المعروف أن جنرالات ميانمار الذين قادوا انقلاباً عسكرياً في فبراير 2021 ضد الحكومة المدنية بقيادة رابطة الوحدة الوطنية وزعيمتها «أونغ سان سوكي»، تسببوا بعملهم هذا في عزلة بلادهم دولياً، بل وقيام دول بفرض عقوبات ضدهم، الأمر الذي وضعهم في ورطة ولاسيما لجهة إمدادات السلاح اللازمة لمواصلة أعمالهم القمعية ضد مواطنيهم، سواء من أنصار الديمقراطية البوذيين أو من أقلية الروهينغيا المسلمين. وما تمّ تداوله مؤخراً حول وجود اتصالات سرية وتعاون عسكري بين النظامين الإيراني والميانماري، بات اليوم حقيقة لا يمكن إنكارها. إذ يجمع المراقبون على أن جنرالات ميانمار، لم يجدوا أمامهم دولة مستعدة لمؤازرتهم وتقديم الدعم العسكري لهم سوى إيران التي باتت اليوم عنواناً للتدخل في شؤون الدول الأخرى وتوتير أوضاعها. والملاحظ أن طهران قامت فور استيلاء العسكر على السلطة في ميانمار قبل عام، بتحذير رعاياها من السفر إلى هذه البلاد، وأعلنت أنها على اتصال مع النظام الميانماري الجديد لتأمين عودة رعاياها إلى إيران. لكن هذا الذي بدا وكأنه قلق من الأوضاع المستجدة هناك، سرعان ما تحول إلى تعاون واتصالات بين البلدين. راحت المعلومات حول هذا التعاون تتوالى منذ أن نشرت صحيفة «آسيا تايمز» الصادرة في هونغ كونغ، والواسعة الانتشار، تقريراً مستنداً إلى مصادر دبلوماسية وثيقة الإطلاع حول قيام مسؤولين من الحرس الثوري الإيراني بأكثر من زيارة لميانمار منذ فبراير 2021، واستقبال مطار نايبيداو الدولي مذاك لأكثر من رحلة قامت بها طائرات شحن تابعة لخطوط «قشم فارس» المدرجة على لائحة العقوبات الأمريكية منذ عام 2019. وبطبيعة الحال، كان لا بد أن تثير هذه الرحلات الجوية الغريبة الكثير من الشكوك والتساؤلات، وهو ما دفع أجهزة الاستخبارات في أكثر من بلد إلى تتبع مسار الرحلات الدولية القادمة إلى ميانمار أو المنطلقة منها، إلى أن تبين أن طائرات الشحن الإيرانية تنطلق من مدينة مشهد وتعود إليها في اليوم التالي بعد أن تفرغ في ميانمار شحناتها. من جانبها، قالت حكومة ميانمار الشرعية على لسان وزيرة خارجيتها «زن ماري أونغ» أن تلك الشحنات الإيرانية عبارة عن معدات اتصالات للاستخدام العسكري، فيما رجحت قناة «تجهيزات نظامي» المعارضة الناطقة بالفارسية أن تكون الشحنات عبارة عن طائرات درون إيرانية الصنع من نوع «مهاجر6» المتطور. وفي اعتقادنا أن كلام القناة الإيرانية هو الأقرب إلى الصواب، خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار أن عسكر ميانمار في حاجة ماسة إلى المسيرات لإصابة مراكز تجمع معارضيهم والمتمردين على نظامهم في الأدغال والأحراش على أبعاد تتراوح ما بين 500 إلى 900 كلم. هذا ناهيك عن أن الإيرانيين نجحوا خلال العقود الماضية في تصنيع وتطوير عدة أنواع من الطائرات المسيرة الخفيفة ذات المواصفات المختلفة لجهة الوزن والسرعة والمدى، والذبذبات والقدرات التحميلية والتحليقية، من تلك الكفيلة بتحقيق أهداف الجيش الميانماري، وعلى رأسها سبعة أجيال من طائرة «مهاجر»، التي بدأت الدراسات حولها زمن الحرب العراقية الإيرانية. وتمّ استخدام نسختها الأولى عام 1981. ولعل ما يعزز كلامنا هذا هو أن إيران سبق أن أرسلت هذا الطراز من المسيرات إلى عدد من الأنظمة الدائرة في فلكها ومنها سوريا وفنزويلا، كما زودت بها التنظيمات الموالية لخطها المذهبي في العراق وأفغانستان واليمن ولبنان. ويبقى السؤال «لماذا يحشر النظام الإيراني أنفه في أوضاع ميانمار «البوذية» البعيدة عن الحدود الإيرانية بآلاف الكيلومترات؟»، وهو الذي ظهر قبل نحو خمس سنوات يتباكى على أوضاع مسلمي ميانمار من الروهينغيا المضطهدين، وذلك حينما دعا إلى تشكيل «تحالف عسكري إسلامي» لمواجهة مخططات جنرالات ميانمار القمعية. فهل تدخلها يا ترى هو من باب تحدي الإدارة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، التي فرضت عقوبات على الطغمة العسكرية الميانمارية؟ أم أنه محاولة ابتزاز سمجة للضغط على الأمريكيين والأوروبيين في محادثات فيينا النووية؟ أم أنه مجرد مهمة تقوم بها نيابة عن بكين وموسكو اللتين كانتا مصدرين رئيسيين لسلاح الجيش الميانماري، فتوقفتا كي لا تتعرضا لإدانة المجتمع الدولي؟ أم أنه التقاء مصالح نظامين تجمعها المعاناة من العزلة والعقوبات الدولية؟ ربما كانت الإجابة هي كل هذه الاحتمالات مجتمعة، أو ربما كان دافع نظام الملالي وحرسه الثوري من وراء تصدير السلاح إلى هذا البلد الآسيوي قليل الحظ، هو الحصول على المال بطرق ملتوية لمواجهة الضائقة الاقتصادية وخواء الخزينة. * أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :