوع آخر على عصابات تهريب وتبييض الأموال وتهريب المخدرات والمتاجرة بها، تصيب بعض شراراتها تلك الجماعة اللبنانية المسلحة التابعة علنا للحرس الثوري الإيراني؟ لقد طُردت القوات الأميركية من العراق بشكل مهين. ذلك ما هو معلن وهو ما عزز النفوذ الإيراني الذي يمثله الحشد الشعبي الذي لن يتمكن أي نظام سياسي مهما كان استقلاله أن يلغي وجوده. ولطالما أُهينت الولايات المتحدة في لبنان على يد جماعات شيعية مسلحة ولم يكن هناك أي رد وفي اليمن فقد كانت الأساطيل الأميركية تقف على مقربة من عمليات تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين. بين كل عشر سفن إيرانية مدججة بالسلاح تعلن البحرية الأميركية عن اصطياد واحدة. كل الصواريخ البالستية وكل الطائرات المسيرة التي يطلقها الحوثيون هي من صنع إيراني. حين ينظر العرب إلى الولايات المتحدة برجاء وعتب ولوم وتنديد فلأنهم يعرفون أنها كانت قد ساهمت في صناعة مشكلات المنطقة وهم يدركون أن المزايدة الأميركية على مشكلاتهم هي جزء من لعبة ستستفيد منها إيران وحدها. الأمر المؤسف أن بعض العرب لم يصدق بعد أن الولايات المتحدة تضع مصالحها على شعرة ستكون إيران حريصة على أن لا تقطعها. وذلك ما يعني أنها تذهب بدول المنطقة إلى الحافة. حافة الشعور بالخطر الدائم. ولا يمانع الإيرانيون من تمثيل ذلك الخطر بالرغم من أنهم ليسوا جادين في مد نفوذهم بعيدا عن العراق واليمن ولبنان وسوريا. ألا يكفي ذلك لتكون المأساة ماثلة ومعلنا عنها ومهينة للمجتمع الدولي الذي يرضى لنفسه أن يكون شاهدا مغلول اليدين؟ صنعت الولايات المتحدة مشكلات المنطقة وهي لذلك غير مستعدة لمصارحة الدول المتضررة بالحقيقة، بل هي تعمل على العكس من ذلك حين تقرر احياء الاتفاق النووي من غير أن تواجه إيران بمسألة سياساتها العدوانية في المنطقة. اما لماذا تعادينا أميركا. فذلك سؤال ينبغي علينا من أجل أن نجيب عليه التحرر من وهم حبها.
مشاركة :