محمد بن سالم البطاشي قليلة هي المنظمات التي تتطرق إلى مُناقشة سلوك إسرائيل وممارساتها في الأراضي العربية المحتلة، نتيجة لتأثيرات نفوذ إسرائيل والصهيونية العالمية والماسونية واللوبيات التي تعمد عادة إلى إحباط أية محاولة من هذا القبيل وإجهاضها قبل ولادتها؛ حيث استطاعت تلك المؤسسات وبكثير من الخبث والمكر والدهاء أن تقلب الليل نهارا والنهار ليلا، وأن تزيف الوقائع وتغير الحقائق وتحجب الضوء- في السماء الصافية عند رابعة النهار- عن الملايين من شعوب العالم وأن تُجبر وتُغري بل وتشتري وترهب ساسة كثرا من أصحاب النفوذ والقرار. من خلال بحث مُعمق امتد منذ عام 2017 وحتى عام 2021، استطاعت منظمة العفو الدولية كشف المسكوت عنه وهتك المستور، في شجاعة ومسؤولية مهنية تحملتها الدكتورة أنياس كالمار المديرة العامة للمنظمة؛ حيث صدر التقرير حول واقع الفلسطينيين في ظل الاحتلال بتاريخ الأول من فبراير 2022. وسلط الضوء على جرائم إسرائيل في الأراضي العربية المحتلة وفضح إجراءاتها العنصرية وفند ادعاءاتها الباطلة، ومُمارساتها في الأراضي العربية المحتلة، حيث اختصر التقرير الوضع المأساوي للفلسطينيين القابعين تحت نير الاحتلال سواء الذين يسكنون في الخط الأخضر أم في المناطق المحتلة عام 1967 أنه جريمة فصل عنصري مكتملة الأركان، وقد عدَّد التقرير جرائم شتى، يندى لها جبين الإنسانية وتمقتها الفطرة السليمة وتحرمها الأديان السماوية، وكعادتها قامت قيامة إسرائيل ومن يؤازرها وأرغوا وأزبدوا بعد أن فضحهم التقرير وتكلم ببعض ما نعلمه نحن العرب وما تفجع به إسرائيل الفلسطينيين كل يوم، وأطلقت حملة مسعورة على المُنظمة ورئيس فريق البحث والمديرة العامة للمنظمة وألصقت بهم التهمة المعتادة في مثل هذه المواقف (مُعاداة السامية) وهي تهمة ممجوجة وباطلة توصم بها إسرائيل -ومناصريها- كل من يحيد عن الولاء المطلق لها ويتجرأ على نقد إسرائيل أو حتى لومها، وقد فقدت أي معنى لها جراء استعمالها زورا وبهتانا. إن هذا التقرير قد سبب ضرراً بليغا بالصورة الوردية التي رسمتها إسرائيل وعملت على ترسيخها سنوات طوال في أذهان عدد كبير من شعوب العالم، مدعية أنها تمثل الغرب في قيمه ومبادئه ومصالحه وطموحاته وأنها جنة الديمقراطية وسط بحر من الهمجية والتخلف والديكتاتورية وأنها رائدة المتنورين وقائدة قافلة الحداثة في صحراء العرب، وبأنها واحة التقدم والتحضر والاستقرار، وقد ادعت مرارا وتكرارا أن ما تقوم به من أعمال ما هو إلا دفاع عن الحضارة والقيم والمثل والمبادئ الغربية. "مكافحة الإرهاب" هي القصيدة العصماء التي تسمعها إسرائيل للعالم كل آن وحين، وتصور عملياتها الإجرامية ضد السكان العرب على أنه دفاع عن النفس ضد من يُهددون وجودها!!!!!، تكرر هذه المقولة بدون مواربة أو حياء، وهي الدولة المارقة الأولى في العالم، سواء باستخفافها بقرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، المتعلقة بسلوكها في لأراضي العربية المحتلة وحقوق الشعب الفلسطيني، أو بعدم انضمامها إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وملاحقها المتعددة، وعدم تصديقها على معاهدات تحريم إنتاج واستخدام وتداول وحيازة وتخزين الأسلحة الكيميائية أو البيولوجية، وهي الدولة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط