قلها ولا تتردد: أنا سعودي، أنا إماراتي الحقيقة من وراء كل ما تتعرض له السعودية والإمارات من اعتداءات لا علاقة له بما يجري باليمن، علاقته الوحيدة أنهما على قوة واستقرار يثيران في النفوس المريضة الضيق والغيرة والحسد. نجاحات تثير في النفوس المريضة الضيق والغيرة والحسد عندما تصبح بلادٌ عربية لم تقدم لجوارها وروابطها إلا الخير عُرضةً لهجمات من جانب عصابات طائفية، فماذا ستكتشف في نفسك؟ وأي قول ستقول لها؟ سوف تكتشفُ جرحا يُلح عليك بأن تصرخ، بأنك أنت من يتعرض للهجوم. وأنك أنت من تتحمل الخسائر. وأن بلادك، أيا كانت، من موريتانيا إلى البحرين، تواجه الأذى نفسه. السعودية ظلت تتعرض لهجمات هذه العصابات من قبل أن تندلع الحرب لاستعادة الشرعية في اليمن. وجماعة الحوثي ظلت تتسلح بما يتم تهريبه إليها من صواريخ إيران، من قبل أن تذهب لتستولي على السلطة بذلك الانقلاب المشؤوم قبل سبع سنوات. وها أن الإمارات صارت هي الأخرى هدفا. لا تحتاج العصابات الطائفية إلى ذرائع. كل شيء بالنسبة إليها ذرائع. يكفي أن تنظر إلى قوة وازدهار البلد الذي تهاجمه، لتعتمل في نفسها الذرائع. يكفي أن بلادك لا تنخرط في أي نزاع، لتنشغل بالصحة والتعليم والنمو الاقتصادي، فتعتمل في نفس العصابات الذرائع. إذ كيف تفقر إيران وتفشل ولا يكون ذلك من جملة الذرائع؟ الحقيقة، من وراء كل ما تتعرض له السعودية والإمارات من تهديدات واعتداءات، لا علاقة له بما يجري باليمن. علاقته الوحيدة هي أنهما على قوة واستقرار وغنى، مما يثير في النفوس المريضة الضيق والغيرة والحسد. المنطق، لو كان هناك سبيل إليه، فإنه سيقتضي من العاقل أن يمد يد التعاون، وأن يقتفي الأثر. ألا يقول المثل “ضع قدمك على قدم السعيد، تسعد”؟ ولكن الذين أظلمت أبصارهم على ضغينة، وضاقت نفوسهم على حسد، وغلبت عليهم مشاعر الإحباط مما ظلوا يفعلون بمواردهم، ما كان بوسعهم، بالأحرى، إلا أن يجدوا في نجاح الغير، ضررا لهم، حتى لكأنهم يعتبرونه إدانة ضمنية لفشلهم. بينما كان المنطق يقتضي منهم أن يقتفوا الأثر، لا أن يسدوا الطريق أو أن يتصرفوا كقاطع طريق. عندما تنشغل السعودية والإمارات بأمنهما حيال عصابات الولي الفقيه وعصابات الإرهاب الأخرى، تخسر موريتانيا والمغرب وتونس، وخذ الطريق من هناك إلى المنامة. وسترى أن الكل يخسر. إيران لم تقابلنا إلا باللؤم. وهذا أمر قديم للغاية. ولم نعرف السبيل حتى الآن كيف نتخلص منه. منبع الشر هناك فيّاض إلى درجة أنه يغزو بعصاباته نفوسا ومجتمعات ليسحقها تحت رؤى طائفية ومزاعم ثورية كاذبة هاتان هما القوتان الاقتصاديتان العربيتان الأكبر. وهما قوتا بناء واستثمارات وتنمية. استراتيجياتهما للتعاون الإقليمي تقوم على قناعة تقول إنك تقوى إذا قوي جارك. وإن المال الذي يمكن أن ينمو في أي مكان، يمكنه أن ينمو في خير بيئته أيضا. وما من بلد عربي يضعف إلا وتضعف مناعة البلد الآخر. والوشائج وشائج في نهاية المطاف. عندما تضعف مصر، إنما تضعف السعودية. وعندما تضعف البحرين تضعف الإمارات، وقس على ذلك. لماذا؟ لأننا في مركب واحد. سمّه ما شئت، قوميا أو دينيا أو ثقافيا أو لغويا أو تاريخيا، إلا أنه مركب واحد. وإيران نفسها لم تكن بعيدة عن هذا التصور. لأنها جار في النهاية. فتقدمت لها يد الخير. ولو بعد أن تعرضت اليد للعض مرة بعد مرة. وفي كل مرة، كان الأمل أن تكون تلك هي المرة التي ستقابل بالخير، لا بالشر. ولكن الشر عاد ليتكرر. وكأنه يريد أن يعيد علينا ما نعرف “إذا أنت أكرمت الكريم ملكته، وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا”. إيران لم تقابلنا إلا باللؤم. وهذا أمر قديم للغاية. ولم نعرف السبيل حتى الآن كيف نتخلص منه. منبع الشر هناك فيّاض إلى درجة أنه يغزو بعصاباته نفوسا ومجتمعات ليسحقها تحت رؤى طائفية ومزاعم ثورية كاذبة وهويات جديدة، وأحقاد ممتدة، ولا تعلم كيف صار من الجائز أن تكون بلادك ضحيتها، مهما ابتعدت عن ذلك المنبع. أهي حرب بين السُنة والشيعة؟ الفكرة نفسها غبية، لأسبابٍ من أينما جئتها وجدتها قائمة إما على زيف، أو حقد، أو أوهام، أو أكاذيب، أو قراءة خاطئة، أو تأويل مريض، يلوي عنق الحقيقة، ثم يقطعها. أهي صراع على النفوذ؟ حتى الصراع يجب أن يكون قائما على نموذج ومعنى. والعالم غارق بالصراعات على النفوذ. وما من واحد منها إلا ويقترح مثالا للتنمية أو للتقدم. فماذا اقترحت إيران على نفسها غير الخراب والفقر والتضخم والبطالة والفشل؟ أبهذا النموذج يمكن إدارة صراع على النفوذ؟ أفلا ترى السبب الذي يجعل إيران تستعين بالحثالة من البشر، وبسقط المتاع ممن إذا أعطيتهم نفوذا أفسدوا فيه، وممن إذا أعطيتهم سلطة حولوها إلى مرتع انتهاكات وجرائم، وممن إذا أعطيتهم كنزا نهبوه وأفلسوه. والسبب هو أن الفشل لا يُثمر إلا فشلا. أفلا يقول المثل “الإناء ينضح ما فيه”، فانظر إلى إناء الخراب في إيران وستعلم لماذا ينضح ميليشيات جريمة مثل هذه التي ترى في لبنان والعراق واليمن. إيران لا تلاحظ التناقض بين نمط الجريمة الذي تشيعه وبين الحاجة إلى مجتمعات مستقرة، قادرة على أن توفر لنفسها عيشا كريما. لا تلاحظ أن دولة العصابة شيء، ودولة المؤسسات شيء آخر. واللئيم إنما يكره نجاح الآخرين. ويعجز، لعلةٍ في نفسه، أن يلحق بركبهم. فيزيد على نفسه الفشل. يخجل المرء لو قال إن الحيوانات ذات منطق أفضل. والحيوان أعقل. هل رأيت حيوانا أرعن؟ هل رأيت حيوانا يدفع بنفسه إلى التهلكة لأنه حقود؟ ولن يمضي ذلك إلا في الطريق المألوف. فالذين يُسخّرون أدوات الرعونة لغاياتهم، إنما يحفرون لأنفسهم. السعودية والإمارات لن تخطوا خطوة واحدة إلى الوراء. لقد سلكتا طريقا للنجاح يمتلك آليات تشتغل من تلقاء نفسها لكي تنتج الاستقرار والازدهار والتقدم. فقلها ولا تتردد: أنا سعودي، أنا إماراتي، ولكن، وللمرة الأولى، ليس لأن هذين البلدين يواجهان عدوا أرعن فيهددهما ويهدد بالتهديد بلادك أو لأنهما بحاجة إلى تضامنك، بل لأنك بحاجة إلى أن تقتفي منهما الأثر لتبحث عن سبيل يوفر آليات تنمية وتقدم تشتغل من تلقاء نفسها. وعندما تنظر إلى ذوي العصابات والأحقاد، يكفي أن تقول ما قاله أبواليمن الكندي: إن اللئيم على حقارة قدره لَينال من عِرض الكريم منالا كم من كلاب بالنفوس وإنها لتُظن من صورِ الجسوم رجالا. علي الصراف كاتب عراقي
مشاركة :