التي تمتلك ترسانة نووية وكيميائية وجرثومية هائلة مع وسائل إطلاقها المُتعددة، بعيدة تمامًا عن وسائل الرقابة والتفتيش الدوليين، ومع ذلك فإنَّ نفوذ الصهيونية والماسونية العالميتين واللوبيات التي تعمل ليل نهار جعلت حكومات العالم الفاعلة والمنظمات الدولية صماء بكماء عمياء بلهاء فاغرة فاهها لا تحرك ساكنًا. يرصد التقرير جرائم إسرائيل عبر العديد من الوسائل منها تقارير متراكمة أصدرتها وكالات الأمم المتحدة، وتلك الموثقة من قبل منظمة العفو الدولية، ومنظمات حقوقية غير حكومية إسرائيلية وفلسطينية ودولية، توثق بالأدلة الدامغة والأحداث الموثقة أفعالا تقشعر لها الأبدان وترفضها الفطرة السوية، حيث إن نظام الفصل العنصري الذي تفرضه إسرائيل على السكان العرب (مسلمين ومسيحيين) يقوم على الهيمنة والتسلط والتمييز ويهدف إلى إفراغ الأرض من سكانها الأصليين ويستخدم القوة الغاشمة وعمليات واسعة النطاق من النهب المنظم للأراضي بالقوة، وسرقة الثروات الطبيعية والتراث والترحيل القسري وهدم المنازل والحصار والعقاب الجماعي وسن التشريعات الظالمة وتشجيع غلاة المُتطرفين وحمايتهم أثناء هجماتهم الإرهابية على الأحياء والقرى العربية بغية اقتلاع سكانها تحت تهديدات الحرق والقتل وتجريف الأراضي الزراعية، بدعاوى الأمن الواهية، والقتل خارج نطاق القانون والاعتقال الإداري والابتزاز، وحرمان الفلسطينيين من حقوق المواطنة والجنسية والوثائق الثبوتية وحرية التنقل والعمل والصحة والتعليم، وغيرها الكثير مما لا يقع تحت حصر، مشكلا بذلك نظاما متكاملا للفصل العنصري الذي يتم الحفاظ عليه عبر سلسلة متواصلة من الإجراءات الدموية التي تشكل جرائم ضد الإنسانية. وقد دعا التقرير المحكمة الجنائية الدولية ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى القيام بواجباتهما عن طريق التحرك السريع لمقاضاة إسرائيل ومسؤوليها وجلبهم إلى ساحة العدالة الدولية جزاء على هذه الجرائم. جامعة الدول العربية ومُنظمة المؤتمر الإسلامي يقع عليهما عبء كبير في فضح المُمارسات العنصرية للاحتلال وعليهما التقاط الخيط والبناء عليه والتحرك الفاعل على الساحة الدولية، والعمل عن قرب مع المنظمات الدولية القائمة على مُراقبة سلوك الدول فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وإعادة العمل من جديد من أجل استصدار قرار جديد يدمغ الصهيونية بالتمييز والعنصرية، مماثل لذلك القرار الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1975. والذي ألغاه النفوذ الصهيوني والماسوني المتنامي عام 1991. كما إن الإعلام الحر ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة تستطيع قيادة الوعي العالمي وتسليط الضوء على ممارسات إسرائيل وسلوكها المهدد للأمن والسلم الدوليين، وقد أثبتت وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الموازي، قوتهما وتأثيرهما الكاسح في مناسبات عدة، واستطاعت توجيه الأنظار وتغيير النظرة النمطية للأحداث وتبديل القناعات عن طريق نقل الواقع كما هو من ساحة الحدث بدون رتوش، مما سيكون له أكبر الأثر في توسيع نطاق حركة المُقاطعة العالمية لإسرائيل، وهو سلاح فتاك تخشاه إسرائيل وكل مناصريها، لما له من أثر حاسم على المستويين السياسي والاقتصادي.
مشاركة :